ميشال حداد اللبنانيّ والمعوّق منذ سنّ السادسة (بنسبة 75%)، هو اليوم سفير الإرادة الحسنة لصالح برنامج الأمم المتّحدة لأجل التنمية والمسائل البيئيّة. خلال المقابلة العامّة البارحة الأربعاء 2 حزيران 2021، طلب إلى البابا فرنسيس أن يُباركه لأجل مغامرته التالية: عبور القطب الشمالي سَيراً على الأقدام لمسافة مئة كيلومتر.
في التفاصيل التي أوردها موقع “فاتيكان نيوز” بقسمه الفرنسي، بقيت إرادة ميشال بعد إصابته بالشلل غير متزعزعة. ميشال حداد المولود في منطقة من جبل لبنان والرياضيّ، كان صغيراً عندما تسبّب له حادث مزلجة مائية بإصابة في النخاع الشوكي شلّه انطلاقاً من الصدر.
هذا الحدث المأساوي كان ليُغرق أيّاً كان في دوّامة من اليأس، إلّا أنّه طبع بداية حياة جديدة بالنسبة إلى الفتى. كان العمل صعباً والتعب هائلاً والتحديات عديدة، فيما الكرسي المدولب كان الإمكانية الوحيدة للحركة، مع العكازات والخطى الأولى المتقلقلة. لكنّ ميشال تخطّاها كلّها!
بفضل الطبّ والأبحاث العلميّة، ها هو اليوم قادر على التزلّج وتسلّق جبلٍ بحرّية، فيما سجّل 3 أرقام قياسيّة عالميّة! وبفضل إيمانه، يُحافظ ميشال على الشعلة التي لا تجعله فقط رجلاً هادئاً (مع الإشارة إلى أنّ جملة “الإعاقة ليست إلّا حالة ذهنيّة” هي شعاره)، بل أيضاً شاهداً في العديد من حَملات التوعية، ومِثالاً بالنسبة إلى العديد مِن الأشخاص الذين يعيشون الوضع نفسه.
ويؤكّد ميشال لموقع “فاتيكان نيوز” أنّ “لا شيء مستحيل. بصفتي شخصاً يعجز عن السَير والوقوف والجلوس بطريقة مستقلّة، قرّرتُ استكشاف إمكانيّاتي. ووجدتُ أنّه ما من شيء مستحيل. ومردّ هذا لأمرين: الإيمان، والعزم. الإيمان بخالقنا والثقة بأنفسنا، ثمّ العزم في اليقين بأنّنا نتمتّع بقدرات غير محدودة للمضي قُدماً وهدم جميع الجدران”.
على الطريق بفضل هيكل عظمي خارجيّ
يتنقّل المغامِر اللبنانيّ بفضل هيكل عظمي خارجي طُوِّر خصّيصاً مِن قبل فريق من المهندسين والأطبّاء والباحثين. الهيكل الخارجي يُثبّت جسمه وكتفَيه وذراعَيه. إذاً، يمكنه أن يدفع جسمه إلى الأمام ويحرّك خطواته الواحدة تلو الأخرى. إنّ النهوض من الكرسي المدولب، خاصّة بعد فترة طويلة من الجلوس، يتطلّب منه جهداً، لكنّ ميشال لا يستسلم. وفيما التقاه فريق “فاتيكان نيوز” في ساحة القديس بطرس، طلب إجراء المقابلة وقوفاً طوال الوقت، مؤكّداً: “أنا قويّ”، ومُبتسماً دائماً: “الابتسامة هي مهمّة أيضاً. إنّها من عوارض الفرح الذي أحمله في داخلي. إنّ أحد أهداف الحياة يقضي بأن نكون فرحين. ويسوع طلب أن نحوّل الخوف إلى فرح”.
ميشال (40 عاماً) مؤمن: “أنا مسيحيّ، وأنا أؤمن بيسوع المسيح”. كما وأنّه يؤكّد أنّ إيمانه ساعده في كلّ معاركه، حتّى معركته اليوميّة التي يدعوها “مهمّته الكبيرة”، أي التي تقضي بلفت انتباه العالم حول المسائل البيئيّة.
التسلّق، التزلّج، الماراثون، والآن القطب الشمالي
شرح ميشال نشاطه خلال المقابلة قائلاً: “قرّرتُ السَير لأنّ الأرض تبقى في الكرسي المدولب. علينا أن نتّحد لنُنقذ أنفسنا ونُنقذ الأرض. أفعل ذلك تحت علَم وهو علم الأمم المتّحدة الذي نحاول عبره إحداث هذا التغيير في العالم”.
تسلّق ميشال جبالاً وعبر الصحاري، كما وشارك في ماراثونَين: في القاهرة وفي بيروت، أي في بلده لبنان، بهدف جمع التبرّعات لإعادة بناء مستشفى تهدّم جرّاء انفجار مرفأ العاصمة في 4 آب 2020.
والآن، لديه مهمّة جديدة: السَير مسافة 100 كيلومتر في القطب الشمالي، ضمن مغامرة كانت مرتقبة لسنة 2020، إلّا أنّها تأجّلت بسبب الوباء حتّى شباط أو آذار 2022. “إنّه بالتأكيد تحدّ. فعبور 100 كيلومتر حتّى القطب الشمالي ليس فقط رسالة، بل مساهمة في العِلم. أعمل مع فريق علميّ ممتاز واعتُبِرتُ كأحد الأشخاص النادرين في العالم الذين استطاعوا فعل شيء مماثل في حالتي. إذاً، ما سنفعله خلال السَير وبعده سيُساهم في الأبحاث العلميّة لمساعدة أشخاص آخرين للمشي مجدّداً بفضل أنظمة جديدة”.
طلبٌ من البابا: أنتَ صلِّ لأجلي في القطب الشمالي
البارحة، في الصفّ الأوّل من المقابلة العامّة في باحة القدّيس داماسيوس، برفقة تيريزا بانوتشو الممثّلة الرسميّة لبرنامج الأمم المتّحدة للتنمية، طلب ميشال من البابا بركة لأجل مهمّته في القطب الشمالي.
“عندما أخبرتُ الأب الأقدس قصّتي، وضع يده على رأسي. قلتُ له إنّنا نحاول نشر رسالة إنسانيّة لصالح الأرض والبيئة. فباركني وقلت له: أبتِ صلّ لأجلي. فأجابني: “أنتَ صلِّ لأجلي في القطب الشمالي”. وأنا أعجز عن إخراج هذه الجملة من رأسي. لقد زوّدني بالكثير من القوّة، وبالكثير لأتأمّل به”.
هديّتان من لبنان
قدّم ميشال للبابا فرنسيس هديّتين: فرع من أرزة وهي رمز بلده لبنان، البلد الذي كان يوحنا بولس الثاني يدعوه “الرسالة”، الأرز المذكور مراراً في الكتاب المقدّس والمدعوّ “أرز الرب”.
كما وتلقّى الأب الأقدس أيضاً صورة كنيسة تُحيط بها غابات أرز قديمة: “إنّ خشب هذه الأرزات متّصل بالأرض منذ 10 آلاف سنة. إذاً، هناك معنى مزدوج: التاريخ والصلة الوثيقة بين الإنسان والكوكب. كنّا نعيش في الغابات، وقد آن الأوان لنتذكّر ذلك؛ لأنّه بدون كوكب صحّي، لا بشريّة صحية. علينا أن نبعث بهذه الرسالة للعالم أجمع”.