Angélus, 19 Sept. 2021 © Capture Zenit / Vatican Media

لنترك الرّحمة تغمرنا

النص الكامل لصلاة التبشير الملائكي يوم الأحد 17 تشرين الأوّل 2021

Share this Entry

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

يروي إنجيل ليتورجيا اليوم (مرقس 10، 35-45) أنّ التلميذَين، يعقوب ويوحنا، طلبا من الرّبّ يسوع أن يجلسا بجانبه في المجد يومًا ما، وكأنّهما ”رئيسَا وزراء“، شيء من هذا القبيل. كان التلاميذ الآخرون يسمعونهم فاغتاظوا. إذّاك قدّم لهم يسوع، بصبر، تعليمًا مهمًا إذ قال: المجد الحقيقيّ لا يتم الحصول عليه عندما نرتفع فوق الآخرين، بل عندما نعيش المعمودية نفسها التي سينالها يسوع قريبًا في أورشليم، أي الصليب. ماذا يعني هذا؟ كلمة ”معمودية“ تعني ”التغطيس“، الدخول في غمار المياه. يسوع دخل بآلامه في غمار الموت، وقدّم حياته ليخلصّنا. فمجده، مجد الله، هو إذن محبّة تصير خدمة، لا قدرة  تتطلع إلى الهيمنة. لا قدرة تتطلع إلى الهيمنة، لا! إنّها محبّة تصير خدمة. لذلك اختتم يسوع وقال لأتباعه ولنا أيضًا: “مَن أَرادَ أَن يَكونَ كَبيرًا فيكم، فَلْيَكُنْ لَكُم خادِمًا” (مرقس 10، 43). لكي تصبحوا كبارًا، عليكم أن تسيروا في طريق الخدمة، وتخدموا الآخرين.

نحن أمام منطقَين مختلفَين: أراد التلاميذ أن يَظهروا أمام الآخرين وأراد يسوع أن يختفي، وأن يكون مغمورًا. لنتوقّف عند هذين الفعلَين. الفعل الأوّل هو ظَهَر. إنّه يعبّر عن تلك العقليّة الدنيويّة التي تُغرينا دائمًا وهي: أن نعيش كلّ الأمور، بما في ذلك العلاقات، لتغذية طموحاتنا، وتسلّق سلّم النجاح، والوصول إلى أماكن مهمة. يمكن أن يصير البحث عن المكانة الشخصيّة مرضًا في الرّوح، فنخفي أنفسنا حتى وراء النوايا الحسنة. على سبيل المثال، وراء الخير الذي نقوم به ونبشر به، نبحث في الواقع فقط عن أنفسنا وثباتنا، أي أن نتقدّم نحن ونتسلق… ونرى هذا أيضًا في الكنيسة. كم مرة، نحن المسيحيين، الذين يجب أن نكون خدّامًا، نحاول أن نتقدّم، ونتسلق. لذلك، نحتاج دائمًا أن نتحقّق من نوايا القلب الحقيقية، وأن نسأل أنفسنا: ”لماذا أقوم بهذا العمل، وبهذه المسؤولية؟  ألتقديم خدمة أم لأحظى بالاهتمام والشكر ولتقبّل التهاني؟“. عارض يسوع بمنطقه هذا المنطق الدنيويّ: فبدلًا من أن يرتفع فوق الآخرين، نزل من عرشه لخدمتهم، وبدلًا من أن يظهر فوق الآخرين، دخل في غمار حياتهم. كنت أشاهد في برنامج ”على صورته“ خدمة  مؤسسة كاريتاس (المحبّة) ”حتى لا ينقص الطعام لأحد“: القلق بشأن جوع الآخرين، والقلق بشأن احتياجات الآخرين. يوجد الكثير والكثير من المحتاجين اليوم، والمحتاجون بعد الجائحة أكثر. انظروا وانحنوا في الخدمة، ولا تحاولوا أن تتسلقوا من أجل المجد الخاص.

