صدر عن “مجموعة الكنز” كتاب “ومضات نورانيّة في الزمن الصعب” من تأليف الأب الدكتور نجيب بعقليني (منشورات دار سائر المشرق، ص٢٤ صفحة من الحجم الوسط).
يتمحور الكتاب حول مقاطع من الإنجيل المقدس تُقرأ في الأعياد والآحاد خلال الزمن الليتورجي (السنة الطقسية)، تضعها الكنيسة لمشاركة المؤمنين في التعرف على الإنجيل وفهمه وتطبيقه ونشره، بهدف الحصول على الخلاص.
مضمون الكتاب، الذي يحوي أفكارًا لاهوتية وروحية مستقاة من أبحاث وقراءات، ومبنية على تأملات وصلوات، وتفسيرات ومناجاة، ووقفات من الإنجيل، يأتي في خانة الأنجلة الجديدة، أي التبشير الجديد بالإنجيل. يركّز المؤلف على أهمية العودة إلى فهم الإنجيل وضرورة تطبيقه ونشره عبر: الوعظ، الكلام، الصلاة، التوبة، الاحتفال بالأسرار، وأعمال الرحمة والمحبة.
يشدد الأب بعقليني على إعادة اكتشاف كلمة الله التي تخاطب “إنسان هذا العصر” بطريقة متجددة، من خلال الأنجلة الجديدة التي تتطلب عيش الكلمة قبل التبشير بها، وحث المؤمنين، في عالم متعطش إلى الحقيقة والحق، ويعاني من شتى أنواع الصعوبات، على التجاوب مع الزارع المسيح في زرع “كلمته”، من خلال المساهمة من قبل المبشِرين والمبشَرين من جديد، بزرع المحبّة والإيمان والرجاء، عبر أساليب مختلفة ومتنوعة.
ويسلط الكتاب الضوء، عبر راعوية الإنجيل، على أنجلة “إنسانية الإنسان” أي جعل الإنسانية مبشَرة بالإنجيل وتقديسها، هي التي خلقها الله على صورته ومثاله. تتمحور راعوية الإنجيل حول الإنسان وتنطلق من السيّد المسيح، لتعود نحو الإنسان، ولا سيّما المؤمن بالمخلص. نعم، دخل عصرنا في عتمة الظلمة الموحشة،رافضًا نور الفكر والمنطق، كما التعاليم السماويّة والمبادئ الاخلاقيّة والانسانيّة. نحن في حاجة اليوم الى “المعنويات” والامل والرجاء من أجل مواجهة “عالمنا”.
ويناشد المؤلف الإنسان بأن يسهم مع الله، في تكملة تشييد الإنسانية أو أنسنة الإنسان، كما فعل الربّ يسوع، والمحافظة على جوهر الأنسنة وقيمتها، بمسؤولية وبطريقة عملية من خلال التصرف. فـ “أنسنة الإنسان هي ممر واقعي ومحتّم للدخول إلى ملكوت الله والتنعم بالفردوس. لنضمد جراحات الانسان ونداوها، ولنطلب من الخالق الرحمة والرأفة كي نعيش في مجتمع أكثر انسانية.
يشدد الكتاب على عيش الصدق والشفافية والمثل الواضح والمعبّر عن أسلوب حياة عبر مبادئ وقناعات وممارسات يومية ترتفع وترتقي نحو القيم والفضائل والقداسة، من خلال العودة إلى الله وتعاليمه والإيمان بابنه المخلّص يسوع المسيح. ويدعو فحوى الكتاب المسيحيين أن يدركوا رسالتهم ويعملوا من جديد عبر اعتماد الإنجيل بحماسة وقناعة، متجاوزين الصعاب بتوسيع الآفاق، وبذهنية متجددة، والانفتاح على الآخرين، ورفض الواقع المؤلم، مع السعي إلى التغيير، وتجاوز الرتابة، والتركيز على التطور على جميع الأصعدة، لا سيمّا الحياة الروحية التي تنمّ عن إيمان بالسيد المسيح، مستعينين بالروح القدس ومواهبه الكثيرة والذي يهب المؤمن القدرة على التجاوب مع العمل بالحق والحقيقة، فيسير على خطى المخلّص وينال رضاه، لأن قراراته مبنية على كلمة الله وحبّه، فضلا عن تعزيز روح الوحدة والمشاركة والتضامن وعيش الأخوّة، من أجل عالم أفضل مبني على المحبّة والفرح والسلام، وذلك بزرع الحق والحقيقة في قلوب الناس وفكرهم فينقادون معًا نحو ملكوت الله النهائي.
يبرز مضمون الكتاب ضرورة عيش روحانية مسيحية تستمدّ قوتها من ثمر الروح القدس وقبول الإنسان به، هذا الروح الذي يدفع المؤمن لعيش حياة الله بداخله، فتأتي أعماله مطابقة تمامًا لمشيئة الله وإرادته، أي عيشه بطريقة مستقيمة وصالحة ومعطاءة. تبنى الحياة الروحية على تطبيق الإنجيل ورفع الصلاة للربّ الخالق الرحيم؛ فهي انسجام بين الصلاة والحياة “اليومية”. هنا يكمن جوهر الرسالة التي يوجهها كتاب “ومضات نورانية في الزمن الصعب”.