Caravaggio - Vocation of Saint Matthew

WIKIMEDIA COMMONS

متى الإنجيلي! العشّار والكاتب

اليوم 21 أيلول عيد متى الإنجيليّ

Share this Entry

المقدمة

في الحادي والعشرين من سبتمبر من كل عام تحتفل الكنيسة الكاثوليكية، بالطقس اللاتيني، بعيد القديس متى، صديقي. نعم أعتبر الإنجلّيين الأربعة مثابة أصدقاء ليّ، فهم الذين أتردد عليهم كثيراً وأتحاور معهم سواء بالدراسة أم بالمحاضرات أم  بالصلاة معهم لنفس الإله. في هذا المقال، إلتقيت بصديقي متى الإنجيلي، الذي يروي دعوته، وحياته التي إنقلبت رأسًا على عقب في لحظات معدودة، إذ في عدد وحيد من الإصحاح التاسع بإنجيله، دون أن يذكر إسمه، قائلاً: «ومَضى يسوعُ فَرأَى في طَريقِه رَجُلاً جالِساً في بَيتِ الجِبايَةِ يُقالُ لَه مَتَّى، فقالَ لَه: اتِبَعْني! فقامَ فَتَبِعَه» (9: 9).

بالنسبة للبعض اللاهوتيين، نجد أن التعبير الواردّ في نهاية العظة بالأمثال (مت 13) يمكن أن يكون كتوقيع مُدّون من الإنجيليّ نفسه على عمله الكتابي حينما يقول: «كُلُّ كاتِبٍ تَتَلمَذَ لِمَلكوتِ السَّمَوات يُشبِهُ رَبَّ بَيتٍ يُخرِجُ مِن كَنزِه كُلَّ جَديدٍ وقَديم» (مت 13: 52). لذلك فإن الإنجيلي سيقدم نفسه – بما يتناغم بين اسمه باللغة اليونانية “متى (Mathous)” مع مصطلح “تلميذ (mathetes) ” وهو السبب الذي سيجعله يفكر مستقبلاً بالتعرّف على نفسه في لفظ “الكاتب” الذي قّبِلَّ رسالة يسوع وتعاليمه وقررَّ أن يتبعه بارادته. إنه قراءة لماضي متى الإنسان، حيث يمكن لكل واحد منا أن يتعرف على نفسه باستراجاع الماضي لينطلق للأمام.  لكن لماذا أتحدث معكم في هذا المقال عن “كاتب”؟ يتعرف متى الإنسان على نفسه في شكل رجل يعرف جيداً الكتب المقدسة التي يقرأها ويصليها مثل كل بني إسرائيل: لقد كانت الكتب بمثابة معلمهم وحارسهم بطريقة ما. ما الذي كان ينقص متى؟ ما الذي تغير فيه بعد لقائه بيسوع؟ للإجابة على هذا السؤال، من خلال مقالنا هذا نجد في المقطع الإنجيلي (9: 9-13) الإجابات التي تُساعدنا للتعرف على ما يبدو أن الإنجيلي يتعرَّف على حقيقة ذاته بأنه بالفعل “جابي ضرائب” ولكن هناك الجديد الذي سيكتشفه عن ذاته. وهذا ما يعكسه لفظ “الكاتب”. إذا كان الكاتب مُتذوقًا ومُتيقظًا لكلمات الكتب المقدسة العبرية، فإن العشار هو مَنْ يخالفها للأسف، ويعيش بعيدًا عنها وهذين السمتين ينتميان لذات الرجل.

  1. وضع “الجلوس” قبل اللقاء بيسوع (مت 9: 9أ)

      يجلس هناك مُحصل الضرائب في مكتب الضرائب. من خلال هذا المشهد الافتتاحي المعروض علينا في المنتصف الأول من مت 9: 9 يروي لنا أن هذا الرجل الموجود بالحدث محكوم عليه بمصير الإزدراء والتهميش من قبل مجتمعه. من المؤكد أنه مسئول بطريقة ما عن هذه الحالة البائسة له بسبب إختياره هذا العمل الغير لائق للحياة الدينية التي ينتمي لها. يصف متى الإنجيلي ذاته بلفظ: “جالسًا”. هذا الوضع يشير إلى إنه إنسانًا مدفوعًا بحالة النجاسة والعصيان من قِبل الشريعة بسبب عمله الغير شريف فهو عمل لا يتناسب مع الشريعة والإنسانية. لأن هذا العمل يساعد على إستغلال المواطنين.