هذا هو الفعل الثاني: غاص في الغمر. طلب منّا يسوع أن نغوص فتغمرنا المياه. وكيف نغوص فتغمرنا المياه؟ بالرّحمة، في حياة من نلتقي بهم. هناك (في خدمة مؤسسة كاريتاس) كنا نشهد الجوع: ونحن، هل نفكر بالرّحمة أمام جوع الناس الكثيرين؟ عندما نكون أمام وجبة الطعام، وهي نعمة من الله ويمكننا أن نأكلها، يوجد أشخاص كثيرون يعملون ولا يستطيعون الحصول على وجبة طعام كافية طوال الشهر. هل نفكر في هذا؟ لننزل ولنترك الرّحمة تغمرنا، الرّحمة. يوجد جياع كثيرون… وهذا ليس كلامًا  في موسوعة: لا! إنّهم أناس. وهل لدي الرّحمة لهم؟ الرّحمة في حياة من نلتقي بهم، كما صنع معي يسوع، ومعك، ومعنا جميعًا، فقد اقترب منا راحمًا.

لننظر إلى الرّبّ يسوع المصلوب، المغمور حتى الأعماق في تاريخنا الجريح، ولنكتشف طريقة الله في العمل. نرى أنّه لم يبق فوق في السماء، ينظر إلينا من أعلى إلى أدنى، بل نزل ليغسل أقدامنا. الله محبّة والمحبّة متواضعة، لا ترتفع، بل تنزل إلى أدنى، مثل المطر الذي يسقط على الأرض ويبعث فيها الحياة. ولكن كيف نسير في نفس اتجاه يسوع، لكي ننتقل من الظهور أمام الآخرين إلى الدخول في الغمر معهم، ومن عقلية الشهرة، هذه العقلية الدنيوية، إلى عقلية الخدمة، هذه العقلية المسيحية؟ هذا يتطلب التزامًا، لكن هذا لا يكفي. الأمر صعب وحدنا، إن لم يكن مستحيلًا، لكن في الداخل فينا قوّة تساعدنا. إنّها المعمودية، هي دخول الغمر باسم يسوع الذي نلناه جميعنا بالنعمة والذي يوجهنا، ويدفعنا إلى أن نتبعه، ليس للسعي وراء مصلحتنا بل لنضع أنفسنا في الخدمة. إنّها نعمة، وهي نار أوقدها الرّوح فينا ويجب تغذيتها. لنطلب اليوم من الرّوح القدس أن يجدّد فينا نعمة المعمودية، نعمة دخول الغمر باسم يسوع، وأن نتشبّه به في الخدمة، حتى نكون خدامًا أكثر، ونكون خدامًا كما كان هو معنا.

لنصل إلى سيدتنا مريم العذراء: على الرّغم من أنّها الأكبر شأنًا، إلّا أنّها لم تسعَ إلى الظهور امام الآخرين، بل كانت خادمة الرّبّ المتواضعة، وكانت منغمسة تمامًا في خدمتنا، لمساعدتنا حتى نلتقي بيسوع.

صلاة التبشير الملائكي

بعد صلاة التبشير الملائكي

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!

قدّمت هيئة ”مساعدة الكنيسة المُتألِّمة“ اليوم موعدًا للرعايا والمدارس والعائلات مع مبادرة ”من أجل الوَحدة والسّلام، مليون طفل يصلّون المسبحة الوردية“. أشجع حملة الصّلاة هذه، التي أوكِلت هذا العام بشكل خاص إلى شفاعة القديس يوسف. أشكر جميع الأطفال الذين يشاركون! شكرًا جزيلًا.

تم بالأمس في كوردوبا في إسبانيا، إعلان تطويب الكاهن خوان إلياس مدينا ورفاقه المائة وستة وعشرين شهيدًا: كهنة وراهبات وإكليريكيين وعلمانيين قتلوا بسبب إيمانهم خلال الاضطهاد الديني العنيف في سنوات الثلاثينيات في إسبانيا. لتمنحنا أمانتهم جميعًا القوّة، ولاسيما للمسيحيين المضطهدين في أجزاء مختلفة من العالم، القوّة لنشهد بشجاعة للإنجيل. لنصفّق للطوباويين الجدد!

نُفذت خلال الأسبوع الماضي عدة اعتداءات، على سبيل المثال في النروج وأفغانستان وإنجلترا، أسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى. أعبّر عن قربي من عائلات الضحايا. أسألكم من فضلكم أن تتخلوا عن طريق العنف التي هي خاسرة دائمًا، وهي هزيمة للجميع. لنتذكّر أنّ العنف يولِّد العنف.

وأتمنّى لكم جميعًا أحدًا مباركًا. ومن فضلكم، لا تنسَوْا أن تصلّوا من أجلي. غداءً هنيئًا وإلى اللقاء!

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2021


Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير