اليوم ، تحتفل الكنيسة الجامعة بعيد يسوع الملك ، ملك الكون ، ويختصر هذا العيد سر يسوع : ” بكر الأموات، وسيد كل أقوياء الأرض ” ويوسع نظرتنا نحو ملء ملكوت الله ، عندما يصبح الله الكل في الكل ” ومتى أُخضِعَ لَهُ كُلُّ شيء ، فحينَئذٍ يَخضَعُ الابن نَفْسُه لِذاكَ الذي أَضَعَ لَه كُلَّ شَيْء ، ليكونَ الله كُلَّ شَيْءٍ في كُلِّ شَيْء “( قورنتس الأولى ١٥ : ٢٨ )
يؤكد هذا الكلام القديس كيرلس الأورشليمي قائلاً : ” نحن لا نعلن المجيء الأول للمسيح فحسب ، بل نعلن مجيئًا ثانيًا ، أجمل بكثير من الأول .
كان المجيء الأول تجسيدًا للمعاناة ، وأما الثاني فسيحمل تاج الملوكية الإلهية . في المجيء الأول ساقوه إلى الصليب بإهانة ، وأما في الثاني ، فسيأتي وهو محاط بصفوف قوات ملائكيّة تسبحه وتمجّده ” .
عن هذا الملك ، كلَّمَنا النبي إرميا بهذه العبارات : ” لا نظيرَ لكَ يا ربّ ، عظيمٌ أنتَ وعظيمٌ إسمكَ في الجبَروت ، مَن لا يخشاكَ يا ملك الأمم ؟ ” (إرميا ١٠ : ٦-٧) . هذا الملك ، كما ذكر سفر الرؤيا، “على ردائه وعلى فخذِه اسمٌ مكتوب : مَلِكُ المُلوكِ وربُّ الأرباب” ( رؤيا يوحنا ١٩ : ١٦ ) . رداؤه من الأقمطة ، وفخذُه هو جسده . في الناصرة اتّخذ جسدًا ، قد تُوِّج بإكليل ، في بيت لحم لُفَّ بالأقمطة كبرفيرٍ ملكي . تلك كانت أولى علامات ملوكيّته . وهذه العلامات هي التي جعلَتْ أعداءَه يجهدون لتحقيق إرادتهم بانتزاع ملوكيّته .
خلال الآمه، عرّوه من ثيابِه ، وثقبَت المسامير جسده ، فأُعطيت له تمام وكمال علامات الملوكيّة : فكانَ له الإكليل والأرجوان والصولجان ، ولذلِكَ قال بيلاطس لليهود : ” ها هوذا مَلِكُكم ” عندئذٍ ” خرجَ يسوع حاملاً صليبَه إلى المكان الذي يُقال له مكان الجمجمة ” (يوحنا ١٩ : ١٤-١٧) ، وتمّت نبؤة النبي أشعيا : ” فصارَتِ الرئاسةُ على كَتفِهِ ” (أشعيا ٩ : ٥) ، وأوضحتها الرسالة إلى العبرانيّين : ” نشاهِدُه مُكلَّلاً بالمجد والكرامة لأنّه عانى الموت ” (عبرانيين ٢ : ٩).
هوذا إذاً مَِلكُنا ، الذي يأتي إلينا ، لأجل سلامنا وسعادتِنا . يأتي في العذوبة ، كي يكونَ محبوبًا ، وليس بالقوّة ، كي يكونَ مرهوبًا ومكروهاً . يأتي متواضِعاً جالساً على آتان ،لإنّ الفضائل الخاصّة بالملوك هي العدالة والطيبة والبساطة . هكذا فإنّ ملكنا العادل ” سيأتي في مجدِ أبيهِ ومعه ملائكته ، فيُجازي يومئذٍ كلّ امرئٍ على قدرِ أعمالِهِ ” (متى ١٦ : ٢٧) . وعذبٌ هو ولطيف ، هو ” فاديك رَبٌّ القوات ، وهو قُدُّس يدعى إِلَهَ الأَرْضِ كُلِّها ” (أشعيا ٥٤ : ٥). هو فقيرٌ أيضاً ، كما قالَ القديس بولس الرسول : “بل تجرّدَ من ذاتِهِ مُتَّخِذًا صورةَ العبد ” (فيلبي ٢ : ٧).
آدم ، في الفردوس الأرضي ، رفض أن يخدم الربّ ، عندها أخذ الربّ صورة العبد ، جعل من نفسه خادم العبد ، حتّى لا يخجل العبد أبداً من خدمة الربّ . جعل من نفسه مثال البشر ” وظهر في هيئة إنسان ” (فيلبي ٢ : ٧) . فقير هو الذي ” ليس له ما يضع عليه رأسه “(متى ٨ : ٢٠) إلى حين “حنى رأسه” على الصليب ، ” وأسلم الروح “(يوحنا ١٩ : ٣٠ ).
أيها الرب يسوع ملكنا السماويّ ، اجعلنا لك ، وأملك على قلوبِنا وأفكارنا ، إحيا فينا، إجمع البشرية المشتتة والتي تعاني من الحروب والإضطهادات والصعوبات والمشاكل الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والعائلية ، لكي بك ومعك يخضع كل شيء للآب برحمة ومحبة .