“يا ابنتي، إيّاك الحزن. أبعدي عن رأسِكِ الغمّ، والهموم، فالحزين لا يدلّ على أنّه مستسلم لإرادة الله… أمّا أنا فقد طلبت أن أموت بعد أن أكون ضحكت من كلّ قواي. فلا تكوني حزينة لأنّ القدّيس الحزين، قداسته حزينة…”
أبونا يعقوب الكبّوشيّ
تلك كانت وصيّة “أبونا يعقوب” إلى إحدى الرّاهبات…
إنّه الفرح بالرّبّ… إنّه الإيمان الذي ينفي الخوف، ويحوّل القلب المتألّم إلى واحة رجاء، وسلام… إنّه الفرح الذي عاشه أبونا يعقوب”. تسلّح بالإيمان، فعرف أنّ طريق السّماء ليست بالبحر، ولا بالبرّ، بل بالإرادة … لم يخف من صعوبة، أو من ألمٍ، أو من شدّة… لأنّه فرح بما خبّأت له العناية الإلهيّة ، وما أراده الله له.
عاش مردّدًا ” لتكن مشيئته” … وهكذا حافظ على حرّيّة القلب، وفرحه… هكذا كان دائم الابتسامة، وبريء النّكتة.
” القلب الفرحان يبهج الوجه، وبحزن القلب تنكسر الرّوح.” ( الأمثال 15/13)
هكذا عاش…أصغى… صلّى… تأمّل… ناجى الرّبّ…
تألّم … صبر… سلّم للعناية الإلهيّة …فرح… فضحك من كلّ قواه…
اشتهر أبونا يعقوب بخفّة الظّلّ، وحلاوة النّكتة… تساءل كثيرون عن سرّ سكينته، واطمئنانه، وسلامه الدّاخليّ بالرّغم من ما عاناه من مشقّات…
كان الحاكم العثماني ينوي به شرًّا، ويفكّر في أن يحكم عليه بالإعدام… تمّ توقيفه لأكثر من مرّة، كما تمّ استجوابه، اتّهم بالكذب، ولكنّه لم يتفوّه إلّا بالحقيقة المصحوبة بالنّكتة البريئة، وكان جوابه الدائم” أفضّل الموت صادقًا على أن أكون كاذبًا.”
سأله أحد الجنود عند اعتقاله، إن كان فرنسًّيا أو يحبّ الفرنسيين ؟ فأجاب أبونا يعقوب:” أحبّ الفضيلة أينما كانت، ولو على أنف خنزير..”
إنّها النكتة النّابعة من الارتياح الكامل الذّي كانت تبثّه في حياته النّعم الإلهيّة… فالكبّوشي كان على يقين كلّيّ، أنّه بين يدي الرّبّ، وأنّ الرّبّ لن يهبه إلّا الفرح، والخير…
إنّه التسليم الكلّي لإرادة الله، الذي يملأ حياتنا فرحًا، وحبًّا…
زدنا إيمانًا يا ربّ… لنتمثّلَ بالكبّوشي، ونحيا على مثاله، مبتسمين، وفرحين، ومرتاحين… مسبحين الرّبّ على ما يهبنا من خيرات…
زدنا إيمانًا يا ربّ…. لنسلّم أمرنا إلى مشيئتك … عندها نبدّد الحزن من قلوبنا، ونحيا فرح الحياة، ونضحك من كلّ قوانا….