إذا ألقينا نظرةً عن كثب على شجرة التين ، نجد أنّ قوانين هذا النوع من الشجر مختلفة عن قوانين الأشجار الأخرى . فالأشجار الأخرى تزهر قبل أن تحمل ثمارها ، وتعلن عن الثمار الآتية من خلال وعد الزهرة ، هذا النوع وحده يحمل الثمار منذ البداية بدل الزهر . في الأشجار الأخرى ، تسقط الزهرة وتظهر الثمار . في هذا النوع ، تسقط الثمار لتترك مكانها للأوراق . هكذا، فإنّ هذه الثمار الأولى تظهر مكان الزهر ، وكونها لم تعرف نظام الطبيعة في ولادتها المبكرة ، فهي لا تستطيع المحافظة على ميزة الطبيعة .
عندما تتغطّى الأشجار الأخرى بالبياض في بداية الربيع ، نجد التينة وحدها لا تتغطّى بالزهر . ربّما لأنّه لا يمكن انتظار النضوج من هذه الأنواع من الثمار . أو لأنّ ثماراً أخرى تظهر على الأغصان ، فتسقط هذه عن الشجرة ، وتصبح ساقها الضعيفة يابسة وتترك مكانها لتلك التي سيكون النسغ مفيدًا أكثر لها . لكن تبقى بعض الثمار النادرة التي لا تسقط ، كونها نمت على ساق قصيرة ، بين عضيدين : مغطّاة مرّتين ومحميّة كما في أحشاء الطبيعة الأم ، فقد غذّاها نسغ كثيف وسمح لها بالنمو ” فأثمرت وأعطت بعضُها مائة ، وبعضُها ستين ، وبعضُها ثلاثين ” ( متى ١٣ : ٢٣ ) .
هكذا، فإنّ طبيعة هذه الشجرة تشير إلى ميزة الهيكل المُقدّس ، ميزة مثمرة في نموّها الثاني – لأنّنا من سلالة آباء الكنيسة – وكما نقارن اليهود بالثمار الفاسدة لأنّ قلبهم القاسي ورأسهم العنيد لم يسمحا لهم بالتوصّل إلى حالة ثابتة ومعرفة الحقيقة .
ولكن ، إذا آمنوا ومن ثُمَّ ماتوا وسقطوا من هذا العالم ، ودُفنوا كحبةِ الحنطة في الأرض الطيّبة، سيولدوا مجدّدًا من خلال نعمة العماد والأسرار المقدسة ، وعندئذٍ سيكونون مثمرين .
ما قيل عن اليهود في القديم ، يجب أن يحثّنا على الاحتراس بشأن أنفسنا، خوفاً أن نُعدّ من أبناء الكنيسة بدون استحقاق، نحن المباركين ” كالكرمةِ والتينةِ والرمّانِ وشجرِ الزيتون ” ( سفر حجّاي ٢ : ١٩) ، نحن الذين يجب علينا أن نحمل ثماراً روحية داخليّة ، وهي : ثمار السلام والمحبّة المتبادلة ، ثمار القداسة والوحدة الكاملة ، ثمار التضحية وبذل الذات ، ثمار الصدق والإخلاص، ثمار الحشمةِ والطهارة والنقاوة ، كوننا موجودين في حشا أمّنا الكنيسة نفسه ، كي لا يفسدنا الهواء أو البرد ، أو تحرقنا نار الطمع والحقد والحسد ، أو تفصلنا عن بعضنا الرطوبة والأمطار ” فأثمِروا إذاً ثمراً يَدُلُ على توبتِكُم … وكُلُّ شَجَرةٍ لا تُثمِرُ ثمراً طيباً تُقطعُ وتُلقى في النار ” ( متى ٣ : ٨ و ١٠ ) .