Evangile, Sainte-Marthe © L'Osservatore Romano

نِعٓم الله مخفية فينا

من التينة خذوا العبرة

Share this Entry

بعد أن شرح السيِّد المسيح لتلاميذه وللجموع التي أتت لتسمع إلى تعاليمه عن العلامات السابقة لمجيئه الثاني في نهاية الأزمنة كما في مجيئه الأول ليملك علينا روحيًاً ويملأ قلوبِنا سلاماً وفرحاً ، ونحن على الأرض أي في حياتنا الروحيّة التي زرعها الله فينا يوم خلقنا على صورته ومثاله ، أراد أن يوجِّه أفكارنا إلى الجانب الروحي والأسمى ، لا الزمني الارضي الزائل ، الذي نهتم من خلاله الاهتمام بالمأكل والمشرب والملابس والحياة الفاخرة . كأنه يقول لنا إن كنتم تعرفون أن تميّزوا الأزمنة فتُدركون أن الصيف قد اقترب خلال شجرة التين ، فمتى لانت أغصانها وأخرجت أوراقها ، قلتم أتى الصيف ، فبالأولى لكم والأهم من ذلك أن تتطلّعوا إلى هذه العلامات التي قلتها لكم : ” فإن قيل لكم : ” ها هوذا في البرية ، فلا تخرُجوا إليها ، أو ها هوذا في المخابئ ، فلا تُصدِّقوا . وكما أن البرق يَخْرُج من المشارق ، ويلمَعُ حتى المغارب ، ” فكذلك يكونُ مَجئُ إبن الإنسان ” ( متى ٢٤ : ٢٦ – ٢٧ ) . وكأنها شجرة تين من خلالها تعرفون أن وقت مجيئه قد اقترب وكأنه الصيف .

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم مؤكّد لنا : ” أن مجيء الرّبّ أمر سيحقَّق حتمَّاً، وينبغي ألا نشك فيه كما لا نشك في مجيء فصل الصيف . هكذا يليق بالمؤمن كلَّما ظهرت هذه العلامات من أتعاب وآلآم وشدائد وصعوبات ، أن يُدرك وبالأكثر رعاية الله له وسُكنى المسيح  في قلبه … إنه يؤكّد لنا إعلان مجيئه المستمر فينا بتجلِّيه في داخلنا .

وفي هذا المثل أيضاً يؤكّد لنا السيِّد المسيح أنَّ أمجاده مخفيّة في داخلنا كما في شجرة التين في فترة الشتاء ، لكنّه ، وبحلّول فصل الصيف يُعلن المجد الخفي ونتكلَّل علانيّة في يوم الرب العظيم . إننا الآن كمن هم في فصل الشتاء نظهر بلا مجد ولا جمال ، كأشجار جافة بلا أوراق ولا زهور أو ثمار ، لكن الشتاء ينتهي وتظهر الحياة الكامنة في داخلنا .

شبَّه السيِّد مجيئه بالصيف لأنه يقدّم لنا جوَّاً حاراً للحب والعطاء والتضحية ، حيث يلتهب قلبنا ويمتلئ بالحُبِّ أكثر مما كان عليه عند رؤيتنا لعريس نفوسنا قادماً إلينا ليسكن في داخلنا و ” والكلمة صار بَشَراً فسكن بيننا ، فرأينا مجده ، مجداً من لَدُنِ الآب لابنٍ وحيد ملؤه النِعمَةُ والحق ” ( يوحنا ١ : ١٤) . والصيف هو زمن الحصاد (إرميا ٨ : ٢٠) ، فيأتي الرب ليحمل فينا ثمره الروحي فيفرح بنا . لهذا تسأل النفس المؤمنة عريسها السماويّ  ” ليأت حبيبي إلى جنّته ويأكل ثمره النفيس “( نشيد الأناشيد  ١٤ : ١٦)، ويُجيب الرب العريس الإلهيّ  : ” قد دخلتُ جنتي يا أختي العروس، قطفتُ مُرِّي مع طيبي ، أكلتُ شهدي مع عسلي ، شربتُ خمري مع لبني . كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحبّاء ” ( نشيد الأناشيد٥ : ١). إنه الوقت الذي يقطف فيه السيِّد بنفسه الثمر النفيس بكونه ثمرة هو فيها … يفرح ويتهلّل ويقيم وليمة ، فيفرح معه السمائيون من أجل عروسه المثمرة نعماً .

يرى بعض الآباء في شجرة التين رمزاً لليهود في عودتهم لتكوين مملكة كعلامة لنهاية الأزمنة، أو لقبولهم الإيمان بالمسيح يسوع الذي رفضوه ، كما يرى البعض في شجرة التين رمزاً لظهور مملكة ضد المسيح أثناء مجئيه الاول وقبل مجئيه الثاني ليضلوا المؤمنين به وبتعاليمه ووصاياهِ .

شجرة التين هي رمز لكُلِّ الشعوب ، أمّا الغصن اليابس فهو رمزٌ لأعداء المسيح ، الذين فضّلوا الخطئية بأنواعها عن النِعمَةُ التي تُزهر وتأتي بثمار كثيرة .

   يقول القديس امبروسيوس لشجرة التين معنيان :  إمّا يُقصد بها عندما تظهر الثمرة على كل الشجرة فيعترف كل لسان بالرب ، ويؤمن أيضاً  الشعب السالكُ بالظلمة ، ويترجَّى مجيء الرب ، وكأن وقت الصيف قد حلّ لجمع ثمار القيامة .

وإما يُقصد بها عندما يرتديها ابن الخطئيّة ويفتخر بالباطل ” باطل الأباطيل  كل شَيْءٍ باطِلٌ ( كتاب الإهتداء بالمسيح )، فتظهر عند ذلك أوراق الغصن المثمرة وتترقَّب مجيء الدينونة ، إذ يُسرع الرب  بالمجيء ليكافئ المؤمنين ويضع نهاية للشر .

يريد الربّ يسوع من خلال هذا المثل أن يوجِّه أنظارنا إلى مجيئه الداخلي فينا ، وإعلان مجده في قلوبِنا ، فإنه وإن كنّا نترقَّب يوم مجيئه العظيم ، لكن عملنا الآن ، على الأرض ، هو التمتّع بحلوله داخلنا وتجلِّيه المستمر فينا.

Share this Entry

المطران كريكور أغسطينوس كوسا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير