يأخذ المسلمون في نظرتهم إلى المسيحية واقعين بعين الاعتبار، وذلك استنادًا إلى القرآن. من جهة أولى، أتى الإسلام بعد المسيحيّة، وقدّم ذاته على أنه الوحي النهائي والأخير، الأمر الذي دفع بعض المسلمين إلى رؤية المسيحية من زاوية الإيمان الإسلاميّ فقط. ومن جهة ثانية، لم تحظّر ولم تدحض الآيات القرآنيّة والسُنّة الرسالة الموحاة من المسيح، بل ثبّتت قيمتها وتشديدها على وحدانيّة الله والقيامة والتحفيز على الخير والنهي عن الشرّ والتبشير بمحمد، إلخ.
في النظرة إلى المسيحيين، يجب مراعاة عدة جوانب شرعيّة. أوّلاً، الموقف من طهارة المسيحيين، موقف يؤثّر في احترامهم أو في التوصية المحتمَلَة بعدم معاشرتهم. ثانيًا، المسائل الفقهيّة عن حالة المسيحيين الاجتماعيّة والعلاقات الإنسانيّة بهم. لقد ترك فرض نظام الذميّة مقابل دفع الجزية آثارًا عميقة في تاريخ العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة في بلاد كثيرة. ولا يزال هذا النظام شاهدًا على عدم تمتّع المسيحيين بالحقوق التي كان يتمتّع بها المسلمون في بعض الأماكن. أما آراء المسلمين في طهارة المسيحيين فتختلف بحسب الاجتهاد المعتمَد. بعض العلماء يقولون إنّ المسيحيين، على الرغم من إيمانهم بعقيدة الثالوث، ليسوا من الكفّار ويتمتّعون بالمرتبة عينها التي للمسلمين. ويسوّغون رأيهم بأنّ القرآن يصنّف المسيحيين ضمن “آل الكتاب”.
أما الفريق الآخر من الفقهاء فيعتبر أنّ الإيمان بعقيدة الثالوث هو بمثابة الكفر، وبالتالي ليس المسيحيون بأطهار. عندئذٍ تصعب العلاقات بالمسيحيين، ولا يُنظَر إليهم نظرة الصداقة الحقيقية ما لم يعتنقوا الإسلام دينًا. وقد أصدر مفكّرون مسلمون عظام فتاوى في هذا الاتجاه، ومنهم على سبيل المثال ابن حزم وفخر الدين الرازي وابن رشد” (هنري دو لا هوغ – سايد جازاري ماموري).
من كتاب “حوار الأديان والحوار الإسلاميّ المسيحيّ” للخوري غي سركيس