نص البشارة هو قبل كلّ شيء تواضع. علّق البابا اليوم على إنجيل القديس لوقا (لو 1: 26 – 38) من نافذة القصر الرسولي، في ساحة القديس بطرس، وأدخل المؤمنين من جديد في “الحميمية المنزليّة” لبيت مريم حيث استقبلت الملاك. حيّاها الملاك كممتلئة من النعمة، فهي بذلك خالية من كلّ شرّ، من دون خطيئة، بريئة من الخطيئة الأصليّة. ولاحظ البابا بأنّه بالرغم من كلّ ذلك، هي لم تقم أبدًا بالتعالي بل على العكس شعرت بالدهشة وبالتواضع والصغر وهذا ما جذب نظر الربّ.
التحرّر من الذات
وشدد البابا على الجانب الرائع لقلب مريم، فبتواضعها، عرفت أنّها تنال كلّ شيء من الله، وبالتالي فهي متحرّرة من نفسها، وموجّهة نحو الله والآخرين. إنّ مريم البريئة من الخطيئة الأصلية لا تنظر إلى نفسها. هذا هو التواضع الحقيقي: ألا ينظر المرء إلى نفسه بل إلى الله والآخرين. هي لا تملك عيونًا موجّهة نحو ذاتها بل نحو الله والآخرين وهذا هو التواضع الحقيقي”.
يمكننا أن نرى التواضع أيضًا في المكان الذي اختاره الملاك ليبشّر مريم: بين جدران بيت مريم، في “الخفاء” وليس في الساحة الرئيسة في الناصرة. وهناك كان ينبض أكبر قلب يمكن لأي مخلوق أن يحصل عليه. وهذا خبر رائع لنا، لأنه يقول لنا بإنّ الرب، ليصنع العظائم، لا يحتاج إلى وسائل كبيرة أو قدراتنا العظيمة، بل إلى تواضعنا، وانفتاحنا عليه وعلى الآخرين. الله غيّر التاريخ، بين جدران فقيرة لبيت صغير. وما قام به مع مريم، يفعله “في حياتنا اليومية وعائلاتنا وأشغالنا، ومحيطنا، كلّ يوم، أكثر من الأحداث العظيمة”.
لا تفقدوا الشجاعة
دعا البابا المؤمنين وقال لهم: “هل نؤمن بذلك؟ أو نظنّ بأنّ القداسة هي مجرّد نظرية، تقوى لا تتوافق مع الحياة العادية؟ ثم طلب من مريم العذراء أن تحرّرنا من الفكرة الخادعة التي تفصل الإنجيل عن الحياة بل أن تنيرنا لمثال القداسة الذي يكمن في عيش يومياتنا بفرح وتواضع، متحررين من ذواتنا ومصوّبين نظرنا إلى الله والقرب الذي نقابله. لا نفقدنّ الشجاعة لأنّ الربّ قد أعطانا كلّنا نسيجًا جيدًا ننسج فيه القداسة في حياتنا اليومية. وعندما يساورنا الشك في عدم النجاح والحزن في كوننا عاجزين، لننظر “بأعين الرحمة” التي تتحلّى بها مريم لأنّ ما من أحد طلب مساعدتها ورُدّ خائبًا!”