Yoga - Pixabay CC0

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة – 74

رأي الكنيسة المقدّسة في تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي (2)

Share this Entry

الصوفية المسيحية هبة من الله!

كما سبق وأوضحنا في المقالة السابقة، للكنيسة الكاثوليكية تعليمٌ واحد وليس عدّة تعاليم متناقضة بخصوص تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي، عبّرت عنه في عدّة وثائق ورسائل. نكمل عرضنا باختصار لبعض المقتطفات من الرسالة إلى الأساقفة الكاثوليك في بعض مظاهر التأمّل المسيحي 1989 الصادرة عن مجمع عقيدة الإيمان، كي نبيّن موقف الكنيسة من هذه التقنيات. هذا التعليم ينطبق كذلك على تأمّل الوعي الكامل Mindfulness بما أنّه تأمّل بوذي كما سبق وأثبتنا هذا الأمر.

لا تبقى في ذاتك!

 تشرح الرسالة إلى الأساقفة الكاثوليك ماهية التأمّل المسيحي وتُشير إلى خطر مزجه بتقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي (كما هو الحال في ما يسمّى باليوغا المسيحية) .

تشير كذلك إلى استحالة اندماج الأنا البشريّة مع الأنا الإلهيّة حتى في حالات أسمى النِّعَم. وتشدّد على أهمية أن يكون للمؤمن أب أو مرشد روحي مختبر في حياة الصلاة (فقرة 16)، وعلى أهميّة التطهُّر من الأهواء، والإستنارة والوحدة، أي السير في طريق مراحل الحياة الروحيّة لبلوغ الكمال.

وتشير الوثيقة إلى حالة اللاهوى المغبوطة (فقرة 18) بإنكار جذري للذات، لأجل التحرّر والمشاركة في حريّة أبناء الله بالروح القُدس.

– إنّ الفراغ المطلوب لتتجلّى حياة الله فينا، ليس في تعليق الوعي والإرادة الحرّة، كما في التأمّل الشرقي. “الفراغ الذي يطلبه الله هو أن نتخلّى عن أنانيتنا، وليس عن الحقائق التي خلقها لنا ووضعها فينا”.

“أبحثُ عن الجوهر (الإلهيّ) في نفسي فلا أجدُه. فإذا أردتَ أن تجدَ الله، تَخَلَّ عن العالم الخارجي وادخُل إلى ذاتك، لكن لا تبقى في ذاتك وتتفوّق على ذاتك، لأنك لست الله. فالله أعمق وأعظم منك” (القديس أغسطينس).

 “ففي أثناء التأمّل، يكمن الخطر في البقاء في الذات. إذا أردتَ التركيز على الذّات وسموّ الأنا، اذكُر دائمًا أنّ الأنا ليست الله بل هي كائن مخلوق. الله فينا ونحن فيه، لكنّه يسمو بنا في سرّه” (الفقرة 19).

– يستحيل بلوغ الكمال بالجهد الشخصي، من خلال تمارين جسديّة، وبمعزل عن نعمة الله. فالجسد لا يُجدي نفعًا (يو6/63) “فالله حرّ بأن يفرغنا من كلّ ما يحتجزنا في هذا العالم، وأن يستميلنا كليًا إلى الحياة الثالوثيّة لحبّه الأزلي. إلّا أنّ هذه الهبة لا تُمنح إلّا من خلال المسيح وبواسطة الروح القدس، وليس من خلال قوانا الخاصة” (الفقرة 20)

– يعبّر الله عن عمق محبّته لنا بأن يمنحنا النعم، من خلال الإيمان، والوحي الإلهي (الفقرة 21).

 ونحن نتّحد بالله بواسطة الأسرار الكنسيّة (الفقرة 22).

إذاً لا وجود لتقنيات للتأمّل في المسيحيّة، على مِثال ممارسة وضعيّات أو حركات جسديّة. “فالصوفيّة المسيحيّة لا تمتّ بصلة إلى التقنيات، بل هي هبة من الله، يشعر من ينالها أنه غير جدير بها” (الفقرة 23).

