نحن في زمن جديد من العنصرة زمن يقوده الروح القدس من خلال رجال الله الذين يجدون قراءة علامات الأزمنة ، هذا الزمن هو زمن عاصفة مجدده على الكنيسة كما حدث في الكنيسة الأولى، عاصفة مليئة بالتجديد داخل الكنيسة حاملة روح المجمع الفاتيكاني الثاني الذي انعقد حسب علامات الأزمنة، وفي زماننا الحاضر نجد فيه علامات الأزمة التي تدعو إلى التجديد الداخلي الذي يقودنا نحو القداسة والعمل المشترك داخل الكنيسة لكي نعود إلى الكنيسة الأولى حسب سفر اعمال الرسل وكان كل شيء مشترك بينهم. مسيرة داخلية منطلقة من الروح القدس وهي مسيرة التجديد.
أول من أعطى معنى كلمة سينودس بعد انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني هو البابا بولس السادس” تحديدًا لسينودس الأساقفة، خلال صلاة التبشير الملائكيّ، يوم الأحد 22 أيلول/سبتمبر 1974، قائلاً: «إنّه مؤسّسة كنسيّة، ونحن، من خلال تفحّص علامات الأزمنة، ومحاولة تقديم تفسير أعمق لمقاصد الله ولبنية الكنيسة الكاثوليكيّة، قمنا بتأسيسه بعد المجمع الفاتيكانيّ الثاني، لتنشيط الوحدة والتعاون بين الكرسيّ الرسوليّ وأساقفة العالم أجمع. من خلال دراسة مشتركة لأوضاع الكنيسة يتمّ تسهيل الوحدة والتعاون وتقديم الحلول المتّفق عليها للمسائل المتعلّقة برسالتها. هو ليس مجمعًا ولا مؤتمرًا ولا برلمانًا وإنّما سينودسٌ ذات طبيعة خاصّة”.
وضع الأساس اللاهوتيّ لسينودس الأساقفة القديس البابا يوحنّا بولس الثاني، وخلال خطابه الذي ألقاه على مجلس الأمانة العامّة لسينودس الأساقفة في 3 أبريل 1983 أعلنَ أنّ سينودس الأساقفة هو “تعبيرٌ عن الشراكة الأسقفيّة وأداته الثمينة.
ويطرح قداسة البابا في كلمته أثناء الذبيحة الإلهية كلمات تدعو إلى التفكير بها على المستوي الشخصي والكنسي” نحن الجماعة المسيحية هل نعيش أسلوب الله الذي يسير في التاريخ ويشارك في ظروف الإنسانية؟ هل نحن مستعدون لمغامرات الطريق أم أننا خائفون من المجهول”، نحن خائفون من المستقبل ولكن المستقبل بيد الله القادر كل شيء والروح القدس، الذي يقود الكنيسة.
نحن خائفون ليس من المجهول أو المستقبل بل خائفون من أنفسنا وعدم التعاون بيننا وجعلنا الآخر هو عائق، وبينما هو عطية الله لنا.
اذاً لماذا نحن خائفون أن نضع كل شيء مشترك في الخدمة والرسالة.
لماذا نخاف ونضع الحواجز في العمل معاً ؟ لماذا خائفون من المستقبل بينما أمام يسوع نسلم له كل شيء، نازعًا الخوف من قلوبنا. وعندما تلتقي الكنيسة بأولادها تضمم جراحهم وتنزع الخوف. يدعونا يسوع للتغير والتجديد بدون خوف منا كما قال يسوع لتلاميذه (لا تخافوا). ومن تلك الدعوة نطلق ونسير معًا والمسيرة التي يدعونا إليها قداسة البابا فرنسيس:” إن المسيرة هي التقاءنا بيسوع في الصلاة وخاصة ساعة السجود أمام القربان الأقدس”، لكي نكتشف ما يقوله الروح للكنائس.
وعن الشركة، يقول قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في عظته: ” كوننا مسيحيين يعني ألّا ننغلق على “ذاتنا” إنّما أن ننفتح على الغير. هذا يعني أن نستقبل الكنيسة بكاملها فينا، و أن نتركها تستقبلنا في داخلها ، يستطيع الروح القدس، روح الوحدة والحقيقة، أن يكمل عمله في قلوب الناس ونفوسهم، لحثّهم على التلاقي والاستقبال المتبادل.عندما نتصّرف على هذا النحو، يرينا الروح الحقيقة كاملة، وهي يسوع. لا نكبر في المعرفة ونحن منغلقين على أنفسنا، ولكن نكبر فقط عندما نصبح قادرين على الاستماع والمشاركة، فيطلب منا “فلتعيشوا تحت تصرّف روح الله؛ وبالتالي فلن تخضعوا إلى الحاجات الجسدية الأنانية”[1]
تدعونا السينودسية لمسيرة الانفتاح والشجاعة وأن نصغى لما يقوله الأخر لنا. والدخول في عمق ذواتنا حيث نكتشف ما في داخلنا أمام كلمة الله وسر الإفخارستيا. مسيرة على طريق عماوس لكي نعطي الفرصة ليسوع ليشرح لنا الكتب على مثال التلاميذ عماوس عندما كان يشرح لهم الكتب.
مسيرة نحو العلية لكي نستقبل العنصرة، كما يقول البابا بندكتوس السادس عشر” إنّ العنصرة هي الحدث الأصليّ ولكنها ديناميّة دائمة، وسينودس الأساقفة هو وقت مميّز يمكن فيه تجديد نعمة العنصرة في مسيرة الكنيسة، حتى تُعلَن البشرى السّارّة بصراحة فتَتلّقاها كلّ الشعوب[2].
مسيرة طريق دمشق لكي نتقابل مع يسوع ويدعونا إلى التغير الجذري كما حدث مع القديس بولس الرسول.
تدعونا لمسيرة أيضًا لنمشي على الطريق لنتقابل مع الفقراء والمهمشين وأطفال الشوارع والاعتناء بيهم.” فالكنيسة تغمر بحبها جميع الذين يرهقهم الضعف البشري بل ترى في الفقراء والمتألمين صورة مؤسسها الفقير المتُألم وتعمل جاهدة على تلطيف بؤسهم وتريد أن تخدم المسيح فيهم.[3]“
هي حقًا مسيرة نحو التحرر من القيود المكبلة لنا وتقودنا إلى الشركة وحرية أبناء الله. وعندما نسير معًا تولد الشركة الحقيقية في الخيرات والمواهب والاتحاد بالإيمان حيث يكون الرابط الذي يوحد الإخوة. ومن هنا ننطلق إلى الإصغاء، وعندما نصغي إلى الآخر نشعر به وأننا نرحب به. في تلك اللحظات نرد على السؤال الذي طرحة الله على قايين (أين اخوك)، لذلك نصغي إلى كلمة الله التي تقودنا نحو الأخر.
نصغي إلى الروح القدس الذي يرشدنا في هذا الزمن. ونجد المجمع الفاتيكاني الثاني يستخدم لفظ “تجديد الساعة”، أي علامات الأزمنة.
نصغي إلى صوت الآخر عندما يتكلم لكي نكتشف عمل الله فيه. ومن خلال تلك المسيرة نكتشف أن السينودس هو مسيرة تمييز روحي على مستوي الشخص والجماعي لأن “الكنيسة “ليست جماعة متجمدة منطوية على ذاتها، بل هي شعب يحاول أن يضم إليه خلال سيره بني البشر أجمعين[4]“(مقدمة في الأنشطة الإرسالية المجمع الفاتيكاني الثاني.
هذا الزمن هو زمن إصغاء للروح القدس وهو بمناسبة عنصرة جديدة على الكنيسة، والسينودس يرمز إلى العلية التي حل عليها نار الروح القدس، أي تجمع شعب الله لكي يسير معًا أي الشركة والوحدة في الرسالة، “وكما مسح الروح القدس الكنيسة في العلية ليرسلها تبشّر العالم بالإنجيل.
هذا السينودس هو امتداد لأعمال المجمع الفاتيكاني الثاني الذي انعقد تحت علامات الأزمنة.
وفى كلمته الافتتاحية للسينودس يدعونا البابا فرنسيس: للتأمل في حياة رسل الكنيسة الأولى، وعلى مثالهم أن تكون الوحدة والشركة والأخوة، وكان كل شيء مشترك بينهم.
يدعونا أيضًا إلى الدخول في العمق على مثال بطرس الرسول الذي قال له يسوع ” أدخل إلى العمق”. ثلاث كلمات مفتاح للسينودس هي (شركة ، ومشاركة، ورسالة)، الشركة أي التماسك والكمال الداخلي في النعمة والحقيقة والتعاون. ونحن الآن نعيش في زمن عنصرة جديدة بالروح القدس الذي يقود الكنيسة وعلامة الوحدة هي الشركة والأتحاد بالله، والمشاركة التي ينادي بها قداسة البابا هي السير معًا واساس الشركة هو سر المعمودية تكون (روح واحدة وايمان واحد)
“وبدون شركة لا يمكن وجود الشهادة: إنّ الشهادة الكُبرى هي حقًّا حياة الشركة. لقد قالها يسوع بوضوح: “إذا أحب بعضكم بعضًا عرف الناس جميعا إنّكم تلاميذي” (يو 13: 35). هذه الشركة هي حياة الله نفسها التي تُعطي ذاتها عبر الروح القدس، من خلال يسوع المسيح. إنّها إذًا عطية، وليست أمرًا نستطيع بناءه بقوانا[5]“
يقدم لنا السينودس فرصة كبيرة للتوبة الرعوية في رؤية إرسالية وأيضًا مسكونية السينودس هو طريق للتمييز الروحي والفعلي، و يقودنا الروح القدس لكى نتفاعل بشكل أفضل مع عمل الله في التاريخ. هذا السينودس يدعو كل فئات الكنيسة للتعاون المشترك على مثال الكنيسة الأولى.
فترة السينودس هي اللقاء والأصغاء والتفكير هذا هو زمن النعمة أن نسير معًا نحو كنيسة سينودسية أي كنيسة تصغي ،من خلال الصلاة والسجود، كنيسة تقارب أي اعمال الرحمة والحنان، كنيسة لا تنفصل عن الحياة بل تتحمل مسؤولية أنواع الضعف والفقر في زماننا فتضمد الجروح وتشفي ببلسم الله القلوب المنكسرة على مثال السامري الصالح.
[1] عظة البابا بندكتوس السادس عشر في عيد العنصرة عام 2012
[2] كلمة البابا بندكتوس السادس عشر خلال قداس افتتاح سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط عام 2010
[3] رقم 4120 من الكنيسة الكاثوليكية في وثائقها، سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليوم رقم 28 ، الجزء الثاني ترجمه المطران يوحنا منصور ، الأب حنا الفخاوري.ص 931.
[4] وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني، ص 17.
[5] كلمة البابا بندكتوس السادس عشر خلال قداس افتتاح سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط عام 2010