لم يكن الدخول إلى أرض الميعاد بالأمر السهل بل تطلّب الكثير من التحضير والاستعداد سواء على المستوى الروحي والثقافي والاجتماعي والتنظيمي والرؤيوي. فالدخول إلى أرض الحرية كان نوعياً وجدّياً للشعب العبراني وليس بنزهة تنتهي فصولها ثم يعودون أدراجهم، بل استمرارية دائمة ومواظبة على الاستمرار والثبات والاستقرار والترسّخ في ترابات الأرض والتعمّق في عيش تاريخ الخلاص وتحويل ثقافاتها ولغاتها إلى حضارة تنفس بالمحبة والقداسة والحرية والعدالة وفق الله ومخططه التدبيري لأنّ ما أعطي للشعب العبراني انها هدية سماوية لا تقدّر بثمن والهدف أن يحيا الجميع حرية العبادة لله دون سواه.
هذا على مستوى العهد القديم. أمّا على صعيد العهد الجديد فقد أُعطي لنا الملكوت وهذه النعمة المجانية منحها الله بابنه الوحيد لكي تكون بمتناول الذين يريدون عيش الحياة الصحيحة وفق الله لا وفق منطق العالم الزائل مع أنّ هذا الأخير سيزول هو وأفكاره إلّا أنّه يمثّل تحدّ كبير لأبناء الملكوت وخاصة الاستمرار في عيش الإيمان والثبات على الرجاء والترسّخ بالمحبة المنبثقة من جنب يسوع المسيح المطعون بالحربة التي تبذل وتعطي وتضحي وتخدم.
وهنا بيت القصيد: فما هو إذاً الأهم في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي نعيشها: إعطاء الأولوية للتراب وللصخور وللبحار والجبال والأدوية والاستراتجية واستخراج البترول، أم الأولوية لكيفية عيش الإيمان وسط معمعة العالم واضطراباته الاقتصادية والسياسية والثقافية؟
أن يبقى لبنان أم أن يبقى الإيمان من أجل الشهادة لقضية المسيح القائم من الموت التي تُبقي لبنان حيّاً في تاريخه واقتصاده وثقافته؟
إنّه لأمر جوهري أن نفكّر فيه آخذين الأمور على محمل الجديّة والرصانة. بربّكم قولي لي: فماذا ينفع إن ربحنا الأرض وخسرنا الإيمان؟ أو إن امتلكنا تاريخاً مجيداً وتاريخ الخلاص شبه مغيّب عن هواجسنا واهتماماتنا ومشاغلنا اليومية؟
كم مرّة نحيا الإيمان وسط هذه التحديات الصعبة التي نعيشها جميعنا؟
كم مرّة اتخذتُ الإيمان بوصلة للنجاة من هذه الأزمات الخانقة؟
كم مرّة فكرتُ في جيراني الذين يعيشون الحالة ذاتها؟ وكم مرّة ألهمتني المحبة بالتفاتة مشاركة وتضامن نحو من هم أكثر حاجة منّي ويعانون شدّة صعبة وضيقاً شديداً ولا يستطيعون تأمين وجبات طعام كافية لهم ولأولادهم الخ؟
هل همّ الله هو همّي أم أريد أن أجعل همّي واحتياجاتي أولية لدى الله؟
الله أوّلاً والباقي يُزاد لنا.
الملكوت أوّلاً وأرض لبنان ثانياً.
قضية البشارة أوّلاً وأمّا القضايا الزمنية فستبقى هنا وتنتهي هنا.
فمحبّة الفقراء وخدمة رسالة الكنيسة بطاقة دخول مجانية إلى عالم الأزل والأبد أي الله.