يشكل التعليم أساس أي مجتمع، فالمدرسة وبيئتها لها دور كبير في كيفية نمو الأطفال، ولا عجب في أن الحياة المدرسية هي نواة حياة كل طفل، إنه المكان الذي يكتشفون فيه أنفسهم واهتماماتهم، وقدراتهم ونقاط ضعفهم. وبصرف النظر عن التعليم الأكاديمي، فإنّ المدارس هي أيضًا أماكن يتعلم فيها الأطفال التفاعل مع بعضهم البعض، وتشكيل المهارات الاجتماعية وبناء علاقاتهم الأولى خارج الأسرة. يختلف العالم داخل جدران المدرسة تمامًا عن العالم خارجها، ينظر معظم الناس إلى المدارس على أنها أماكن يتعلم فيها الأطفال ولا شيء أكثر من ذلك، لكن الحقيقة هي أن المدارس تلعب دورًا مهمًا في النمو العقلي والجسدي والأكاديمي للطفل.
نعلم أن بداية العام الدراسي الجديد يمكن أن تكون مرهقة للأعصاب، لكن تذكر أيضًا أنها فرصة لبداية جديدة، فرصة مثيرة للنمو والاكتشاف، كما أنها توفر فرصًا جديدة للتكيف معًا لتلبية احتياجات طلابنا بغضّ النظر عن التحديات التي تواجهنا. فما مدى استعدادنا كمؤسسات تربوية لاستقبال العام الدراسي الجديد؟ وللإجابة دعونا نطرح بعض التساؤلات:
- المدرسة هي المنبع الرئيسي للمعرفة التي يكتسبها الطلاب، وعملية التعلّم أساسية في تشكيل شخصية الطالب وهي مفتاح التنمية الشاملة. فهل الطالب هو محور العملية التعليمية التعلمية في مؤسّساتنا؟ هل تُحفز المدرسة عقول الطلاب من خلال عملية التعلم؟ هل توفر الدعم السلوكي والإيجابي الذي يحتاجه العديد من الطلاب؟ نحتاج إلى طرق لخلق جو تعليمي إيجابي داخل المدرسة بأكملها، ويحتاج الآباء إلى معلومات حول كيفية العمل لمواجهة تحديات سلوك أطفالهم في بيئة المدرسة، ومن الواضح والملائم أن نعمل معًا لتنمية العقول الشابة وأن نستمر في تحدي طلابنا للنمو في قدراتهم الأكاديمية والمعرفية والاجتماعية لضمان وصولهم إلى إمكاناتهم الكاملة وأن نسعى لتصحيح سلوكياتهم الخاطئة إن وجدت ليصبحوا مواطنين منتجين في المجتمع. فهل تُركز مدارسنا على تربية الشاب وتطوير مهاراته من خلال التعلم لا التعليم؟ وهل نُدرك أن مهمتنا هي توفير تجربة تعليمية آمنة ومنظمة وجذابة لكل طفل ينمو فيها ليتعلّم كيف يصبح فرداً ناجحاً في المجتمع؟.
- عندما تتم عملية التعليم من خلال الحفظ، يتم تذكُّر ما يتم تعليمه لفترة قصيرة فقط، ولكن بعد ذلك يتم نسيانه بسرعة، أرى أن التعلم هو بناء الاهتمام عن موضوع ما، بدلاً من مجرد حفظ الحقائق للاختبار، لماذا يجب أن يُطلب من الأطفال أو البالغين القيام بشيء يمكن لأجهزة الكمبيوتر ووسائل التكنولوجيا الحديثة أن تفعله بشكل أفضل مما يمكنهم؟ لماذا لا يركز التعليم على ما يمكن أن يفعله البشر بشكل أفضل من الآلات والأدوات التي يصنعونها؟ هناك طرق مختلفة للتعلم. نتعلم الكثير بمفردنا، ونتعلم قدرًا كبيرًا من التفاعل مع الآخرين، ومن خلال مشاركة ما نتعلمه مع الآخرين والعكس صحيح. نتعلم الكثير من خلال العمل، من خلال اللعب والأنشطة، من خلال التجربة والخطأ، تُظهر الأبحاث أن إعطاء الطلاب مساحة للتطور كشخص داخل مجتمع من الأقران يسمح لهم بالوصول إلى إمكاناتهم، لكن للأسف نظام التعليم اليوم به عيوب خطيرة، فهو يركز على التعليم بدلاً من التعلّم. دعونا نتخلى في الوقت الحالي عن التعليم المرتبط بالتلقين.
- يتكوّن هذا المجتمع من ثقافات مختلفة، وتُعد المدرسة جزءًا مهمًا من هذا المجتمع ولديها مهمة التعليم من أجل الاندماج الاجتماعي وخلق مناخ وثقافة مناهضة للعنصرية والتعصب. يمكن للمدارس أن تكون عوامل تغيير، حيث تُعلم الأفراد التفكير خارج القواعد الأسرية التي ولدوا فيها، ويمكن للبيئات التعليمية أن توسع الآفاق بل وتساعد على كسر حلقات الفقر والعنصرية، فالاختلافات تثرينا، وكل فرد منا لديه الفرصة لمعرفة العوالم واللغات وأنماط الحياة المختلفة، حيث يُعد تطوير المواطنة جزءًا لا يتجزأ من العملية التعليمية، ممّا يؤكّد على دور التعليم في تعزيز المساواة وعدم التمييز وفي نقل القيم الأساسية والكفاءات بين الثقافات والمواطنة النشطة، فالمواطن الحقيقي لا يعرف حقوقه ومسؤولياته فحسب، بل يُظهر تضامنًا مع الآخرين ولديه الاستعداد لتقديم شيء للمجتمع. فهل تعمل المدرسة والمعلمين على تقوية وإثارة هذه الحقائق البسيطة؟ هل تساعد على تعزيز المواطنة الديمقراطية وحقوق الإنسان وقبول الآخر بما فيهم اللاجئين؟
- يُنظر إلى انتشار التعليم على نطاق واسع على أنه يساهم في التحول الديمقراطي في جميع أنحاء العالم، حيث تقوم المدارس بإعداد الأفراد للمشاركة في النظام الاقتصادي والسياسي، ومنحهم المعرفة والدافع لتقديم مساهمات مناسبة لرفاهية المجتمع، والوعي بعواقب سلوكهم، فالتبادل الاقتصادي والاتفاق السياسي ليست هي الروابط الوحيدة التي تربط الأمم والمجتمعات، ولكن أيضًا الوعي المشترك بكونها جزءًا من قرية عالمية. يتم نقل هذا الوعي بشكل أكثر منهجية من خلال عملية التعليم، إن التحول الحتمي للوعي الذي أحدثته العولمة يغيّر محتوى وخطوط التعليم. تأخذ المدارس دورًا متزايد الأهمية في هذه العملية، ومن الضروري أن يقوم المعلّمون بإعداد الطلاب لفهم العالم الذي يعيشون فيه بكل تعقيداته، بما في ذلك المخاطر العالمية، والحصول على المهارات والرغبة في المساهمة في تحسين العالم. لدينا وسائل غير مسبوقة لحل التحديات التي نتشاركها، ولدينا أيضًا الوسائل للتسبب في ضرر لبعضنا البعض أكثر من أي وقت مضى. يمكننا تحسين العالم بشكل كبير، أو يمكننا تدميره. يعتمد الخيار الذي نتخذه على ما إذا كنا نقوم بتعليم الشباب أم لا ليأخذوا أنفسهم على محمل الجد كمسؤولين عن التنمية الشاملة والمستدامة على هذا الكوكب الذي نتشارك به، وما إذا كنا نقوم بتمكينهم كمواطنين في هذا العالم. فهل توفّر المدرسة للطلاب فرصًا لفهم العولمة، وكيف تُشكّل حياتهم؟
- غالبًا ما تُقاس قيمة الإنسان بدرجة المعرفة التي اكتسبها في حين يجب أن تعتمد القيمة الحقيقية للإنسان، في ضوء أهدافنا طويلة المدى، على الدرجة التي يمكن أن يخدم بها الإنسان الآخرين، فعندما يكون هدف التربية المثالية هو خدمة الإنسانية، فإنه يرفع من قدرة الطالب على رؤية الحياة من منظور أعلى، إنه مثل وجود خطة رئيسية تنسق العلاقات في كل جانب من جوانب الحياة، الشخص الذي يعرف قيمة الآخرين ويأمل في خدمتهم وتحسين حياتهم، سيحترم بالتأكيد حياته أيضًا ويُقدّر كل فرصة تُقدّم له. فهل تُقدّم مدارسنا القدوة والمثال للطالب؟ هل تسعى لزرع الوعي لخدمة الإنسانية؟
- يُعتبر الإبداع والتفكير النقدي من المهارات الأساسية للاقتصاد والمجتمعات في القرن الحادي والعشرين. هناك إجماع على أنّ أنظمة ومؤسسات التعليم يجب أن تنمّي هذه المهارات مع طلابها. ومع ذلك، لا يعرف سوى القليل جدًا عما يعنيه هذا بالنسبة لممارسات التعليم والتقييم اليومية.كثيرًا ما تتم مناقشة تطوير التفكير النقدي من خلال التعليم باعتباره هدفًا مهمًا وضروريًا. لا تزال المدارس تتعرّض لانتقادات لعدم تعليم الطلاب كيفية التفكير حيث تظهر الدراسات أنّ الطلاب لا يجيدون الإجابة على الأسئلة التي تتطلب أكثر من مجرد استنباط المعرفة. تخبرنا تجربتنا الخاصة أنّ التفكير النقدي ليس هو الجانب الأقوى للطلاب. يمكن أيضًا أن نكون غير راضين عن مدى قدرتنا على المساهمة في تطوير التفكير النقدي لطلابنا أثناء دراستهم. إنهم يؤدّون أسوأ أداء عندما يواجهون مهام تتطلب مراجعة نقدية، أو دمج أنواع مختلفة من المعرفة، أو حل مشكلة في سياق جديد، فهل تدعم مؤسّساتنا الابتكار في التعليم؟ هل ترعى التفكير الإبداعي والنقدي لدى الطلاب؟
كعائلة، مؤسسات تربوية، أولياء أمور، طلبة، هل سنستقبل العام الدراسي الجديد بنفس النمط السابق أم بلون وروح جديدة؟
علينا أن نسعى جاهدين للعمل بجد لتعزيز مكانة المدرسة كبيئة تعليمية فريدة وصارمة وممتعة. لقد واجهتنا بعض التحديات في العام الماضي بسبب استمرار كورونا، ومع ذلك، لا يجب أن يتم التغلب علينا بأي شيء يحاول التدخل في تعليم شبابنا هذا العام. المدارس مسؤولة عن توفير فرص تعليمية عالية الجودة تلبّي احتياجات الطلاب في بيئة آمنة وداعمة. علينا العمل على تعزيز التطوّر الفكري والعاطفي والجسدي والاجتماعي والروحي للطالب ورعايته ليصبح مواطناً مسؤولاً، ومن المهمّ أن تتذكر أنّ أولياء الأمور شركاء مهمون في تعليم أطفالهم. فهل نمتلك القدرة على المضي قدمًا لمواصلة تحقيق أعلى مستوى من النجاح في مدارسنا خلال العام الدراسي القادم؟ نحن أمام تحدي، لذلك، ندعوكم للانضمام إلينا في هذه الرؤية في بناء الطالب، بناء المجتمع، ومهمة تمكين أطفالنا للعام الدراسي القادم.