أعزّائي أعضاء مجلس الكنائس المسكوني في الجمهوريّة السلوفاكيّة،
أحيّيكم تحيّة قلبيّة وأشكركم على قبول الدّعوة وحضوركم للقائي: أنا حاجّ في سلوفاكيا، وأنتم ضيوف مرحّب بكم في السّفارة البابويّة! أنا سعيد بأن يكون الاجتماع الأوّل معكم: هذه علامة على أنّ الإيمان المسيحيّ هو – ويريد أن يكون – في هذا البلد بذرة الوَحدة وخميرة الأخوّة. شكرًا صاحب الغبطة الأخ راستيسلاف على حضورك. شكرًا عزيزي المطران إيفان، رئيس مجلس الكنائس المسكوني، على الكلمات التي وجّهتا إليّ والتي تشهد على الالتزام في الرغبة بمواصلة السّير معًا من أجل العبور من الخلاف إلى الشّركة.
انطلقت مسيرة جماعاتكم من جديد بعد سِنِي الاضطهاد زمن الإلحاد، عندما كانت الحريّة الدينيّة ممنوعة أو كانت في محنة شديدة. وأخيرًا أصبحت متاحة. والآن، يجمعكم معًا جزءٌ من الطريق الذي فيه تختبرون كم هو جميل، ولكن في الوقت نفسه كم هو صعب، أن تعيشوا الإيمان وأنتم أحرار. في الواقع، هناك تجربة لأن نعود عبيدًا، بالتّأكيد ليس لنظام ما، بل لعبوديّة أسوأ، وهي العبوديّة الداخليّة.
هذا ما حذّر منه دوستويفسكي في رواية شهيرة وهي “رواية المحقّق الكبير”. عاد يسوع إلى الأرض وسُجن. ويوجّه المحقّق إليه كلمات لاذعة: الاتّهام الذي يوجّهه إليه هو بالتّحديد أنّه أعطى أهميّة كبيرة لحريّة البشر. قال له: “تريد أن تمضي إلى الناس، وأنت تمضي إليهم خالي اليدين إلّا من وعدٍ بحريّة لا يستطيعون بحكم ما فطروا عليه من بساطة وفوضى حتى أن يتصوّروها، بل ويخافونها ويرتعبون منها، لأنّه لم يكن هناك يومًا شيء لا يطاق بالنسبة للإنسان أكثر من الحرية” (راجع الإخوة كارامازوف، الباب الخامس، ص 85-86). ويزيد الجرعة، فيضيف أنّ البشر على استعداد لمقايضة حريّتهم طوعًا بعبوديّة مريحة، وهي إخضاع أنفسهم لمن يقرّر نيابة عنهم، شرط أن يحصلوا على الخبز والأمان. وهكذا وصل إلى أن يؤنّب يسوع لعدم رغبته في أن يصبح قيصر فيضغط على ضمير البشر ويقيم السّلام بالقوّة. بدلاً من ذلك، استمرّ في تفضيل الحريّة للإنسان، بينما الإنسان يطالب بـ “الخبز وبشيء قليل غيره”.
أيّها الإخوة الأعزّاء، لا يحدُثْ هذا لنا. لنساعِدْ بعضنا بعضًا لعدم الوقوع في فخّ الاكتفاء بالخبز وبشيء قليل غيره. لأنّ هذا الخطر يحدث عندما يصبح الوضع طبيعيًّا، وعندما نستقرّ ونستتبّ ونطمع فقط في الحفاظ على حياة هادئة. لذا، ما نهدف إليه لم يعد “حُرِّيَّتَنا الَّتي نَحنُ علَيها في المَسيحِ يسوع” (غلاطية 2، 4)، ولا حقيقته التي تجعلنا أحرارًا (راجع يوحنّا 8، 32)، بل أن نملك مساحات وامتيازات، والذي بحسب الإنجيل هو “خبز وشيء قليل غيره”. هنا، من قلب أوروبّا، نتساءل: هل فقدنا نحن المسيحيّين حماسة الإعلان ونبوءة الشّهادة؟ هل هي حقيقة الإنجيل التي تحرّرنا أم إنّنا نشعر بالحريّة عندما نحصل على “مناطق راحة” تسمح لنا بتدبير أنفسنا والسّعي بهدوء من دون اعتداءات معيّنة؟ ومرّة أخرى، عندما نكتفي بالخبز والأمن، ربّما نفقد الاندفاع في البحث عن الوَحدة التي طلبها يسوع، وهي الوَحدة التي تتطلّب بالتّأكيد الحريّة الناضجة والخيارات القويّة والتّخلي والتّضحيات، ولكنّها هي المقدّمة حتّى يؤمن العالم؟ (راجع يوحنّا 17، 21). لا نهتمّ فقط لما يمكن أن ينفع جماعاتنا. فحريّة الأخ والأخت هي أيضًا حريّتنا، لأنّ حريّتنا لا تكتمل من دونه ومن دونها.
