“وسط الغفران، هناك الله الذي يُقبّلنا وليس لائحة خطايانا وذُلّنا. الاعتراف سرّ فرح، لا بل عيد في السماء وعلى الأرض”. هذا ما كتبه أندريا تورنييلي في افتتاحيّة نشرها القسم الفرنسي من زينيت.
وأضاف: يوم الثلاثاء 14 أيلول 2021، في ملعب كوزيتشه، وكأنّ البابا فرنسيس كان ينظر إلى عيون كلّ الشباب الذين أتوا لاستقباله بهدف دعوتهم إلى سرّ التوبة بطريقة جديدة. وما قاله خليفة بطرس كان عزاء ليس فقط لمَن كانوا موجودين، بل لمَن كانوا يُتابعون اللقاء عبر التلفزيون أو الإنترنت، أو مَن قرأوا ببساطة كلمته.
ليس السرّ الذي يقترب منه قليل من الأشخاص في أيّامنا هذه هو الذي تغيّر. ما اقترحه البابا هو رؤية مختلفة عن الاعتراف مقارنة بما يعيشه العديد من المسيحيين ومقارنة بإرث تاريخي معيّن.
بداية، أشار الأب الأقدس في السرّ إلى “العلاج” لأجل لحظات الحياة “عندما نكون مُرهقين”.
ثمّ سأل البابا خلال كلمته: “أيريد الله أن تقتربوا منه فيما تفكّرون في أنفسكم، في خطاياكم أو فيه؟” وكان قد قال قبل يومين في بودابست إنّ “الطريق المسيحيّ يبدأ بخطوة إلى الخلف، عبر الانسحاب من وسط الحياة للإفساح بالمجال امام الله. وهذا المعيار عينه، هذه النظرة عينها المُطبّقة على الاعتراف قد تتسبّب بثورة في حياة كلّ إنسان: وسط سرّ التوبة، لم أعد أنا مذلولاً مع لائحة من الخطايا – ربّما هي دائماً ذاتها – والتي عليّ أن أخبرها إلى الكاهن بصعوبة. في الوسط، هناك اللقاء مع الله الذي يستقبل ويُقبّل ويُسامح ويرفع”.
“لا تعترفوا كأشخاص مُعذّبين عليهم أن يتّضعوا، بل كأولاد يركضون ليُعانقوا أباهم. والآب يرفعنا في جميع الظروف ويغفر كلّ الخطايا. اسمعوا هذا جيّداً: الله يغفر جيّداً! أتفهمون؟ الله يغفر دائماً! نحن لا نتوجّه إلى قاضٍ لتسوية الحسابات، بل إلى يسوع الذي يُحبّنا ويشفينا”.
ثمّ نصح فرنسيس الكهنة بأن يشعروا بأنّهم مكان الله الآب الذي يغفر دائماً ويُعانق ويستقبل. فلنُعطِ الله المكانة الأولى في الاعتراف. مع الله، كلّ شيء يُصبح جميلاً والاعتراف يصبح سرّ الفرح، وليس الخوف أو الحكم، بل الفرح. إذاً، النظرة الجديدة على سرّ التوبة التي يقترحها البابا تطلب إلينا ألّا نبقى سجناء خجلنا من خطايانا، وهو خجل جيّد، بل أن نتخطّى ذلك لأنّ الله لا يخجل بنا أبداً. إنّه يُحبّنا حيث نحن نخجل من أنفسنا. وهو يحبّنا دائماً.
أمّا بالنسبة إلى مَن لا يستطيعون مسامحة أنفسهم مُعتقدين أنّ الله يعجز عن ذلك “لأنّني سأسقط دائماً في الخطيئة نفسها”، فقد قال فرنسيس: “متى شعر الله بالإهانة عندما طلبنا منه الغفران؟ أبداً. الله يتألّم عندما نعتقد أنّه لا يستطيع أن يسامحنا، وكأنّنا نقول له: أنت ضعيف في الحبّ. لكنّ الله يبتهج في مسامحتنا كلّ مرّة. عندما يُنهضنا، يثق بنا كما فعل في المرّة الأولى ولا يفقد الشجاعة. نحن مَن نفقدها. هو يرى فينا أولاداً عليه أن يُحبّهم وليس أشخاصاً سيّئين. قد يرانا مجروحين، فيُكنّ لنا عندها التعاطف والحنان أكثر بعد. وكلّما اقتربنا من سرّ الاعتراف – لا تنسوا هذا ابداً – نحتفل في السماء. فليكن كذلك على الأرض”.
من الخجل إلى الاحتفال، من الإذلال إلى الفرح. ليس البابا فرنسيس مَن يقول هذا بل الإنجيل، حيث نقرأ أنّ الأب ينتظر بقلق ابنه الخاطىء وينظر إلى الأفق باستمرار. وقبل أن يتسنّى له الوقت حتّى ليُذلّ نفسه ويُفصّل أخطاءه، قبّله أبوه وساعده على النهوض ثمّ احتفل معه وأقام مأدبة على شرفه.