– نَفَسنا ونَفْسنا ( حياتنا)
كورونا، او الوباء الشرس، غيّر المفاهيم ولفت انتباهنا الى امور كثيرة، كانت بالنسبة لنا، بديهية وعفوية.
سلبت “كورونا” من الكثيرين،
النَفَس( التنفس) كما قضت على النَفْس ( الذات)، واعدمت البعض الحياة.
في ” زمن كورونا ” كما شاعت تسميته، عرف الانسان معنى الحياة وادرك أهمية التنفّس في حياته. لم يدرك من قبلُ، قيمة ” النّعمة” التي كان يحياها بشكل لا إرادي وعفوي، فهو يتنفس الهواء منذ ثوانيه الاولى بطريقة لا شعورية، وهي الدلالة الاولى على سلامته وصحة رئتيه. غير ان اقتحام ” كورونا كوفيد١٩، حياة البشرية جمعاء، ايقظ لدى المرء، الاحساس بقيمة ما يملك، وعلّمه ماهية النَفَس والتنفس التلقائي، والذي من دونهما تتوقف الحياة … موجةٌ من الهلع الجماعيّ والخوف والاضطراب، حرّكت الشعور الانساني وسلّطت الضوء على ضرورة الاهتمام الفردي والمجتمعي، الاهتمام بالآخر وصحته وحياته. أدرك الانسان اهمية الصحة وضرورة الحفاظ على نِعم الله وهباته وبخاصة نعمة “الهواء” الطبيعي.. نعم ” هشاشة الانسان” وحاجته القصوى للتنفّس من اجل ان يحيا، باتت الهدف الاول، والخوف من الاختناق والموت اجبر البشرية جمعاء على ضرورة تغيير نمط الحياة وماهية عيشها، كل ذلك يتطلب منّا الرعاية الكافية والمرافقة الصحية والنفسيّة لكل من طالته التداعيات الشرسة لذلك الفيروس الخبيث. الشعور بالوحدة، ايقظ الاحاسيس المهملة بأهمية الآخر؛ ايّ امرءٍ اضطرته الازمة الى حجر نفسه، عرف معنى الوحدة… لا شك انّ البعض كان بحاجة الى هذا النوع من العزلة، كي يعيد ترتيب ذاته وحياته من خلال الاستماع والاصغاء الى الذات، والتأمل بمسيرة حياته. ولا شك ان للوحدة، جوانب إيجابية وهي، في بعض الأحيان، ضرورية، لكن العزلة التامة، والتي هي حالة غير طبيعية، قد تكون قاتلة، فهي تتنافى مع هوية الانسان، الكائن الاجتماعي بامتياز، وتتعارض مع تركيبته وهويته، وتفاقم عنده الشعور بالخوف من مواجهة المجهول من دون سند…
نعم، قد تكون “كورونا” قاتلة وقد تكون دمرت الانسانية وقطعت الجسور غير ان الانسان قد سبقها وقتل البيئة والحيوان وساهم في الفتك بأخيه الانسان، عن قصدٍ او بغير قصد، فهو انتهك الحقوق وتسلل الى اعماق الطبيعة وتمرّد على القوانين ولم يراعِ عطايا الله واهمها “الحياة” التي اوجدها الله للبشر أجمعين.
– نواجه معاً
دعوتنا اليوم الى وقفة مع الذات فلنتنفس بعمق، ولنتنعم بكل نَفَس نحياه بثبات وشكر..
“لنتنفس” من جديد القيم والمبادئ… ولنقدّر اهمية الحرية والتسامح التي منحنا اياها الخالق ولنفقه جيدًا اسس الأخلاق والأخوّة، ولندرك ماهية قبول الآخر المختلف، ولندرّب انفسنا على احترام حياته وكيفية المحافظة عليها. فلنبادر الى التكافل والتضامن من دون التعدي على حياة الناس… نعم فلنتعاون بهدف تحقيق حاجة مجتماعاتنا إلى “نَفَس روحي” يذكرنا بانسانيتنا بذا نتجاوز هذه الايام الصعبة والحرجة ونرفع من قدرتنا على المواجهة من خلال “التضامن والتعاون والتآخي” بشكلٍ واعد …
حان الوقت كي ندرك معاناة إنسان هذا العصر…نعم ندرك… ولكن…!؟
علينا قبلُ ان “نتنفس”، نعم ان نتنفس ونفهم معنى ان تكون الحياة آمنة وسليمة… متابعة المعركة ليست سهلة لكنها ليست مستحيلة. معركتنا مع كورونا تحتاج الى وعي وتكافل ومراعاة “حياة الآخر”.
مهما قست علينا الظروف ومهما باعدت بيننا المسافات، غير اننا لا بد لنا من العودة الى حياةٍ افضل، الى لقاءات مثمرة ومميزة، إن نحن ثبتنا وعرفنا قيمة “عطايا ” الله وتمسّكنا بالمحبة الصادقة، كي تعود الى ربوعنا تلك الاوقات والأحداث الجميلة التي جمعتنا بمن نحب، واختبرنا من خلالها أهمية الآخر في حياتنا، قبل ان يقتحم الوباء اللعين بيوتنا ومجتمعاتنا…
نعم، بثباتٍ ووعي وصبر ، ستعود الضحكة الى الوجوه، وسنتذوق طعم الحياة التي ارادها لنا الخالق
…نعم سنعود…
سنعود للحياة والحب والفرح وستثمر كل الجهود بقوة الله وبفعل ومضات روحية ساطعة…وتجليات قدسية