  1. اللقاء بيسوع (مت 9:9ب)

     أثناء إنغماس متى بالكامل في عمل والأموال والحسابات، إلا إنه عند نقطة معينة تظهر نظرة مميزة وهي  “نظرة يسوع المعلم” نظرة تقلب الموازين ومُفاجئة. بمجانية نعم “مجاناً” نظرة يسوع إلى ذلك الرجل المنحني في كرسيه متابعًا عمله ومُنكب على الأموال والحسابات. إلا إنه في ذات الوقت منبوذ من شعبه. وهنا الغريب أن نظرة يسوع تختلف عن نظرة المواطنين في هذا العصر. لا “يرى” يسوع، في شخص متى، جابي ضرائب، لكنه كما يقول نص متى يرى فقط “رجل” أي إنسان. يتجاوز يسوع الحالة التي يجد فيها العشار نفسه مُدانًا مِن نفسه ومِن قِبل الآخرين بل فقط “يرى الإنسان”. ثم يأتي الحوار المُلخص في دعوة وكلمة “اتبعني!”. دون أن ينبت هذا الرجل ببنت شفة إذ على الفور قام متى من مكان عمله الذي كان مُقيد فيه وبدوره تبع يسوع في صمت. وهنا يقف الرجل، وهو متى، الذي كان جالسًا إذ يأخذ قرار بترك مكان عمله الغير شريف في نظرة المجتمع، ويستعيد الرجل الذي كان مُهانًا ومنبوذاً كرامته من خلال تبعيته للمعلم الناصري.

  1. الجديد لدى متى

ولكن إذا تسألنا ما هو السبب الذي جعل متى ينهض ويغير وضع الجلوس؟ ما الذي ينقصه؟ نظرة وكلمة. نعم كان متى يشعر بأنه مقبول ومحبوب ليقوم بتغيير حياته. “إتبعني” ما هو إلا دعوة من المعلم للتبعية. لعل هذا ما واجهه الكاتب متى في يسوع: تلميذه. إكتشف متى من خلال يسوع أن الشريعة لا يجب أن يعرفها فقط بل يجب أن تُعرف. إنه الالتزام الذي تعهد به إسرائيل عندما نص العهد في سيناء:«  » (خر 24: 7). حتى أن التوراة يجب أن تتم في وقت مبكر عن وقت السمع.

الخلاصة

ما حدث في حياة متى من خلال “نظرة يسوع الحرة” ليسوع الذي عبر بحياته في أثناء العمل. إلا إن إكتشف يسوع في ذلك الرجل طريقة ما لعيش الشريعة التي تتلخص في الحفاظ على العهد مع الرب. إن “النظرة المجانية” التي نظرها يسوع لمتى الإنسان والتي تستند إلى توجيه رسالة لباطنه وهي رسالة لها الكثير من الأهمية. لأنه يخبرنا أن هذا المقطع في حياة التلميذ لا يحدث بفضل جهودنا وحدها او تجاوبنا على النداء الإلهي، ولكن عندما نكتشف محبة الله المجانية والغير المتوقعة لنا. يكتشف متى في يسوع هذه: “مجانية” تدل على قبول ومحبة الله له. نظرة يسوع لهي مختلفة عن نظرات الازدراء الكثيرة التي ربما اعتاد عليها بعض رجال ونساء كهذا العشار.

هنا يصبح متى نموذجًا للتلميذ، فهة في الواقع الشخص الذي يكتشف أنه لا يكفي معرفة الكتاب المقدس بالكامل – وهذا مهم أيضًا – ولكن من الضروري أن نختبر نظرة الحب التي تقع علينا وأن نتبعها. يسوع الذي ينتقل إلى وجودنا لكي لا تُعرف كلمة الله فحسب ، بل تتجسد أيضًا.

Share this Entry

د. سميرة يوسف

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير