أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
يبدأ المقطع الإنجيلي من ليتورجية اليوم بجملةٍ من يسوع تدهشنا: “تُظلِمُ الشَّمسُ والقَمَرُ لا يُرسِلُ ضَوءَه، وتَتَساقَطُ النُّجومُ مِنَ السَّماء” (مرقس 13، 24-25). ولكن كيف؟ حتّى الرّبّ يسوع يبدأ بهواية التنبؤ بالويلات؟ لا، بالتأكيد ليس هذا قصده. أراد أن يُفهمنا أنّ كلّ شيء في هذا العالم يزول، عاجلاً أم آجلاً. حتّى الشّمس والقمر والنّجوم التي تشكّل ”السّماء“ – وهي كلمة تشير إلى ”الثّبات“ و ”الاستقرار“ – هي أيضًا مصيرها إلى الزوال.
ولكن في النّهاية، قال يسوع ماذا لا يزول: “السَّماءُ والأَرضُ تزولانِ وكَلامي لن يزول” (آية 31). كلام الرّبّ لن يزول. ميّز يسوع بين الأمور ما قبل الأخيرة التي تزول، والأمور الأخيرة الباقية. إنّها رسالة لنا، لترشدنا في اختيارات حياتنا المهمّة، ولترشدنا في ما يستحقّ أن نستثمره في حياتنا، في ما هو عابر أم في كلام الرّبّ يسوع الباقي إلى الأبد؟ بالتّأكيد في كلام الرّبّ يسوع. ولكنّه ليس بالأمر السهل. في الواقع، تجذبنا الأمور التي تقع تحت حواسنا وتمنحنا الارتياح على الفور، بينما كلام الرّبّ يسوع، ورَغم جماله، يتجاوز ما هو حاليّ ويتطلّب الصّبر. نحن نميل إلى التشبّث بما نراه ونلمسه ويبدو لنا أكثر أمانًا. هذا بشري. وهذه هي التجربة. ولكنّها خدعة، لأنّ “السَّماءُ والأَرضُ تزولانِ وكَلامي لن يزول”. هذه هي الدّعوة: لا تبنِ حياتك على الرّمال. عندما نبني بيتًا، نحفر في العمق ونضع أساسًا متينًا. سيقول الأحمق وحده إنّها نقود ألقيت من أجل شيء لا يمكن رؤيته. التّلميذ الأمين، في نظر يسوع، هو الذي يؤسّس حياته على الصّخر، أي على كلامه الذي لن يزول (راجع متّى 7، 24-27)، على ثبات كلام يسوع: هذا هو أساس الحياة الذي يريده يسوع لنا، والذي لا يزول.
والآن السؤال – عندما نقرأ كلمة الله، تُطرح دائمًا أسئلة -، لنسأل أنفسنا: ما هو المركز، ما هو القلب النّابض في كلمة الله؟ باختصار، ما الذي يُعطي الحياة متانة ولن يفنى أبدًا؟ قال لنا القدّيس بولس: المحبّة هي المركز، بالتحديد هي القلب النابض الذي يعطي المتانة: “المَحبَّةُ لا تَسقُطُ أَبَدًا” (الرسالة الأولى إلى أهل قورنتس 13، 8)، قال القديس بولس. من يعمل الخير يستثمر من أجل الحياة الأبديّة. عندما نرى شخصًا كريمًا وخدومًا، ووديعًا، وصبورًا، ولا يحسد، ولا يثرثر، ولا يتفاخر، ولا ينتفخ من الكبرياء، ولا يفعل ما ليس بشريف (راجع الرسالة الأولى إلى أهل قورنتس 13، 4-7)، هذا هو الشّخص الذي يبني السماء على الأرض. ربّما لن يكون معروفًا، ولن يتقدم في سلم الأعمال، ولن يتصدر عناوين الصحف، لكن الذي يعمله لن يضيع. لأنّ الخير لا يضيع أبدًا، بل يبقى دائمًا.