هنا نشأت البشارة بطريقة أخويّة، تحمل ختم الأخوين القدّيسَين من تسالونيقي كيرلّس وميثوديوس. هما، الشاهدان على مسيحيّة ما زالت موحّدة ومشتعلة بحماسة الإعلان، فليساعدانا على مواصلة المسيرة من خلال تنمية الشّركة الأخويّة بيننا باسم يسوع. ومن ناحية أخرى، كيف يمكننا أن نأمل أن تنشأ أوروبّا تبحث عن جذورها المسيحيّة، إذا كنّا نحن أوّل من اقتلعنا أنفسنا من الشّركة الكاملة؟ كيف يمكننا أن نحلم بأوروبّا خالية من الأيديولوجيّات، إذا لم تكن لدينا الشّجاعة في وضع حريّة يسوع قبل احتياجات جماعاتنا المؤمنة، كلّ واحد لجماعته؟ من الصّعب أن نطالب بأوروبّا يَرويها الإنجيل من دون أن نقلق لأنّنا ما زلنا غير موحّدين بشكل كامل فيما بيننا في القارّة ومن دون أن نهتمَّ بعضنا لبعض.
لا يمكن أن تكون حسابات المصالح والأسباب التاريخيّة والروابط السياسيّة عقبات لا يمكن إزالتها في طريقنا. ليساعدْنا القدّيسَان كيرلّس وميثوديوس، “رائدَا المسكونيّة” (القدّيس يوحنّا بولس الثاني، رسالة بابوية عامة، “رسولا الشعوب السلافية” Slavorum Apostoli، 14)، على بذل الجهود من أجل مصالحة التّنوّع في الرّوح القدس؛ من أجل الوحدة التي، من دون أن تكون توحيدًا في الشبه والشخصيّة، تكون علامة وشهادة لحريّة المسيح، الرّبّ يسوع الذي يحلّ قيود الماضي ويشفينا من الخوف وأنواع الجبن.
كيرلّس وميثوديوس، في زمنهما، سمحا للكلمة الإلهيّة، أن تتجسّد في هذه الأرض (راجع يوحنّا 1، 14). أودّ أن أشارككم اقتراحين في هذا الموضع، هي نصائح أخويّة لنشر إنجيل الحريّة والوَحدة اليوم. النصيحة الأولى، الاقتراح الأوّل هو التأمّل. السّمة المُمَيّزة للشّعوب السلافيّة، والتي يعود الأمر لكم للحفاظ عليها معًا، هي السّمة التأمليّة، التي تتجاوز المفاهيم الفلسفيّة وحتّى اللاهوتيّة، انطلاقًا من إيمان هو خبرة حياة، يعرف أن يستقبل السرّ. ساعدوا بعضكم بعضًا على تنمية هذا التّقليد الروحيّ، الذي تحتاج إليه أوروبّا بشدّة: والذي تتعطّش إليه على وجه الخصوص الكنيسة الغربيّة، لإيجاد جمال السجود لله من جديد وأهميّة ألّا تنظر الجماعة المؤمنة، أوّلًا، إلى النجاعة الناجمة عن البرامج والوظائف.
النصيحة الثانية هي العمل. لا تتحقّق الوَحدة كثيرًا بالنّوايا الحسنة والالتزام ببعض القيم المشتركة، ولكن من خلال القيام بشيء معًا من أجل الذين هم الأقربون إلى الرّبّ يسوع. ومن هم؟ هم الفقراء، لأنّ يسوع حاضر فيهم (متّى 25، 40). المشاركة في أعمال المحبّة تفتح آفاقًا أوسع وتساعد على السّير بشكل أسرع، متجاوزين الأحكام السابقة وسوء الفهم. وهي أيضًا سمة تجد قبولًا حقيقيًّا في هذا البلد، حيث يتمّ في المدرسة حفظ قصيدة غيبًا، والتي تحتوي، من بين الأمور الأخرى، على مقطع جميل جدًّا: “عندما تقرع يد غريبة على بابنا بثقة صادقة: كائنًا من كان، سواء جاء من قريب أم من بعيد، في النّهار أم في الّليل، سوف تنتظره عطيّة الله على مائدتنا” (Samo Chalupka, Mor ho!, 1864). لتكن عطيّة الله حاضرة على موائد كلّ واحدٍ منّا، لأنّه، بينما لا يمكننا بعد المشاركة في المائدة الإفخارستيّة نفسها، يمكننا استضافة يسوع معًا من خلال خدمتنا له في الفقراء. ستكون علامة أبلغ من العديد من الكلمات، وسيساعد المجتمع المدني، وخاصّة في هذه الفترة الصعبة، على أن نفهم أنّنا سنخرج كلّنا حقًا من الجائحة معًا، فقط من خلال الوقوف إلى جانب من هم الأضعف بيننا.
الإخوة الأعزّاء، أشكركم على حضوركم وعلى مسيرتكم: إنّ السّمة الّلطيفة والترحيبيّة التي تميّز الشعب السلوفاكي، والتّعايش السّلمي التقليدي بينكم، وتعاونكم من أجل خير البلد لهي أمورٌ ثمينة من أجل خميرة الإنجيل. أشجّعكم على المتابعة في المسيرة المسكونيّة، فهي كنزٌ ثمينٌ لا يمكن أن نتركه. أؤكّد لكم صلاتي وأطلب منكم أن تصلّوا من أجلي. شكرًا.
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2021
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana