لنقرأ ما ورد في إنجيل يوحنا عن محاكمة يسوع أمام بيلاطس البنطي:
«ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: «أنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟»
أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟»
أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: «أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟»
أَجَابَ يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا».
فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي».
قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «مَا هُوَ الْحَقُّ؟». وَلَمَّا قَالَ هذَا خَرَجَ أَيْضًا إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً. وَلَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِدًا فِي الْفِصْحِ. أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟».
فَصَرَخُوا أَيْضًا جَمِيعُهُمْ قَائِلِينَ: «لَيْسَ هذَا بَلْ بَرأبّا!». وَكَانَ بَرأبّا لِصًّا…» (يوحنا١٨: ٣٣-٤٠)
ملاحظات عدّة ممكن ذكرها أمام هذا المشهد المليء بالخوف والقسوة والإضطراب، في مقابل هدوء يسوع:
١- كانت المنطقة تحت الإحتلال الروماني، وكان اليهود يحضّرون دائمًا لثورات وأعمال شغب إنطلاقًا من الهيكل ليطردوا المحتلّين… وقد بنى الرومان قلعة بحانب الهيكل ليراقبوا الحركة فيه، ويخمدوا الثورات من مهدها، وكان الوالي الروماني مُهدّداً من السلطات في روما: لا نريد أن نسمع بأنّ اليهود ثاروا! اضبط الجميع، وإن فشلت، ستموت أنت… إذًا: كان بيلاطس يخاف على نفسه! فإن ثار اليهود مات، وإن كانوا هادئين سينجو…
٢- دخل دار الولاية ولم يكن متحررًا من خوفه… ودخل وهو خائف ليُحاكم ويُنصِف ويُعلي الحق! يا لها من مهزلة! كيف له أن يعلن الحقيقة وهو خائف؟
٣- واجه بيلاطس يسوع بتهمته… سأله عنها… وأجابه يسوع بسؤال زاده خوفًا على نفسه… آخرون قالوا له ذلك… وهؤلاء الذين قالوا له ذلك يُخيفونه لأنهم سيتسببون بموته إن لم يُرضيم…
٤- عندما أوضح يسوع لبيلاطس أمر مملكته، استنتج بيلاطس أنّ يسوع هو ملك (طبعاً استنتج أنه ملك على صورة الملوك في عصره)… وكان جواب يسوع يزيد من خوفه: «أنت تقول إني ملك»… نعم يا بيلاطس، أنت تشبه الآخرين الذين قالوا عني أني ملك… انت لست منهم، ولكنك مثلهم… تخاف الحق الذي من أجل الشهادة له جئتُ إلى العالم…
٥- سأل بيلاطس يسوع: «مَا هُوَ الْحَقُّ؟» وخرج من أمامه… لا يُريد أن يسمع الحق من فم يسوع… فالخوف الذي فيه غلبه، ولا يُريد سوى إرضاء الصارخين بالباطل… لذلك أعلن براءة يسوع، وأطلق اللص إرضاءً للناس، وسلّمهم البريء ليُصلَب!
تلك هي المحكمة المهزلة، التي تقتل البريء وتطلق اللص…
تلك هي المحكمة المهزلة، التي يُحرّكها الخوف، ويبنيها إرضاء الناس…
تلك هي المحكمة المهزلة، التي فيها يموت الحقّ ويُعلَى الباطل…
تلك هي المحكمة المهزلة التي ما زالت قائمة في وطننا، والتي بسببها يموت الحق، يُقتل البريء، يجوع الشريف، يغتني السارق، ويحيا المجرم…
ولكن المسيح كسر بقيامته الموت الذي كان بيلاطس يخاف منه… المسيح قام!