“ابحث عنه بكامل الاندفاع الذي في قلبك، صلِّ، اطلب، اصرخ، وستجده، كما وعدك”: هذا ما كتبه البابا فرنسيس لشاب في مقدّمته الخاصّة بكتابٍ للكاردينال رانييرو كانتالاميسا “فرنسيس ناقِل بهجة الله” Francesco il giullare di Dio، من المنشورات الفرانسيسكانية الإيطالية.
هذه المقدّمة التي اتّخذت شكل رسالة مُوجّهة إلى شاب، وحتّى شكل حوار معه، نُشِرَت يوم أربعاء الفصح في 7 نيسان 2021 من قبل “راديو فاتيكان” الذي قدّم الكتاب حول الأخ باسيفيك Pacifique الرّاوي والشّاعِر وأحد أعزّ رفاق القدّيس فرنسيس الأسيزي، كما كتبت الزميلة أنيتا بوردان من القسم الفرنسي في زينيت.
والأخ باسيفيك على صلة بفرنسا: سنة 1217، عندما كان القدّيس فرنسيس على قيد الحياة، قرّر الرهبان الذين اجتمعوا لأجل العنصرة أن يحملوا الإنجيل إلى خلف الحدود. عندها طلب القدّيس فرنسيس من الأخ باسيفيك الذهاب إلى فرنسا، حيث أسّس أوّل دير للفرانسيسكان في Vézelay.
بالعودة إلى مقدّمة الكتاب، دعا فيها الأب الأقدس مُحاوِره إلى “خفض الأصوات الأخرى لسماع صوت المسيح”. وأضاف، دائماً مُتوجّهاً للشاب: “لعلّك فتحتَ الإنجيل وسمعتَ ما قاله يسوع في العظة على الجبل. “اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم. فَمَن يسأل ينل، ومَن يطلب يجد، ومَن يقرع يُفتَح له” (مت 7 : 7 – 8). إنّها كلمات قويّة مليئة بوعد كبير ومتطلّب. لكن يمكننا أن نسأل أنفسنا: هل نأخذها على محمل الجدّ؟ إن طلبتُ شيئاً من الرب، هل سيُصغي إلى طلبي؟ إن طلبته، هل سأجده؟ إن قرعتُ، هل سيفتح لي؟ يمكنك الاعتراض على كلامي: أوَليس صحيحاً أحياناً أنّ الاختبار يُكذّب هذا الوعد؟ وأنّ كثراً يسألون ولا ينالون، يطلبون ولا يجدون، يقرعون باب السماء ولا يسمعون إلّا الصمت خلفه؟ إذاً، أيمكننا الوثوق بهذه الكلمات أو لا؟ أوَليست ككلمات أخرى أسمعها مِن حولي، مصدراً للخيبة؟
أفهم شكّك وأقدّر أسئلتك – وكم هي كثيرة أسئلتي أنا أيضاً! – لكنّها تجعلني أفكّر في مقطع آخر من الكتابات، والذي إن وضعناه قرب كلمات يسوع، يوضح كلّ شيء بعمق. ففي سِفر إرمياء، يقول الرب بواسطة النبيّ: “تطلبونني فتجدونني إذا طلبتموني بكلّ قلوبكم. وأُوجَدُ بينكم” (إر 29 : 13 – 14). يمكن أن يتمّ إيجاد الله، لكن فقط من قِبل الإنسان الذي يبحث عنه من كلّ قلبه. افتح الأناجيل واقرأ لقاءات يسوع مع الأشخاص الذين أتوا إليه، وسترى كيف أنّ وعوده تحقّقت بالنسبة إلى بعضهم. إنّهم الأشخاص الذين أصبح إيجاد الجواب بالنسبة إليهم مسألة أساسيّة. الرب سمح لإصرار الأرملة، لعطش نيقوديمس للحقيقة، لإيمان قائد المئة، لصرخة أرملة نايين، لتوبة الخاطىء، لرغبة الأبرص بأن يُشفى، ورغبة برطيما بأن يُبصر، أن يجده… كلّ مِن هؤلاء الأشخاص استطاع لفظ كلمات المزمور 63 “إليك تعطش نفسي، جسدي يتوق إليك كأرض قاحلة يابسة لا ماء فيها”.”
وتابع: “مَن يطلب يجد إن طلب مِن كلّ قلبه، وإن أصبح الرب أساسيّاً بالنسبة إليه، كالماء بالنسبة إلى الصحراء، كالأرض بالنسبة إلى الحبّة، وكالشمس بالنسبة إلى الزهرة. إن فكّرنا بهذا جيّداً، نجده جميلاً جدّاً ونجد أنّه يحترم حرّيتنا: الإيمان لا يُعطى آليّاً كهبة لا تُبالي بمشاركتك، بل هو يطلب التزامك بكامل شخصك. إنّها هبة تريد أن تكون مرغوبة. إنّه الحبّ الذي يُريد أن يكون محبوباً. لعلّك بحثتَ عن الرب ولم تجده. لكن اسمح لي أن أطرح عليك سؤالاً: ما كانت رغبتك له؟ ابحث عنه بكامل الاندفاع الذي في قلبك، صلِّ، اطلب، اصرخ، وستجده، كما وعد هو بذلك… الرب يرغب في أن تبحث عنه كي يجدك هو ويلقاك. الله عطِش لِعطشنا إليه. ومَن يدعونا إلى قرع بابه يُقدّم ذاته في الحقيقة بداية عند باب قلبنا: “ها أنا واقف على الباب أدقّه، فإن سمع أحد صوتي وفتح الباب دخلتُ إليه وتعشّيتُ معه وتعشّى هو معي” (رؤ 3 : 20). وإن دقّ بابك اليوم؟؟ لذا يا عزيزي، مع شكر الأب رانييرو على الهديّة الجديدة التي يقدّمها للكنيسة عبر صفحات الكتاب المليئة بالحكمة والغنى، تلك الصفحات التي ستنفع مَن يقرأونها، أتمنّى لك قراءة مُثمِرة. وتذكّر: الله لم يكفّ يوماً عن مناداتك. إنّه يُسمِعكَ صوته. وإن أخفضتَ الأصوات الأخرى ورفعتَ صوت أكبر رغباتك، ستسمعه أوضح من حولك. الرب لا يتعب من البحث عنّا للقائنا، كما يبحث الراعي عن الخروف الضالّ، وكما يبحث الأب عن أبنائه. إنّه لا يتوقّف عن المناداة وهو ينتظر بفارغ الصبر أن نُجيب مثل مريم “ها أنا أمة الرب”. إن كنتَ تتمتّع بالشجاعة لترك ضماناتك والانفتاح عليه، سينفتح عالم جديد عليك وستُصبح بدورك نوراً للآخرين”.
أمّا التوقيع في نهاية الرسالة، فقد كان “عزيزك البابا فرنسيس” مع خاتمة ورد فيها: “أشكرك على إصغائك، وأستدعي الروح القدس ليحلّ عليك. وأنتَ أيضاً، إن استطعتَ، لا تنسَ أن تُصلّي لأجلي”.