Yoga - Pixabay CC0

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة

الجزء الثاني والثمانون

Share this Entry

رأي كاثوليكي في تدريب الحياةLife Coaching  (7)

“لأنّه من يجدني يجد الحياة، وينال رضى من الربّ” (أمثال8/ 35)

تكلّمنا في المقالات السابقة عن بعض إشكاليات تدريب الحياة، إحدى تقنيات التنمية البشرية، بناءً على أبحاث قام بها إكليروس كاثوليك متخصصوّن من”رعوية المعتقدات الجديدة والإنتهاكات البدعوية” . تحديدًا، نستشهد بملاحظات وتوجيهات الشمّاس “برتران شوديه”Bertrand Chaudet والأب “دومينيك أوزينيه”P.Dominique Auzenet بخصوص هذه التقنية.[1]

كما قلنا إنّ معرفة الذات لا تكون بالتأمّل في المرآة، وهي لا تنبع من الذات ولا من التأمّل فيها، بل بمعرفة الرب وعيش الفضائل الأساسية والفضائل الإلهية . تعلّق “جوليا دو فينيز”Julia De Funès مؤلّفة كتاب “التنمية (اللا)بشرية”[2] على موضوع معرفة الذات، فتقول إنها تفترض الدقّة اللغوية والنظرية وانفتاحًا بما يخصّ الذات وعملاً تفاعليًا. هذه الشروط ليست متوّفرة في التنمية البشرية والكوتشنغ، بحيث أننا لا نجد لا دقة في اللغة والمفاهيم، ولا حوارًا تفاعلياً، بل نرجسية وفرض لوصفات جاهزة محضّرة مسبقًا. كلّ هذا يؤدّي إلى جهل تام للذات! كلّ الوعود بلقاء مع الذات لا تتحقّق والنتيجة النهائية معاكسة تمامًا للمتوّقع ومخيّبة للآمال.

علاجات الطاقة، التأمّل والكوتشنغ

ناهيك عن الإنحرافات الأخرى الكثيرة التي قد يمارسها مدرّب الحياة والمستوحاة من البدائل الطبية الخطيرة التي يروج لها تيّار العصر الجديد. كعلاجات الطاقة الرايكي والبرانيك هيلينغ وغيرها[3]. نذكر هنا ما يسمى ب Access Bars وهي من علاجات الطاقة الكاذبة التي اخترعها غاري دوغلاسGary Douglas سنة 1995ولها علاقة وطيدة ببدعة كنيسة السيونتولوجي.  يدّعي دوغلاس أنه عرف 32 نقطة محدّدة في الرأس من أجل تفعيل وتحرير  بعض العوائق في مواضيع مثل المال والسلطة، الجنس، الشفاء من الأمراض أو حتى تخطّي حواجز الزمان والمكان. يتمّ فيها ترداد تعاويذ سحرية  والقيام بجلسات تقسيم وطرد للأرواح الشريرة.  هذه التقنية أصبحت منتشرة، ويا للأسف، في 170 بلد ويمكن للشخص أن يصبح مدربًّا فيها في يوم واحد مقابل 300 أورو ! وقد وردت شكاوى كثيرة وتجاوزات خطيرة بخصوص هذه الممارسة إلى اللجنة الحكومية المولجة بالتوعية ومراقبة الإنتهاكات البدعوية في فرنسا.

كذلك يلقى التأمّل الشرقي الآسيوي بأشكاله المتعدّدة، بما فيها الشكل العلماني، رواجًا منقطع النظير ويباع كسلعة  من سلع الكوتشينغ أو كمنهج في التنمية البشرية. هكذا اشتهر أشخاص كثيرون أغلبهم متأثرون بالبوذية أو الهندوسية أو هم رهبان بوذيون  مثل الكوتش البوذي الذائع الصيت جاي شتيJay Shetty أو الراهب البوذي أندي باديكومبAndy Puddicombe  الذي انطلق من خلال الموقع الإلكترونيHeadspace  ومن ضمن الكادر الإعلاني ل ريتش بيرسون Rich Pierson، وهو كوتش يعطي نصائح في كلّ المشاكل من فوبيا السفر بالطائرة إلى مواجهة تجربة الموت. وتلخّص رسالته بجملة واحدة: “تحسين الصحة والسعادة في العالم”. يقول برتران شوديه أنّه منذ تأسيس تطبيق Headspace سنة 2010 حتى اليوم تمّ تنزيله أكثر من 54 مليون مرة في 190 بلد! أيضًا هناك حوالي ألفين تطبيق مشابه بلغ رقم مبيعاتها الإجمالي ما يقارب 1،2 مليار دولار ! كذلك في فرنسا ابتدع شخصان تطبيقًا مجانياً للتأمّل اسمه Petit Bambou  وهو على 8 مراحل ومن ثم يصبح مقابل بدل مالي. له 3،4 مليون مستعمل.