ونحن، أيّها الإخوة والأخوات، لنسأل أنفسنا: في ماذا نستثمر حياتنا؟ في الأمور التي تزول، مثل المال، والنّجاح، والمظاهر، والرّخاء الجسدي؟ من هذه الأشياء، لن نحمل معنا شيئًا. هل نحن مرتبطون بالأمور الأرضيّة، كما لو أنّنا سنعيش هنا إلى الأبد؟ عندما نكون في سن الشباب، ونتمتع بصحة جيدة، كلّ شيء يكون على ما يرام، ولكن عندما تأتي ساعة الوداع، علينا أن نترك كلّ شيء. كلمة الله تحذّرنا اليوم وتقول: سيزول مشهد هذا العالم وستبقى المحبّة فقط. لذلك، تأسيس حياتنا على كلمة الله، هو ليس هروبًا من التّاريخ، بل هو أن نهتم في الأمور الأرضيّة لنجعلها متينة، ولنحوِّلها بالمحبّة، ولنَسِمَها بسمة الأبديّة، سمة الله. إليكم إذًا نصيحة من أجل اتّخاذ الاختيارات المهمّة. عندما لا أعرف ماذا أفعل، كيف أتخذ خيارًا نهائيًا، وخيارًا مهمًا، وخيارًا فيه محبّة يسوع، ماذا يجب أن أفعل؟ قبل أن نقرّر، لنتخيّل أنّنا واقفون أمام يسوع، مثل وقوفنا في نهاية الحياة، واقفون أمامه الذي هو المحبّة. ولنفكّر هناك، في حضرته، وعلى عتبة الأبديّة، ولنتّخذ القرار لهذا اليوم. هكذا يجب أن نقرّر: بأن ننظر دائمًا إلى الأبدية، وإلى يسوع. قد لا يكون القرار الأسهل والأسرع، ولكنّه سيكون الأحسن والمضمون (راجع، القدّيس إغناطيوس دي لويولا، الرّياضات الرّوحيّة، 187).
لتساعدنا مريم العذراء لنقوم بالخيارات المهمّة في الحياة، كما فعلت هي نفسها، ناظرين إلى المحبّة وناظرين إلى الله.
صلاة التبشير الملائكي
بعد صلاة التبشير الملائكي
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!
نحتفل اليوم باليوم العالمي الخامس للفقراء، الذي وُلد ثمرة ليوبيل الرحمة. موضوع هذا العام هو كلمات يسوع “أَمَّا الفُقَراء فهُم عِندَكم دائمًا أَبدًا” (14، 7). وهذا الأمر صحيح: البشرية تتقدّم وتتطور، ولكن الفقراء معنا دائمًا، وهناك فقراء دائمًا، والمسيح حاضر فيهم، والمسيح حاضر في الفقراء. عشنا أوّل أمس، في أسيزي، لحظات مليئة بالشهادة والصّلاة، أدعوكم لكي تستعيدوها مرة أخرى، لأنَّ هذا الأمر يفيدكم. وأنا شاكرٌ لمبادرات التضامن العديدة التي تم تنظيمها في الأبرشيات والرعايا في كلّ العالم.
إنَّ صدى صرخة الفقراء، إلى جانب صدى صرخة الأرض، قد تردّد خلال الأيام الأخيرة في قمة الأمم المتحدة حول تغيّر المناخ COP26، في غلاسكو. أشجع جميع الذين لديهم مسؤوليات سياسيّة واقتصاديّة على أن يتصرّفوا فورًا بشجاعة وبُعد نظر، وفي الوقت عينه، أدعو جميع الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة لكي يمارسوا مواطنة فعالة من أجل العناية بالبيت المشترك. ولهذا الهدف بالذات، يتمُّ اليوم في اليوم العالمي للفقراء، فتح التسجيلات على منصة كن مسبحًا ( Laudato si)، التي تعزز الإيكولوجيا المتكاملة.
يصادف اليوم أيضًا اليوم العالمي لمرضى السكري، مرض مزمن يصيب أشخاصًا كثيرين، وكذلك الشباب والأطفال. أصلّي من أجلهم جميعًا ومن أجل جميع الذين يشاركونهم تعب كلّ يوم، وكذلك من أجل العاملين في المجال الصحيّ والمتطوعين الذين يساعدونهم.
وأتمنّى لكم جميعًا أحدًا مباركًا. ومن فضلكم، لا تنسَوْا أن تصلّوا من أجلي. غداءً هنيئًا وإلى اللقاء!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2021
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana