مغارة جريتشو إنجيل مفتوح

الذكرى المئوية الثامنة

Share this Entry

تحتفل الرهبنة الفرنسيسكانية بالذكرى المئوية الثامنة على أول مغارة في التاريخ، قام بها القديس فرنسيس الآسيزي في مغارة  جريتشو “الميلاد” التي أحتفل بداخلها بعيد ميلاد الرب. وهذا كان الأحتفال بطريقة فريدة من نوعها في ذلك العصر، وغير تقليدي. احتفل بهذا العيد في مغارة جريتشو ليلة عيد الميلاد لان كلمة الله اخذ جسدنا  واتحدًا بنا. اراد القديس فرنسيس من خلال هذه المغارة أن يجعلها تكون إنجيل مفتوح لكل إنسان يأتي ويشاهد هذا الطفل العجيب. وبهذه الفترة تحتفل الرهبنة بطريقة أيضًا جديدة بعمل كتاب صلاة مراحل مسيرة التجسد بهذه المناسبة. وكما كتب ليوناردو من بورتو ماورتسيو الفرنسيسكاني (1676- 1751)، كتاب مراحل درب الصليب لأجل خدمة الكنيسة.

 وتعيش الكنيسة هذه فترة استعداد من خلال هذا الكتاب لكي ندخل فى مسيرة نحو الله ونسلك تلك المسيرة من بداية الخلق ونصل إلى حدث العظيم الذي غير البشرية وهو ميلاد الرب يسوع. فى هذا السر العظيم هو من أجل محبة الله للبشرية ومن أجل خلاصنا، وهذا الحب هو الله ذاته لأن الله محبة. يقدم لنا توما الشيلانو في كتابه السيرة الأولي.”حدث في مغارة غريتشو. خمسة عشر يومًا قبل عيد الميلاد.  فتقابل القديس فرنسيس برجل هناك يُدعى يوحنا، وطلب منه مساعدته في تحقيق أمنية: “أرغب في أن أمثل الطفل المولود في بيت لحم، لأرى بعينيَّ نوعًا ما المصاعب التي وُجد فيها بسبب عدم توفُّر الأشياء اللازمة لطفل مولود حديثًا، وكيف أضجع في المذود وكيف نام على التبن بين الثور والحمار”.بمجرد أنه استمع إليه، ذهب صديقه المؤمن على الفور ليهيئ كل ما يحتاج إليه في المكان المحدد، حسب رغبة القديس فرنسيس. جاء الكثير من الرهبان إلى غريتشو من مختلف المناطق، كما وصل رجال ونساء من القرى المجاورة في المنطقة، وأحضروا معهم الورود والمشاعل لتضيء تلك الليلة المقدسة. عندما وصل فرنسيس، وجد المذود والتبن والثور والحمار. وفرح الناس القادمون إلى هناك فرحًا عظيما، لم يشعروا به من قبل”.

 ارتدى القديس فرنسيس ثياب الشماس، إذ كان شماسًا إنجيليًا ورتل بصوت جميل الإنجيل المقدس. ذلك الصوت القويّ العذب الصافي جعل الكل يتشوقون إلى السماء ثم وجه للشعب كلمات عذبة ذكر فيها المولود الجديد والملك الفقير ومدينة بيت لحم الصغيرة. وكلما ورد على لسانه اسم يسوع المسيح، تمكّلته حرارة سماوية وسيماه “طفل بيت لحم” وعند لفظ اسم بيت لحم كان يرخّم صوته ويعطيه نبرة ملؤها الحنان ويسمعه وكأن ثغاء الغنم وكل مرة يلفظ اسم طفل بيت لحم أو يسوع المسيح يمرّ لسانه على شفتيه كمن يتذوق عذوبة تلك الكلمات. وفي هذه الليلة أحد الحاضرين وهو رجل فاضل رأى رؤيا عجيبة. خيّل له أنّ في المذود طفل فاقد الحياة فما إن اقترب منه فرنسيس حتى استفاق من ذلك النوم العميق. تلك الرؤيا العجيبة لم تكن بعيده عن الواقع فإن الطفل يسوع الذي ظل منسيًا في قلوب الكثيرين عاد بفضل خادمه القديس فرنسيس فاستفاق فيهم وبقى ذكره محفورًا بعمق في قلوبهم. ثم احتفل الكاهن، على المذود، بسر الإفخارستيا، موضحًا الصلة بين تجسد ابن الله والإفخارستيا.

 في تلك المناسبة في جريتشو، لم يكن هناك تماثيل. كانت المغارة حيّة بأولئك الذين كانوا حاضرين.  نرى خبرة القديس فرنسيس في تأمله في سر التجسد له طابع خاص. ولكن لا يجب  أن ننسي أن فكر القديس إفرام السرياني في كتاباته عن الميلاد وقد  أثر في فكر القديس فرنسيس، فالقديس افرام السرياني في كلماته عن حدث الميلاد يقول: “وفي ميلادِ الابن، صارت ضجّةٌ عظيمةٌ، في بيتَ لحم. فقد نزلَ الملائكة… وسبحوا هناك فكانت أصواتُهم… رعدًا عظيماً وعلى صوتِ ذلك التسبيح… أتى الصامتون وسبحوا الابن. تباركَ الطفلُ الذي به تَجَدَّدَ شبابُ آدمَ وحواء. أتى الرعاةُ حاملينَ خيراتِ الغَنَم.. حليبًا لذيذًا لحمًا نقيًا.. تسبيحاً بهيًا… تذوقوا فأعطوا يوسف لحمًا، لمريمَ حليباً، وللابنِ تسبيحًا. حَمَلوا فقرّبوا حَمَلاً رضيعاً لحَمَلِ الفصح، بكراً للبكر ذبيحةً للذبيحة. حَمَلَ الزمان… حملَ الحقّ. يا لروعة جمال المشهد”. هذا ما جسده القديس فرنسيس في عمل مغارة جريتشو. وفي هذه الفترة الأخيرة للرهبنة لديها كتاب صلاة “مراحل مسيرة التجسد” هذا الكتاب هو انعكاس كلمة الله في حياة القديس فرنسيس أن كلمة الله استقرت في قلبه ويكتب لنا في القانون الفصل” يقول أن قانون الأخوة الأصاغر هو حفظ انجيل ربنا يسوع والعمل به. ومن خلال هذا الكتاب نسير في تلك المسيرة لكي نرى تاريخ الله الخلاصى، الذي دعانا إلى القداسة.

