أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
في إنجيل ليتورجيّا اليوم نجد عبارة ليسوع، تصدمنا دائمًا وتستجوبنا. بينما كان يسير مع تلاميذه، قال: “جِئتُ لأُلقِيَ على الأَرضِ نارًا، وما أَشدَّ رَغْبَتي أَن تَكونَ قدِ اشتَعَلَت!” (لوقا 12، 49). عن أيّ نارٍ كان يتكلّم؟ وما معنى هذه الكلمات بالنّسبة لنا اليوم، ما هذه النار التي يلقيها يسوع؟
كما نعلَم، جاء يسوع ليحمل الإنجيل إلى العالم، أي بشرى محبّة الله السّارة لكلّ واحدٍ منّا. فهو يقول لنا إنّ الإنجيل مثل النّار، لأنّه رسالة، وعندما تتدفّق في التاريخ فإنّها تُحرق موازين الحياة القديمة، وتتحدّانا للخروج من الفرديّة، تتحدّانا لنتغلّب على الأنانيّة، تتحدّانا لننتقل من عبوديّة الخطيئة والموت إلى حياة يسوع القائم من بين الأموات. الإنجيل لا يترك الأشياء على ما هي. عندما يمرّ الإنجيل، وعندما نصغي إليه ونقبله، لا تبقى الأشياء على ما هي. الإنجيل يحمل على التّغيير ويدعو إلى التوبة. الإنجيل لا يمنح سلامًا شخصيًّا زائفًا، لكنّه يشعل القلق الذي يحملنا على السير من جديد، ويدفعنا إلى أن ننفتح على الله وعلى إخوتنا. إنّه مثل النّار: التي بينما تُدَفِّئُنا بمحبّة الله، تريد أن تحرق أنانيّتنا، وتضيء جوانب حياتنا المظلمة – وجميعنا لدينا شيء منها – وتقضي على الأصنام الزائفة التي تستعبدنا.
على خُطى أنبياء الكتاب المقدّس – لنفكّر على سبيل المثال في إيليّا وإرميا – يسوع مُتَّقِدٌ بنار محبّة الله، ولكي يضرمها في العالم، بذل نفسه، وأحبّ حتّى النهاية، أي حتّى الموت، موت الصّليب (راجع فيلبي 2، 8). يسوع ممتلئ من الرّوح القدس الذي يقارن بالنّار، وبنوره وبقوّته يكشف عن وجه الله الرّحيم، ويعطي الامتلاء لكلّ الذين يُعتبَرون ضائعين، ويكسر حواجز التهميش، ويشفي جراح الجسد والنفس، ويجدّد التديّن الذي صارَ ممارسات خارجيّة فقط. لهذا هو نار: نار تغيّر وتنقّي.
لكل واحد منّا – لي، ولكم، ولك -، ماذا تعني لنا كلمة يسوع هذه، كلمة النار؟ إنّها تدعونا إلى أن نُشعل شعلة الإيمان من جديد، حتّى لا يصبح إيماننا حقيقة ثانويّة، أو وسيلة لرفاهيّة فرديّة، التي هي هروب من تحدّيات الحياة والالتزام في الكنيسة والمجتمع. في الواقع، قال أحد اللاهوتيّين، الإيمان بالله “يطمئننا، لكن ليس كما نريد نحن: أي ليس لنحصل على وهم يشلّنا أو رضى يسعدنا، بل لكي يسمح لنا بأن نعمل” (دي لوباك، على دروب الله، ميلانو 2008، 184). باختصار، الإيمان ليس ”أغنية لتهدئة للصغار“ لكي ننام. الإيمان الحقيقي هو نار مشتعلة لكي تبقينا مستيقظين ونشيطين حتّى في الليل!
لذلك يمكننا أن نسأل أنفسنا: هل أنا مشغوف بالإنجيل؟ هل أقرأ الإنجيل باستمرار؟ هل أحمله معي؟ هل الإيمان الذي أعترف به وأحتفل به يضعني في حالة راحة سعيدة، أم إنّه يشعل فيَّ نار الشّهادة؟ يمكننا أن نتساءل أيضًا ككنيسة: هل تشتعل في جماعاتنا نار الرّوح القدس، وشغف الصّلاة، وأعمال المحبّة، وفرح الإيمان، أم نجُرُّ خطواتنا، تَعِبين، بقوّة العادة، بوجهٍ مثل وجه الميّت وشفاهٍ تندُب، وتقضي النهار في الثرثرة؟ أيّها الإخوة والأخوات، لنتحقّق من هذا، حتّى نستطيع أن نقول، نحن أيضًا، مثل يسوع: نحن متّقدون بنار محبّة الله ونريد أن ”نلقيها“ في العالم، ونحملها للجميع، حتّى يكتشف كلّ واحدٍ حنان الآب ويختبر فرح يسوع، الذي يوسّع القلب ويجعل الحياة جميلة. لنصلِّ ولنطلب هذا من سيّدتنا مريم العذراء القدّيسة: هي التي استقبلت نار الرّوح القدس، لتشفّع بنا.
صلاة التبشير الملائكي
بعد صلاة التبشير الملائكي
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!
أودّ أن ألفت الانتباه إلى الأزمة الإنسانيّة الخطيرة التي تؤثّر على الصّومال وبعض مناطق البلدان المجاورة. سكان هذه المنطقة، الذين يعيشون من قبل في ظروف محفوفة جدًّا بالمخاطر، هم الآن في خطر مميت بسبب الجفاف. آمل أن يتمكن التضامن الدولي أن يجيب بفعاليّة لهذه الحالة الطارئة. للأسف، تَصرِفُ الحرب الانتباه وتُبعِدُ الموارد، لكن هذه هي الأهداف التي تتطلّب أقصى قدر من الالتزام: مكافحة الجوع والصحة والتّعليم.
أفكّر بشكل خاصّ في العديد من الحجاج الذين تجّمعوا اليوم في مزار الرّحمة الإلهيّة في كراكوف، حيث قام القدّيس يوحنا بولس الثاني قبل عشرين عامًا فأوكل العالم إلى الرّحمة الإلهيّة. نرى اليوم أكثر من أيّ وقت مضى معنى تلك العلامة التي نريد أن نجدّدها في الصّلاة وفي شهادة الحياة. الرّحمة هي طريق الخلاص لكلّ واحد منّا وللعالم أجمع. ولنسأل الله رحمة خاصّة، رحمة وشفقة من أجل الشّعب الأوكراني الذي يتعذّب عذابًا شديدًا.
وأتمنّى لكم جميعًا أحدًا مباركًا. ومن فضلكم، لا تنسَوْا أن تصلّوا من أجلي. غداءً هنيئًا وإلى اللقاء، وأيضًا إلى شباب مريم الطاهرة!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2022
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana