Board coaching - Pixabay - Geralt - CC0

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة (78)

رأي كاثوليكي في تدريب الحياةLife Coaching (3)

Share this Entry

مناهج جديدة مجرّدة من القيم        

“إن لم تقع حبّة الحنطة في الأرض وتمُت فهي تبقى وحدها. ولكن إنْ ماتت تأتي بثمرٍ كثير” (يو 12/ 24)

استشهدنا في المرة السابقة بالشمّاس برتران شوديهBertrand Chaudet [1]، الباحث والمتخصّص بممارسات تيّار العصر الجديد، الذي كتب مقالةً بعنوان: “التدريب، التنمية البشرية، الخدعة الكبيرة” ”Coaching, développement Personnel. La grande illusion!” شرح فيها ماهية الكوتشنغ وإشكالياته مقارنةً بالإيمان المسيحي.

يضيف “شوديه” إنّ ما يميّز الكوتشنغ والتنمية البشرية بشكلٍ ملفت، أنّها مناهج جديدة للإختبار من دون الأخذ بخبرة أو حكمة من سبقها أو من القيم المسلَّمة إلينا والتي علينا نقلها إلى الأجيال المقبلة. نتذكّر هنا آيةً من الوحي الكتابي توصي بعكس ذلك: “ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصّها على أولادك، وتكلّم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم، واربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك” (تث 6/ 6-9).

إذاً هذه المناهج تخالف بشكل أساسي كل مرجعية أكانت التاريخ الشخصي للفرد أو تاريخه العائلي، عاداته وتقاليده الإجتماعية وقيمه الدينية. وتحديدًا لمن هو مسيحي، كلّ ما كشفه الوحي الإلهي للإنسان من وصايا وما علّمنا إياه من قيمٍ إنجيلية وفضائل إلهيّة. هذا أمرٌ بديهي، متى اعتبر كلّ فردٍ أنّه المرجعية والمحور، وأنّه ملك العالم. أضفْ أنّ هذا الأمر يتوافق مع تغيير للنموذج الأساسيّ عندهم Le Changement de paradigme .

تقول المعالجة النفسية “مونيك توما”[2] أنّه من الناحية النفسية، يلجأ بعض المدرّبين إلى ممارسة التدريب الشخصي معتبرين أنفسهم، من جهة “اللاوعي”، صورةً عن الرب يسوع، وهم يقتدون به كنموذج أصليّ Un Archétype، بحسب نظرية عالم النفس “كارل غوستاف يونغ“، من أجل مزاولة مهنة تدّعي التنمية البشرية. بينما في الإيمان المسيحي يقتدي المؤمن بتعاليم الربّ يسوع في الإنجيل.

وتضيف “مونيك توما” إنّ “النموذج الأصليّ” بحسب يونغ، هو تصوّرٌ فكري أو صورة باطنية Interiorisée عقلية متوارثة من الماضي، تعود إلى ما هو قديم وبدائي Archaïque . فكلّ الناس برأي يونغ، لديهم تصوّر عقلي ذهنيّ موروث من حضارات من التاريخ ومن الميتولوجيا، مخزّن في اللاوعي الجماعي L’Inconscient Collectif ويُشكّل عند الأشخاص مرجعاً للمفاهيم. مثلاً يصبح يسوع في تلك الحالة “النموذج الأصلي” للثائر المعروف “شيغيفارا” الذي أراد أن يغيّر العالم. أو قد تكون أيّ امرأة شجاعة صورة عن النموذج الأصلي ل”جان دارك”، أو قد تكون أيّ امرأة طاهرة صورة عن النموذج الأصلي للقديسة مريم بحسب مفهوم يونغ للنماذج الأصلية. هكذا “آدم” بالنسبة له قد يكون أيضًا نموذجًا أصليًا لكلّ امرئ يُخطئ. إذأً هناك أشخاص ذوي تأثير في الحياة، أصبحوا يشكّلون مرجعاً أو نموذجاً أصلياً لنا في تحليلنا أو طريقة مقاربتنا للأمور والعلاقات والأشخاص.

 يعتبر يونغ أنّ في العقل الباطن، منطقة تتجمّع فيها الصور التي لها علاقة بأبطال ورموز وأشخاص قد غيّروا التاريخ والزمن بالنسبة لهم. ومهما تقّدمت بهم السنين تبقى هذه الصور مزروعة في داخلهم.

أجاب توما وقال له: “ربّي وإلهي !” (يو 20/ 28)

في الرؤية المسيحية، المسيح هو قدوة ومثال لنا نتتلمذ له ويبقى هو المعلّم الأوحد الذي نسعى إلى ملء قامته والإتحاد به في علاقة حبّ غيرية، لنتقدّس بالنعمة.

الربّ يسوع ليس “نموذجا أصلياً” كما يصوّره يونغ، أو “أفاتار” Avatar، إحدى تجسّدات الطاقة المسيحانية Christian Consciousness كما يصوّرها أتباع العصر الجديد أو مجرّد نبي إنسان مخلوق أدنى من الله أو هو فكرة يختزنها العقل الباطن… بل هو “الله الذي ظهر في الجسد” (1 تم 3/ 16)، الله الذي تجسّد من أجل خلاصنا وكشف عنه الوحي الإلهي. إنّه إله حيّ فاعل في التاريخ ماضيًا وحاضراً ومستقبلاً. هو الحامل كلّ شيء بكلمة قدرته. أضف أنه ليس مجرّد فكرة من المخزون العقلي تنتهي مع فناء الدماغ وناقلاته العصبية، بل هو روحٌ وحياة محوِّلة، تنطبع في الكائن البشري ككلّ بواسطة علاقة حبّ غيرية مغيّرة توجّه مسيرة حياته كلّها.

لا شك إنّه بالنسبة لنا الصورة والمثال اللذان نسعى إليهما. إنّما هذه الصورة ليست نتاج لاوعيٍ جماعي ولا فكرة ما يتصوّرها العقل البشريّ أو تدركها حواسه وينسجها خياله بحسب فهمه المحدود لها. والمثال لا يمكننا أن نحقّقه بقوانا الشخصية وبمعزل عن النعمة بل هو حياة نموّ وقداسة بالآب في الإبن والروح القدس. لقد عرفناه إنّه الإله الحق الذي هو منذ الأزل، ثالوثاً قدّوساً ضابطاً الكلّ ومخلّصًا للعالم. بالإيمان الرسولي الذي تسلّمناه من الرسل القدّيسين.

عبّر عن ذلك الرسول يوحنا قائلاً “الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة. فإنّ الحياة أظهرت، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا” (1يو 1/ 1)

لمجد المسيح يسوع!

يتبع…

[1] الأب دومينيك أوزينيه والشمّاس برتران شوديه كلاهما من راعوية المعتقدات الجديدة والإنتهاكات البدعوية

Pastorale des Nouvelles croyances et Derives Sectaires  (PNCDS) وهما متخصّصان في البدع وانتهاكاتها خصوصًا في تيار العصر الجديد

[2] Monique Touma, psychologue membre de la féderation Suisse des psychologues,

 psychotherapeute dans un cabinet de Psychotherapie et de psychiatrie à Lausanne

مونيك توما، عالمة نفس عضو في الاتحاد السويسري لعلماء النفس، معالجة نفسية في عيادة للعلاج النفسي والأمراض النفسية في لوزان

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير