يقول الرب يسوع: «إحذَرُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ الرِّيَاءُ» (لوقا١٢: ١) الخمير هو الذي يُجبَل مع العجين ليجعله يختمر كله… تعبير يسوع القاسي هذا يقول بأنه يمكننا أن نكون مجبولين بالرّياء تمامًا كالعجين المجبول بالخمير… للأسف! هذا ما نراه فينا عند كل مناسبة دينية واجتماعية:
– يأتيك جدل “خميس السكارى”… ويقولون: لا! نحن لسنا دين سكر! ومن قال بأننا نشجع على الثمالة؟ أين الضرر في استغلال مناسبة إجتماعية كالخميس الذي قبل المرفع لتقاسم لقمة محبة ولشرب نخب الموجودين؟ هل يُعقَل أن يُناقض ذلك الإيمان؟!
– وبالنسبة للصّوم: حَدّث ولا حَرَج! نسأل عن عدد الساعات التي يجب علينا أن نصومها، عن اللحظة التي يجب أن نأكل فيها، عن تركيبة المأكولات لتفادي أدنى استهلاك للمواد الحيوانية… ولكن مهلا! هل هذا هو الصوم؟ أم هو أوّلا إحساس بالآخرين، محبة الآخرين وإرادة الخير لهم، وصلاة؟ لنسمع كلام يسوع: «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ» (متى٢٣: ٢٣)… ونحن أيضًا نهتم بنعنع الوقت وكمون القطاعة وننسى قول كلمة الحق وأعمال المحبة وصوم اللسان وصوم القلب عن شهوات المال والسلطة والجنس…
– في “يوم المرأة العالمي” أدهشني المنشور على مواقع التواصل الإجتماعي: صورة للعذراء مريم مكتوب عليها عبارة “المرأة التي غيّرت العالم”… صحيح… هي مثال كل مؤمن، وهي حملت المسيح في أحشائها، وتغير العالم عندما أشرق المسيح منها… ولكن: ما الضرر من تكريم المرأة العاملة والأم التي تجهد في كافة قطاعات الحياة لخير المجتمع والوطن؟!
– في “عيد المعلم”: ينشرون صورة الرب يسوع مع عبارة “المعلم الأوحد”… صحيح هو المعلم الأوحد… ولكن ما الضرر في أن نتذكر المعلمين الذين يقومون بمهمة إنسانية رائعة في المدارس؟!
– وفي “عيد الأم”: صورة للعذراء الأم… طبعا هي مثال كل أم! هي أمنا وشفيعتنا! ولكن: لماذا إدخال هذا الموضوع في تكريمنا لأمهاتنا اللّواتي ضحّين في سبيل عيشنا الكريم؟!
أمثلة كثيرة نستغل من خلالها مناسبة إجتماعية لنعبّر فيها عن التزام ديني زائف… فما هي الحكمة من ذلك؟! «أَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلًا طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ» (يعقوب٣: ١٧) لننظر تحديدًا إلى المظاهر التي عدّدناها: ألا تُفقدنا الكثير من السلام مع ذواتنا ومحيطنا، لتضعنا في تحدٍّ غير مبرر مع أقرب الناس؟! هناك مناسبات اجتماعية غير دينية تحمل في طياتها الكثير من المحبة، والكثير من روحانيتنا: لنعيشها كما هي، فلا نعجن أنفسنا بخمير الفريسيين… يقول لنا بطرس الرسول: «طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ الْحَقِّ بِالرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ الْعَدِيمَةِ الرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ» (١بطرس١: ٢٢)… بذلك نعيش كمسيحيين حقيقيين: بأن نتواضع، ونترك المظاهر الخارجية الزائفة (خصوصًا المظاهر التي تدّعي الإيمان)، ونعبّر عن محبتنا للآخَر بدون إدخال روحانيات ظاهرها جميل ولكنها لا تحمل المعنى الحقيقي للإيمان… لذلك يقول لنا بطرس الرسول: «اطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ» (١بطرس٢: ١) فهل نحن معجونون بخمير الفريسيين؟!