 وعلى ضوء تاريخ الله الخلاصي يقودنا ويرشدنا في هذا الطريق وعندما نصل إلى مرحلة السابعة وهي مرحلة ” داود النبي” نتأمل في حكمة الله العلي والقدير. ويوضح لنا أنه من أصل يسى القائم رآية الشعوب تعال انقذنا لا تتاخر، يا ضياء النور الإزلي وشمس البر تعال اطلع على الجالسين في ظلال الموت ياملك الأمم يا حجر الزاوية للكنيسة. علينا أن نسير نحو الميلاد وبهذه التأملات الروحية والصلوات نستعد لاستقبال كلمة الله. ومن أجل التجسد أختار الله مريم العذراء وهي تمثل البشرية أمام الله.

 وتحتل مريم العذراء مكانة خاصة في هذا السر وأيضًا في فكر القديس فرنسيس لأنها هي مسكن الله حيث ملء النعمة وكل الصلاح وهي أبنة وأم الأبن وعروس الروح القدس. ويكتب لنا القديس فرنسيس عن مريم ويقدم لها التحية في كلماته”إن مريم هي التي جعلت من رب المجد أخًا لنا وهي موضع أهتمام من الثالوث وهي تحمل في أحشاها ملء النعمة وهي أختارها الآب السماوي الكلي القداسة، وكرمها هو أبنه الحبيب الكي القداسة والروح القدس البارقليط. ويدعونا في كلماته في التحية التي يقدمها السلام عليكِ يا قصره السلام عليكِ يا خباءه، السلام عليكِ يا أبنته. السلام عليكِ أيتها الفضائل المقدسة كلها المنسكبة في قلوب المؤمنين. الأبن الكلمة ورب الكون الله وأبن الله كلمة الآب، الجزيل الكرامة وجزيل القداسة والمجيدة والدائمة البتولية.

على ضوء تاريخ الله الخلاصى نتأمل فى سر التجسد الأبن الكلمة يتواضع ويتنازل وياخذ جسدًا من مريم العذراء. وهذا السر نشارك جميع الخليقة التي ابتهجت بمشاركة هذا الحدث العظيم من الملائكة والفقراء والمهمشين والمجوس والرعاه والحيوانات، لأنه خالق الكون سكن في وسطهم عندما أتخذ جسدنا. قد جعل من المغارة واقع حقيقي من المواشي والمعلف. وجميع الشعب لذلك ابتهجت الخليقة وفرحت بحضور كلمة الله المتجسد. والقديس فرنسيس يقدم الشكر لله: “نشكرك لأنك مثلما خلقتنا بابنك كذلك بحبك القدوس  الذي به احببتنا جعلته يؤلد إلهًا حقًا، إنسانًا حقًا، من الكلية الطوبى القديسة مريم العذراء المجيدة والدائمة البتولية.

 قال البابا فرنسيس في زيارته إلى مغارة جريتشو يوم 18/ 12 / 2018 “إن مغارة الميلاد تذكّرنا بأن الله لم يبقَ غير منظور في السماء، بل جاء إلى هذه الأرض، وصار إنساناً. وأضاف أن صنع المغارة يعني الاحتفال بقرب الله: الاكتشاف أن الله حقيقي، ملموس، حي وقلبه نابض. الله ليس رباً أو قاضيا بعيداً، إنه محبة متواضعة نزلت إلينا. كما أن الطفل في المغارة ينقل إلينا حنانه. فبعض التماثيل تُظهر الطفل مفتوح الذراعَين ليقول إن الله جاء ليعانق بشريتنا. لذا من الجميل أن نمكث أمام المغارة ونوكل حياتنا للرب، ونحدثه عن الأشخاص والأوضاع التي تهمنا”. تقودنا مغارة الميلاد إلى حدث عظيم وهو حدث التخلي والتنازل الله في وسطنا.

وعندما نرى الطفل يسوع وهو كلمة الله المتجسد فى حضن أمه وهي تتأمل في قلبها. وأمام هذا الطفل نرى سر الله العجيب فى حبه للبشرية. مريم العذراء التي قالت نعم تحقق مخطط الله الخلاصى وأصبحت مريم  والدة ابن الله دون أن تفقد بتوليتها وفي قلب المغارة نرى أيضًا يوسف الحارس المؤتمن من قبل الله.  ونحن اليوم قد نحتاج العودة إلى الإنجيل أي المعايشة  بكلمة الله وعلينا أن نلقي نظرة في قلب المغارة لكي نعود إلى كلمة الله ومحبة الله المجانية التي شملت البشرية في سر التجسد.

Share this Entry

الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير