رأي كاثوليكي في تدريب الحياةLife Coaching (6)
“كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه” (مز 103/ 13)
بدأنا في المقالة السابقة بطرح إشكاليات تدريب الحياة، إحدى تقنيات التنمية البشرية، بناءً على أبحاث قام بها إكليروس كاثوليك متخصصوّن من “رعوية المعتقدات الجديدة والإنتهاكات البدعوية” . تحديدًا، نستشهد بملاحظات وتوجيهات الشمّاس “برتران شوديه”Bertrand Chaudet والأب “دومينيك أوزينيه”P.Dominique Auzenet بخصوص هذه التقنية.[1]
إعادة برمجة للسلوكيات
يقول الشمّاس”برتران شوديه” أنّ من أهم الوسائل التي يستعملها مدرّبو الحياة ومروّجو تقنيات التنمية البشرية بشكلٍ عام: التركيز على الذات، التجربة الشخصية والإختبار، التدرّب على الكوتشنغ أيّ أن يكون الشخص مدرّباً لنفسه، السعي إلى تحقيق الهدف الشكلي بمساعدة الآخرين. “من يسعى إلى كلّ ما يؤدّي إلى الإشباع السهل، بعيدًا عن الكرامة اللازمة والمؤقت، هو الذي يفوز”[2]
هذه أيضًا بعض عناوين برامجهم المقترحة والتي تدلّ على عدم جدّيتها: “الحياة في اثني عشر درس”، “الثقة في النفس في ثلاثة أسابيع”، أنقص وزنك في عشرة أيام”، “تأمل خمسة ثواني يوميًا”،”ثقافة عامة في خمسة دقائق”، الخ
إنّ المناهج والأساليب التي يستعملها الكوتش عمومًا، منظّمة إلى مستويات أو درجات للتعلّم. لا يتعلّق الأمر باكتساب معرفة حقيقية، بل ببلوغ منحى سلوكي بحسب النصائح المقدّمة، من خلال إعادة برمجة توّلد ردود فعلٍ مشروطةRéflexes conditionnés على شاكلة كلاب بافلوف أي الإستجابة بشكلٍ تلقائي للمحفّزات.
هكذا، برأيهم يمكن قياس كلّ فعل وردّة فعل، حتّى المشاعر الأكثر حميمية، وصولاً إلى الحالات الروحية. كما يمكن تحليلها وترتيبها من أجل ضبطها. المهم عندهم، هو أفضلية الظاهر على الباطن، ما نريد أن نكون وأن ننسى ما نحن عليه في الحقيقة.
ينتقد “شوديه” هذه الوسائل قائلاً أنّ الرغبة المفرطة لدى مدرّبي الحياة وروّاد التنمية البشرية، بالتخلّص مما هو من الطبيعة أو محاولة تقييدها، تحجب حقيقة شخصنا البشري. هذه القيود والبرمجات، تجعل علاقتنا مع أنفسنا ومع الآخرين، مجرّدة وغير شخصية. إنّ المبادئ التي ترتكز عليها هذه الوسائل ضبابية ونوع من الثرثرة ومن اصطفاف لكلمات توافقية غير محدّدة، وتوليفات لفظية ممزوجة بالعسل. ويعطي مثالاً على ذلك: “فقط عندما يكون جسدنا العقلي، المشاعري والفيزيائي في حالة إصغاء لإلهنا الداخلي، تكون روحنا في فرحٍ كامل”[3] (نتساءل هنا عن ماهية هذه الأجساد وعن هوية هذا الإله الداخلي المشار إليه، مع العلم أن المقصود هو الألوهية الشخصية الطبيعية لكلّ واحد منا بحسب تعاليم تيار العصر الجديد)
يصف “شوديه” نصائح الكوتش بأنها “نموذجية ومقيّدة”،ومن المفارقة انهم بعد ان يقولوا ما يتوجّب فعله وما لا يتوّجب فعله ويضعون الناس تحت تأثيرهم يعودوا فيحثوّهم أن لا يثقوا إلا بأنفسهم! وينتقد بشدّة ما يسمّى بالتنمية البشرية ويقول أنه ليس فيها تنمية بالمرّة بل على العكس من ذلك هي تقهقر وتراجع وتؤدّي إلى التوّحد والتقوقع في في فقّاعة من الراحة واللا مبالاة. إذ ليس فيها شيء من “الشخصنة” لأنها مجموعة من النصائح والإيحاءات، والتمارين غير الشخصية التي تسمح بالحصول أوتوماتيكيًا على النتيجة المطلوبة. وينصح شوديه قائلاً انّه يكون من الافضل الإتكال على الذات وليس على تقنية أو مدرّب.
وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك…
بالفعل هذا الفكر بعيد كلّ البعد عن معرفة الذات التي تكلّم عنها الفلاسفة والتقليد المسيحي. معرفة الذات في المسيحية تبدأ بعيش الفضائل الأساسية ( الفطنة، الشجاعة، العدل والقناعة) والفضائل الإلهية (الايمان والرجاء والمحبة). فالإنسان عاجز أن يعرف ذاته من ذاته وفي التأمّل في ذاته وعيشه بحسب مشيئته الذاتية، بل بالطاعة للوصايا والمشيئة الإلهية. يقول الرب أريد طاعة لا ذبائح (1صم15/ 22) . إنّ معرفة الذات الحقيقية هي في معرفة الله الآب بابنه يسوع المسيح في الروح القدس. لتكون لنا الحياة الأبدية.
“وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته” يو17/ 3
يتبع
لمجد المسيح- جيزل فرح طربيه
[1] https://sosdiscernement.org/coaching-developpement-personnel/
http://charismata.free.fr/?page_id=5237
[2] Julia De Funès,Developpement Personnel, Le success d’une imposture, op. cit, p 55
[3] Lise Bourbeau, Les cinq blessures qui empêchent d’être soi-même,Pocket, 2015, p 15