إذًا تحت غطاء تدريب الحياة- الكوتشنغ يروّج لكلّ أنواع الممارسات البدعوية وتقنياتها. مثلاً يدرّب بيار رابي Pierre Rahbi مدراء الشركات على إدارة “أكثر نعومة” ويروّج للتنمية المستدامة والزراعة البيولوجية وما يعرف بالزراعة البيوديناميكية Agrobiodynamique  بحسب مبادئ الأنتروبوزوفية Anthroposophie التي أسّسها التيوزوفي “رودولف شتاينر”.

في نظر هؤلاء أصبح النموّ الشخصي موازيًا  للخلاص. فلا وجود عندهم لما يسمى الخطيئة ولا حاجة للتوبة الشخصية ولا لفضائل أساسية ولا لفضائل إلهية. المهم أن يختار الشخص بملء إرادته أن يقوم بهذه التمارين فيخلق انغلاقه الذاتي ومحوريته الذاتية. عندما يفكّر بضبط مشاعره، سلوكه، مخاوفه وكلّ حياته، فهو يسعى أولا وآخرًا الى نوع من الكمال الشخصي والسعادة “الافقية” الدنيوية. لا وجود لبعد متسام عامودي. أي بعد خلاصي وعلائقي مع الآخر الذي هو الله.  يعوّل كلّ شيء على جهده الشخصي، لا وجود للنعمة ولا ل”سينيرجيا” بين الله والانسان. في الوقت عينه هو يقيّد عفويته وإرادته الحرّة بإملاءات غريبة فيسمح بذلك أن تتسلّط عليه إرادة أشخاص آخرين. يؤثّر ذلك أيضًا على حياته الاجتماعية التي يستبدلها بانغلاقه على نفسه وعلى روحانيةٍ هجينة كاذبة. تصبح علاقته بذاته وبالآخرين وبالله مشوّهة ومقيّدة ببروتوكولات شكلية تستعبده في الصميم. هذا الشعور الذي يلازمه كالاحساس بالسلام والإطمئنان هو زائف ومؤقّت لأنه تحت ظاهر من الإطمئنان وضبط النفس تختبئ مستويات معدّلة من الوعي توّلدها ممارسات كالسوفرولوجي أو اليوغا وتأمّل الوعي الكامل Mindfulness

يؤكّد الشماس “شوديه” أنّ في هذه التقنية يصل الشخص إلى اللاإحساس، الإنفصال عن المحيط، اللامبالاة بالأشخاص والأشياء، بحيث إنّ مواجهة الواقع السعيد أو التعيس معلّقة والإحساس بالخطيئة غير موجود. بما أنّ الممارس لهذه المناهج يعتقد أنّ بإمكانه السيطرة على كلّ نواحي حياته فيهمّش عمل الرب الفادي كمخلص وشافي للإنسانية المجروحة. لا وجود عندهم لأسرار الصليب الألم والموت ولا رجاء القيامة. ويخلص قائلاً إنّ المسيحييين الملتزمين بجديّة وبشكل منتظم بهذا النوع من المارسات يصلون رغمًا عنهم دون أن يدروا ودون أن يرغبوا بذلك إلى شكلٍ من أشكال الإرتداد والكفر.

يتبع

[1] https://sosdiscernement.org/coaching-developpement-personnel/

http://charismata.free.fr/?page_id=5237

[2] Julia de Funes, Developpement(Im)Personnel, Le success d’une Imposture, op,cit, p.108

[3] من يود معرفة المزيد عن وسائل الطب البديل وإشكالياتها مراجعة كتاب: الطب البديل من وجهة نظر الايمان المسيحي، جيزل فرح طربيه، دار المشرق, وكتاب: تيار العصر الجديد من وجهة نظر الايمان المسيحي، جيزل فرح طربيه، دار المشرق.

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير