القديسة كلارا هي النبتة الأولى كما يدعوها القديس فرنسيس الأسيزي هي غرسّ في روحانية ونهجة، تركت العالم وعاشت حياتها في العفة والفقر والطاعة حبًا في يسوع المسيح.
تركت لنا القديسة كلارا الكثير من الكتابات عديدة ولكن لم يبقي منها إلا القليل وهذه القديسة شخصية ذو إرادة وتصميم وعزم ومثابرة وثبات وهي المرأة الأولى في التاريخ التي كتبت قانونًا رهبانيًا نسائيًا وهي أيضًا من النساء القليلات في تلك الفترة اللواتي تركن كتابات لهن.
تعبرتعيش القديسة كلارا في كتاباتها عن صداقة روحية مع العريس الإلهي، وعرفت أنه مصدر الدعوة وتعيش من أجل يسوع في الفقر والعفة والطاعة. ترى نفسها بالنسبة إلى الآب هي أبنة ملك الملوك رب الأرباب و للأبن أخت وعروس للروح القدس.
في تعبيراتها عن الخبرة الروحية مع يسوع في خبرة التصوف وتستخدم لفظ العريس والعروس وسر الاتحاد، فالعريس هو يسوع المسيح الذي أتضع وصار فقيرًا وتألم في حياته الأرضية لكنه الآن الملك المجيد. وهذا الاتحاد بالعريس يتخلله جو من الفرح والنور والبهجة. من خلال خبرة التصوف التي عاشته هذه القديسة وصلت إلى الإتحاد بيسوع المسيح وهذا يظهر في كتاباتها إلى القديسة أنياس وهي تخاطبها قائلاً ” أيتها البتول الفقيرة عانقي المسيح الفقير، أنظري إليه وحدقي إليه وتبصري فيه راغبة في الاقتداء به”
ومع خبرة التصوف تستخدم مصطلح خادمة يسوع المسيح غير المستحقة وتخاطب القديسة أنياس إبنة ملك بوهيميا التي تركت العالم وفضلت الإتحاد بيسوع المسيح وتخاطبها في الرسالة الأولى إليها:” بُحبكِ لهُ أنتِ الآن عفيفةّ وبلمسكِ إياهُ تُصبحين أكثر طُهرًا، وبقبولكِ لهُ أنتِ الآن بتول. رقم (8) فهو الآن يُضمك بشدة هو الذي زيَّنَ صدرك بالحجارة الكريمةِ وعلقَ في أُذنيكِ لأليء لا تُثمن. رقم (10).
وتختم في رسالتها الأولى إلى أنياس في طلب صلاتها من أجلها وتقول” وأرجوكِ أيضا في الرب ما أستطيع أن تذكريني في صلواتك الكلية القداسة، وكي نستحق رأفة يسوع المسيح ونتمتع معكِ بالرؤية الأزلية وداعًا في الرب وصلي لأجلي”.
ومن خلال هذه الرسالة تكشف لنا كم من العشق للحب الإلهي المغمور فيها والمنغمس بيسوع المسيح العريس الحقيقي، وعرفت القديسة كلارا بإن الملكوت يُعد للفقراء وتقدم حياتها حبًا في يسوع وتعيش البتولية مع الطاعة والاستشهاد اليوميي في حياتها الرهبانية. نحن أمام قديسة فريدة من نوعها في عصر ممتلئ صعوبات وحروب.
عندما نقرأ في رسائلها تُظهر لنا إلى أي مدى التصوف والزهد والاتحاد بيسوع المسيح الذي صار لها مصدر حياة من خلال الرسالة الثالثة إلى القديسة أنياس رقم ( 12، 16)،” ضعي ذهنكِ في مرآة الأبدية وضعي نفسكِ في بهاء المجد، وضعي قلبكِ في صورة الجوهر الإلهي ومن خلال المشاهدة حوَّلي ذاتكِ كليًا إلى صورة اُلوهته، هو الذي جمالهُ يُعجب الشمس والقمر وهو الذي مكافأته، في ثمنها وعظمتها لا نهاية له”. يا لروعة هذه الكلمات والمشهد الإلهي التي تقدمه لنا في كتاباتها هذه القديسة العظيمة وهي تُعلن عن خبرة روحية سماوية تشارك إبنتها القديسة أنياس وتقول لها:” أحبي كليًا ذاك الذي أعطى ذاتهُ كليًا حبًا بكِ.”
عرفت أيضًا يسوع الفقير والمحبوب الذي تجسد من أجل خلاصنا وحملته مريم العذراء، ووضعته في مذود. من هذا المنطلق عاشت القديسة كلارا روح التخلي والترك والعالم الأرضي. وتعلن إنها خادمة المسيح والأخوات الفقيرات في دير القديس دميانوس والغير المستحقة والغرسة الصغيرة للأب القديس فرنسيس.
وتدعو إبنتها في الحياة الرهبانية في الرسالة إلى ارمنترودا في كولونيا بأن تُوفي بإخلاص ما نذرت لله، وهو يكافئكِ تطلعي يا عزيزتي إلى السماء التي تدعونا وإحملي الصليب وإتبعي المسيح الذي يتقدمنا. نرى في الرسالة الرابعة إلى أنياس كلمات حب وعشق للعريس والتأمل في وجهه وحبه الغير متناهي للبشرية في بذل ذاته من أجلنا. وتقول في رسالتها الرابعة رقم( 10، 11، 13) ” جماله يدُهش، من دون انقطاع كُل جُند السموات الطوباويون، حُبه يُحرك المشاعر ومشاهدته تنعشُ ولطفه يغمر، وعطره يُحيي الأموات ورؤيته المجيدة ستبارك جميع سُكان أورشليم السماوية “.
لا أحد يشعر بهذه الكلمات ما لم يكن عاش هذه الخبرة مع يسوع المسيح لأن هذه الكلمات نابعةً من قلبٍ متحدٍ بالعريس الإلهي. خبرة صوفية بكل المقاييس وأمام هذا العشق الإلهي محاوله المنطق البشري ان يجد شرحًا تفسيرًا. لأن أمام حالة تواجد مع الله حضور لا يُوصفُ أمامه. بل روح الله التي قادت القديسة كلارا أن تكتب هذه الكلمات.
عن يسوع المسيح في قلب القديسة كلارا:
واهب النعم، إني أشكر واهب النعم الذي منه تخرج كل عطية صالحة.
العريس، هو يسوع المسيح الذي يريد أن يتحد بنا في حجرة العرس السماوية.
الملهم، وهو مصدر الإلهام والنعم التي تُعطى للإنسان تقول” بما أنكن بإلهام إلهي جعلتن من ذواتكن بنات للملك العلي والأسمي وصرتن عرائس للروح القدس.
المرآة، يسوع هو المرآة الحقيقية، تخاطب القديسة كلارا إبنتها أنياس في الرسالة الرابعة رقم (15) حدقي كل يوم إلى هذه المرآة أيتها الملكة عروس المسيح وعايني بإستمرار وجهكِ فيها. وأيضًا رقم (24) فتلك المرآة الموضوعة على خشبة الصليب كانت تنبهُ المارة إلى من تحب أن يتبصروا فيه.
إشعاع النور الإلهي، لأن رؤيته هي بهاء المجد الأبدي، مصدر كل بركة ونعم.
في نهاية حياتها وعلى مثال القديس فرنسيس تعطي البركة لأخواتها في دير القديس دميانوس وأولئك اللواتي سيأتين في المستقبل فتقول: ” باسم الأب والأبن والروح القدس فيبارككن الرب وليحفظكن، ليظهرلكن وجهه وليرحمكن، ليحول وجهه نحوكنَّ وليهب السلام لكُنَّ.