ما نشهده في تقنيات التأمل الشرقي الآسيوي هو نتيجة طبيعية لتعديل حالات الوعي وليس ممّا هو فائق للطبيعة.

– في المسيحيّة هناك المواهب الروحيّة وثمار الروح القدس (الفقرة 24).

فلا تُعتبَر حالات الإسترخاء والسلام الآني لبعض التأمُّلات الشرقيّة إختبارات روحيّة من الروح القدس، فائقة للطبيعة. وإنّ الخبرة “صوفيّة” معيّنَة لا تتوافَق وأخلاقيات الشخص، قد تولّد نوعًا من فصام في الشخصيّة يؤدي إلى اضطرابات نفسيّة، وأحيانا عقليّة، وفساد (الفقرة 28).

“إنّ حبّ الله هو الغاية الوحيدة في التأمّل المسيحي، هو واقع لا يُنال بأيّ وسيلة أو تقنيّة. بل بتثبيت أنظارنا على يسوع المسيح الذي وهبنا الحب الإلهي من على الصليب” (الفقرة 29).

الإرشاد بالروح القدس أم إدارة المشاعر؟

إذًا تشدّد هذه الرسالة على تناقض المساريْن وإشكاليات الدمج بينهما وتميّز بين ما هو للطبيعة وما هو للنعمة، كما تشير إلى عجز الإنسان متى اتّكل فقط على الجهد البشري، أن يبلغ إلى الكمال وأنه فقط بالمسيح وبالروح القدس ننال ثمار المحبة، الفرح والسلام… (غل5/ 22-23)

لكن في السنوات الأخيرة، وبتأثير تيّارت آتية من الولايات المتّحدة، يتمّ إدخال تقنيات اليوغا والتأمّل التجاوزي وغيرها مثل تأمّل الوعي الكامل Mindfulness، التنويم الذاتي Auto Hypnose والإيحاء الذاتي Auto suggestion السوفرولوجي Sophrologie وغيرها في العلاج النفسي ضمن ما يُسمّى بإدارة المشاعرLa gestion des emotions بهدف ضبط النفس والسيطرة على مشاعر الغضب وتخدير الألم وتخفيفه وما شابه.

وقد نجحت هذه التقنيات، ويا للأسف، وبالرغم من كل تحذيرات الكنيسة، بالتسلّل إلى  النشاطات الرعوية. وقد تخلّى بعض الكهنة عن الإرشاد الروحي بالروح القدس وخبرات الآباء القدّيسين والتقليد الكنسي، واستبدلوها بهذه التقنيات النفسية البديلة المتناقضة مع الرؤيا المسيحية لمعضلة الخطيئة والشفاء الروحي منها، ومع البُعد الخلاصي لفداء الربّ يسوع.

في الحقيقة نحن لسنا بحاجة إلى تقنيات نفسية تساعدنا في إدارة مشاعرنا وتخدير مؤقت لآلامنا، بل إلى آباء ومرشدين روحيين متمرّسين ومثابرين في حياة الصلاة والتقوى، إلى شهود حقيقيين للحبّ الإلهي، مجاهدين حتى الدم في اقتناء الفضائل الإلهية، في الطاعة للوصايا ولتعاليم الكنيسة المقدّسة. لنتعلّم منهم السير في حياة التوبة والخلاص بقوّة المسيح من الخطيئة.

إذ لا قيامة من دون موت ولا مسيح من دون صليب!

إذاً هناك تناقض واضح بين الصلاة المسيحية وهذه التقنيات التي يروّج لبعضها على أنّها تقنيات علمانية للتأمّل والإسترخاء هدفها علاجي فقط ولا علاقة لها بأيّ معتقد أو دين. فلنتجنّبها ولنلتزم بتعاليم وإرشادات أمّنا الكنيسة المقدّسة.

يتبع…

لمجد المسيح

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير