” إذهب اولاً وصالح أخاك ، ثمّ عُد فقرّب قربانك ” ( متى ٥ : ٢٣ )
قال الرّبّ يسوع : ” وصيتي هي أَحبوا بَعضُكم بَعضاً كما أحببتكم ” ( يوحنا ١٥ : ١٢ )
قاعدة المسيحيّة المحبّة ، ولا شيء سوى ذلك ، لإنها مبنية على وصية الرّبّ يسوع . وهذه الكلمة للأسف حفظها المسيحيون جيّداً ، ولكنّهم بأغلبهم لا يجيدون فعلها.
ألمحبّة هي مطلب المسيح الأوّل والوحيد ، ومنها يتفرّع الباقي . وهي لا تقتصر على محبّتي لأخي في الإيمان فقط ، لأنّ الرّبّ وببساطة لم يقل ذلك ، بل قال :” أَحبِب الرّبّ إلهك بكل قلبك ، وكُلُّ نفسِكَ ، وكُلُّ قوّتِكَ ، وكُلُّ ذِهنِكَ ، وأحبّب قريبَكَ حُبّكَ لنفسِكَ ” ( لوقا ١٠ : ،٢٧ ) . وحينما سأل الفريسيون والكتبة يسوع عن محبة القريب ، ضرب لهم مثل السّامري الصّالح ( لوقا ١٠ : ٢٥ – ٣٧ ) ،
كلّنا يعرف من هو السّامريّ الصالح . اخوك هو أيّ إنسان أيّها المسيحيّ الصّالح ، وهو ذاك الّذي تعتقد بأنّه عدوّك . وأخوك هذا أهمّ من قربانك . القربان كان يقرّب لله من أجل غفران الخطايا ، أو من أجل طلب نعمة ، او شكره على عطاياه الوفيرة لنا . ولكن اليوم ، من هو قربانك أيّها المسيحيّ ؟ أليس هو ربّك وإلهك ، ألّذي قرّب نفسه لأجلك ولأجل العالم أجمع ؟ .
نحن نكثر من الصلاة الكلاميّة الظاهرة ، والترانيم والتهاليل ، ونمارس طقوساً أشبه بالوثنيّة ، ولكن قلبنا فارغ ، فارغ من المحبة إذاً أعمالنا أيضاً فارغة ، وصلاتنا فاترة وإيماننا لا معنى له .
” إذهب أوّلاً وصالح أخاك ، ثمّ عُد فقرّب قربانك ” ( متى ١٠ : ٢٣ ) ،
إذا كنا نؤمن بأنّ الله : ” تجسّد ، وصار إنساناً فسكن بيننا ” ( يوحنا ١ : ١٤ ) ، فهو أتى ليجمع الإخوة ، لإنّ كلّ همّه الإخوة . همّه الأوّل أن نتصالح مع بعضنا البعض ، أن نعيش التآخي الحقيقيّ وليس المزيّف .
أن تحبّ أخاك ، أي ان تصغي له ، أن تقبله كما هو ، أن تحترم إنسانيّته . ألم يحترم الله إنسانيتك حين غفر لك ؟ وهل تستحقّ أيّها الإنسان هذا الغفران ؟ إذاً لِمَ لا تغفر لأخيك ؟
في بدايةِ كل عمل نردّد صلاة الأبانا قائلين : ” إغفر لنا كما نحن نغفر لمن أساء إلينا ” . لو تأملنا في هذه العبارة ، ورأينا كم هي مهمّة وكم نردّدها دون فعلها . نحن نطلب من الله أن يغفر لنا كي نغفر لمن أساء إلينا … ” فإن تَغفِروا للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماويّ . وإن لم تَغفِروا للناس لا يغفر لكم أبوكم السماويّ ” ( متى ٦ : ١٥ ) .
هل أدركنا يوماً كيف نغفر؟
وهل نغفر حقّاً ؟
وهل نريد فعلاً أن يغفر الله لنا كما نحن نغفر ؟
إغفر لأخيك سبعين مرّة سبع مرّات : يعني كثيراً ودائماً إلى ما لا نهاية ، وليس لأنّك ضعيف ، وليس لأنّك تخافه ، بل لأنّك تحبّه وتفهمه . وأن تغفر له لا يعني ان تتهامل في حقّك ، وتتغاضى عنه ، وإنّما إغفر لتستنير وتلتمس له عذراً لتقتلع منه شرّه .
ألمصالحة مع الإخوة هي المصالحة مع الله ، هي أن أقول لله أحبّك في أخي ، في قريبي لأني أراك فيه .
أحبّائي ، نحن نشبه ” مرتا ” إلى حدّ بعيد ، نهتمّ بأمور كثيرة ، والمطلوب واحد : ” المحبّة ” ، و ” المحبّة فقط ” .
“أحبب وافعل ما تشاء ” يقول القديس العظيم أوغسطينوس ابن الدموع .
أنت مسيحيّ ، إذاً أنت تحبّ ، وأنت المبادر بالمحبّة ، كما بادر ربّك وأحبّك أوّلاً .
ألمحبّة ليست نظريّة ، ولا عاطفة ، وإنّما فعل محبة ، فعل إراديّ قويّ ينبع من ينبوع المحبّة يسوع المسيح .
لا تقلّ أحبّب الرّب إن لم تحبّ أخاك ، أي : أَحبِبْ من كل قلبك إنسانٍٍ كان ، ومهما كان .
لا تفتخر أنّك مسيحيّ وتصلي وتصوم وتتصدّق ، إن لم تحبّ أخاك .
لا تقل أنا إنسان ، إن لم تدرك حقّاً معنى الإنسانية ومعاني المحبة السّامية .
إذاً ، ” أَحبِب الرّبّ إلهك بكل قلبك ، وكُلُّ نفسِكَ ، وكُلُّ قوّتِكَ ، وكُلُّ ذِهنِكَ ، وأحبّب قريبَكَ حُبّكَ لنفسِكَ ” ( لوقا ١٠ : ،٢٧ ) .