في زياح الصليب (الذي يُحتفل به في كل يوم جمعة من زمن الصّوم وخلال أسبوع الآلام) ثلاثة ألحان تَتَوَسَّطها صلاة يتلوها المحتفل: ” تَباركْتَ أيُّها الصَّلِيبُ المُقَدَّس، خَشَبَةُ الحَيَاة، هادِمُ الضَّلالِ وَواهِبُ العالَمِ الخَلاص، أنْتَ رايَةُ الظَّفَرِ في المَعْرَكَة. بِكَ صُنِعَتِ الآياتُ العَجِيبة. إنَّكَ مُبْطِلُ الذَّبائِح ِ وَمُتَمِّمُ الأسْرار. بِكَ يَأتِينا السَّلامُ وَيَحِلُّ فِينا الفَرَح. بِكَ تَرْتَفِعُ الكَنِيسةُ وَيُصانُ أبْنَاؤها. بِكَ تَتَقْدَّسُ أجْسادُنا وتَتَنَقَّى نُفُوسُنا. بِكَ تُمْحى زَلاَّتُنا وَيَزِيدُ بِرُّنا. بِكَ يُدْرِكُ المُؤمِنُونَ الكَمَالْ. بِكَ يَتَسَلَّحُ الأحْيَاء. بِكَ يَسْتَريحُ الراقِدُون. بِكَ نَسْتَظِلُّ في اليَومِ الآخِر. وَمَعَكَ نَسِيرُ إلى مَنْزِلِ الحَيَاة، وَنَرْفَعُ المَجْدَ إلى المَسيحِ، الكَلِمَةِ الذي صُلِبَ عَلَيْك، وَالى أبيهِ وَرُوحِهِ الحَيِّ القُدُّوس، إلى الأبَد.” فما هُوَ الصَّليب الذي نُزَيّحهُ وَنَفْتَخِر بِحَمْلِهِ؟
– هُوَ خَشَبَةُ الحَيَاة: فَـ”شَجَرَة مَعرِفَة الخير والشّر” كَانَت “خَشَبَة الموت” لآدم، إذ أكَلَ مِنْهَا خِلافًا لِوَصِيَّة الله فَأُخرِج من عَدن، وَها هُوَ الصَّليب “خَشَبَة الحَيَاة” عليها ارتفع يسوع، وَأعطانا ذاته، ووهب لَنَا الحَيَاة الأبَدِيَّة، وَأعادَنَا إلى حالة النّعمة.
– هادم الضَّلال: فالضَّلال هُوَ كُلّ شُموخ يَرتَفِع ضِدّ الله، هُوَ الكِبرِيَاء. لِذلِكَ نحنُ نَفخر بالصَّليب لأَنَّهُ قُوَّةُ الله. يَقول بُولُس الرَّسول: ” فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: “سَأُبِيدُ حِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ، وَأَرْذُلُ فَهْمَ الْفُهَمَاءِ”. أَيْنَ الْحَكِيمُ؟ وأَيْنَ الْكَاتِبُ؟ وأَيْنَ البَاحِثُ في هذَا الدَّهْرِ؟ أَلَمْ يُجَهِّلِ اللهُ حِكْمَةَ هذَا الْعَالَمِ؟ لأَنَّهُ إِذْ كَانَ الْعَالَمُ فِي حِكْمَةِ اللهِ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ بِالْحِكْمَةِ، اسْتَحْسَنَ اللهُ أَنْ يُخَلِّصَ الْمُؤْمِنِينَ بِجَهَالَةِ الْكِرَازَةِ. لأَنَّ الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ الحِكْمَة، أَمَّا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: عِثارًا لِلْيَهُودِ، وَجَهالَةً لِلْيُونَانِيِّين!” (١قور١: ١٨-٢٣)
– واهب العالم الخلاص: لأَنَّهُ المَذبَح الذي عَلَيْهِ ذُبِحَ حَمَلُ اللهِ يَسوع من أجلِ خَلاصِ العالم.
– أنتَ رايَةُ الظَّفَرِ في المَعرَكَة: في كُلّ مَعرَكَة عَلَيْنَا أن نُضَحِّي لِنَنتَصِر. في مَعرَكَتِهِ ضِدّ عَدُوِّنَا المَوت، ضَحَّى يَسوع بِنَفْسِهِ على الصَّليب، فَانْتَصَرَ بالقِيَامَة.
– بِكَ صُنِعَت الآيات العَجيبة: “وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.” (يو٣: ١٤-١٧) هذه هِيَ أعظَم الآيات! رُفِعَ ابْنُ الإنسان لِيَهَبَ العالم الحَيَاة وَيُنَجِّهِ مِنَ المَوت.
– مُبطِل الذَّبائِح: لأَنَّهُ في العَهدِ القَدِيم كانَت الذَّبائِح دَمَوِيَّة، أمَّا مَعَ المَسيح الذي بَذَلَ دَمَهُ على الصَّليب مَرَّةً واحِدَة، صارَت الذَّبيحَة غَير دَمَوِيَّة. يَقول كاتب الرِّسالَة إلى العِبرانيين: ” وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هذِهِ الْخَلِيقَةِ، وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا” (عبرانيين٩: ١١-١٢)
– مُتَمّم الأسرار: لا يُمكِن أن نَرَى كاهن يَحتَفِل بأي سر من أسرار الكنيسة إلاَّ والصَّليب بيده، أو يرسم بيده إشارة الصّليب.
– بِكَ يَأتِينا السَّلامُ وَيَحِلُّ فِينا الفَرَح: فالمَسيح سَلامُنَا قَد صَالَحَنَا مَعَ الله بِقُوَّة صَليبِهِ. هذه المُصَالَحَة هِيَ التي تَجعَلُنَا في سَلام وفَرَح.
– بِكَ تَرْتَفِعُ الكَنِيسةُ وَيُصانُ أبْنَاؤها: لأَنَّ الكَنيسة تَفتَخِر بالصَّليب، وَتُبارِك بِهِ الجَميع.
– بِكَ تَتَقْدَّسُ أجْسادُنا وتَتَنَقَّى نُفُوسُنا: لأَنَّ الذي أعطانا ذاتَهُ قُربانًا لِيَسكُنَ قُلوبَنَا ارْتَفَعَ عَلَيه.
– بِكَ تُمْحى زَلاَّتُنا وَيَزِيدُ بِرُّنا: فَإذا اقتَرَبنا للإعتراف، ننال الحلّة من خطايانا بالصَّليب.
– بِكَ يُدْرِكُ المُؤمِنُونَ الكَمَالْ: لأنَّ كَمال الحُب لا يُمكِن أن يُرَى إلاَّ على الصَّليب. عليه التَّضحِيَة، وَالحُب وَالغُفران…
– بِكَ يَتَسَلَّحُ الأحْيَاء. بِكَ يَسْتَريحُ الراقِدُون: لِذلِكَ، نحنُ الأحياء نَرفعه في بيوتنا وأعمالنا ونضعه على أجسادنا، وَالمَوتَى يُدفَنون في ظِلّ الصّليب.
– بِكَ نَسْتَظِلُّ في اليَومِ الآخِر: لأَنَّهُ العَلامَة التي تُظهِر حُبّ الله للعالم. هذا الحُب الذي على أساسِهِ سَنُدَان.
– وَمَعَكَ نَسِيرُ إلى مَنْزِلِ الحَيَاة: هُوَ رَفيق دَربِنَا نحوَ المَلَكوت.