اليوم تفرح الكنيسة بتذكار الراهب والكاهن والواعظ والشهيد القديس نوهرا…
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم، ذلك الكاهن الأنطاكي الذي أصبح بطريركًا على القسطنطينية، وهو من آباء الكنيسة ومُعَلّميها، في مديح القديس نوهرا الشهيد: «فبلاده هي السماء ومهنته من السماء وأنسباؤه في السماء»… أن يقول يوحنا الذهبي الفم هذا الكلام، فذلك دليل على أهمية مار نوهرا في تقليدنا السرياني الأنطاكي… فما معنى هذا الكلام؟
– بلاد مار نوهرا السماء: لقد عاش القديس نوهرا في أواخر الإضطهاد الثاني الكبير (القرن الثالث) وكان من الشباب الذين رأوا الكثير من المسيحيين يبذلون دماءهم في سبيل الإيمان ويستشهدون في سبيل المسيح. لقد كان من الشباب الذين فهموا قول السيد المسيح: «لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ» (يوحنا١٥: ١٩)… لذلك انسحب نوهرا من العالم مثل كثير من شباب عصره، مات عن العالم وصار وحيدًا في البريّة، نذر عمره لدرس كلمة الله والوعظ والتعليم. لقد كان يعيش على الأرض، وعقله وفكره ونظره نحو الملكوت السماوي، وكل ما فعله على الأرض كان لبناء الملكوت…
– مهنة مار نوهرا من السماء: لقد عمل في حياته على توزيع كلمة الله وتشجيع المؤمنين على الثبات في الإيمان وسط الإضطهاد… ولكنه لم يتوقف عند هذا الحد… هناك الكثير من المسيحيين الذين خافوا من آلات التعذيب فاستسلموا للوثنيين وأنكروا المسيح… رفض نوهرا نبذهم، بل حضنهم وأظهر لهم الرحمة التي زرعها الله في قلبه، على ما قال السيد المسيح: «كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي» (يوحنا١٥: ٩).
– أنسباء مار نوهرا في السماء: لقد اختار أن يستشهد على طريقته فمات طوعًا عن العالم عندما ترهّب… وعندما ذاع صيته بحث عنه الامبراطور الوثني ليحاول إبعاده عن الإيمان… في كل مراحل تعذيبه كان يقول كلمة واحدة: «أنا مسيحي»… لقد انتسب إلى المسيح وإلى الشهداء الذين ينعمون بنور المسيح في السماء… لذلك لم يهاب العذاب، وبقي مُخلّع الأطراف مُعذّبًا في السجن، وهو يقول بأعلى صوته: «أنا مسيحي»… وكان معه في السجن مسيحيون يعانون الإضطهاد… لم يتوقف عن خدمتهم، بل طلب منهم أن يضعوا القرابين على صدره قائلا: «صدر الكاهن هو المذبح»، واحتفل بالقداس، وأعطى الجميع الطعام في حينه كالعبد الأمين، ومات مسيحيًّا…
حياة هذا القديس، الذي يعني اسمه السرياني: “نور”، هي دعوة متجددة لنا جميعًا لنحمل فينا نور السماء:
– أين هي بلادنا؟ أفي السماء حيث نور المسيح؟ أم في الأرض حيث الفساد؟ دعوتنا هي أن نعيش على الأرض، وأفكارنا وعقولنا وقلوبنا مرتفعة إلى العُلَى…
– من أين هي مهنتنا؟ هل هي من السماء، لبناء المحبة؟ أم هي من الأرض لبناء المصالح والتوازنات والخوف من الآخَر؟
– إلى مَن ننتسب؟ إلى المسيح والشهداء الذين جسدوا الحب على هذه الأرض؟ أم إلى عائلاتنا وأحزابنا وسياسيينا الذين يضعون حواجز بيننا وبين محبة الله والقريب؟