رسالة بابويّة
TOTUM AMORIS EST
”كلّ شيء يعود إلى الحبّ“
للحبر الأعظم البابا فرنسيس
في الذكرى المئويّة الرابعة لوفاة القدّيس فرنسيس دي سالِس
“كلّ شيء يعود إلى الحبّ” [1]. هذه الكلمات يمكن أن تلخّص الإرث الرّوحي الذي تركه لنا القدّيس فرنسيس دي سالِس، الذي توفيّ قبل أربعة قرون، في 28 كانون الأوّل/ديسمبر 1622 في ليون. كان عمره يزيد قليلًا عن خمسين سنة، وكان أسقفًا على جنيف وأميرًا ”في المنفى“ مدّة عشرين عامًا. كان قد وصل إلى ليون بعد مهمّته الدبلوماسيّة الأخيرة. طلب منه دوق سافويا مرافقة الكاردينال ماوريتسيو دي سافويا إلى أفينيون. سيقدّمان معًا الاحترام للملك الشّاب لويس الثالث عشر، الذي كان عائدًا إلى باريس، مارًّا بوادي الرون، بعد حملة عسكريّة منتصرة في جنوب فرنسا. رضي فرنسيس بالسفر تدفعه روح الخدمة فقط، لأنّه كان متعبًا وفي حالة صحيّة سيّئة. “لو لم تكن هذه الرّحلة مفيدة إلى حدّ كبير لخدمتهم، فلدي بالتأكيد العديد من الأسباب الوجيهة والجيّدة لإعفاء نفسي منها. لكن بما أنّها خدمة لهم، فلن أتراجع، بل سأذهب ولو زحفًا، حيًّا أو ميتًا” [2]. كان هذا طبعه. ولمّا وصل أخيرًا إلى ليون، أقام بالقرب من دير راهبات الزيارة (Visitandines)، في بيت البستاني، حتى لا يسبّب المتاعب الكثيرة، وفي نفس الوقت حتى يكون حرًّا للقاء أيّ شخص يرغب في لقائه .
منذ وقت لم يكن معجبًا بـ “عظمة البلاط غير المستقرة” [3]، فأمضى حتّى أيامه الأخيرة في ممارسة خدمة الرّاعي في سلسلة من المواعيد: اعترافات ومحادثات ومؤتمرات ومواعظ، والرسائل الأخيرة التي لا مفرّ منها عن الصّداقة الرّوحية. السبب العميق لنمط هذه الحياة المليئة بالله ازداد له وضوحًا بمرور الوقت، وقد صاغه ببساطة ودقّة في مؤلَّفِه الشهير ”خواطر في حبّ الله“: “عندما يفكّر الإنسان، بشيء من الاهتمام، في الألوهيّة، فإنّه يشعر فورًا بشعور عذب في قلبه يثبت أنّ الله هو إلهُ قلبِ الإنسان” [4]. هذه خلاصةُ فكرِه. خبرةُ الله هي دليلٌ على قلبِ الإنسان. وهذا ليس تحليلًا ذِهنِيًّا، بل هو اعترافٌ مليءٌ بالدهشةِ والشُّكر، نتيجةَ ظهورِ الله. الله في القلب، ومن خلالِ القلبِ تتِمُّ هذه العمليّةُ المُوحِّدة الدقيقة والعميقة التي من خلالها يتعرّفُ الإنسانُ على الله، ويتعرّفُ أيضًا على نفسه، وأصلِه وأعماقِه، وكمالِه في الدعوةِ إلى الحبّ. ويكتشفُ أنّ الإيمانَ ليس حركةً عمياء، بل هو أوّلًا موقفٌ في القلب. بالإيمان، يثق الإنسان بحقيقة تظهر للضمير على أنّها ”شعورٌ عذْبٌ“، قادرٌ على أن يُثيرَ نيّةً حسَنة منسجمة، لا غنى عنها لكلّ واقعٍ مخلوق، كما كان يُحِبّ أن يقول.
في ضوء هذا، نفهمُ أنّه ليس مكانٌ أفضل، للقديس فرنسيس دي سالِس، للعثورِ على الله والمساعدةِ في البحثِ عنه، من قلبِ كلّ امرأةٍ ورجلٍ في زمنِه. لقد تعلّم ذلك من خلال مراقبةِ نفسِه بدقَّة، منذ شبابِه المبكّر، وبتفحُّصِ قلبِ الإنسان.
مع الشعور الحميم بأنّ الله يسكن حياته اليوميّة، ترك فرنسيس دي سالِس في اللقاء الأخير في أيّامه التي قضاها في ليون، لراهبات الزيارة (Visitandines)، العبارة التي تمنّى أن تبقى ختمًا لذكراه بينهنَّ، وهي: “لقد لخّصتُ كلّ شيء في هاتَين الكلمتَين عندما قلت لكم لا ترفضوا شيئًا ولا تطلبوا شيئًا. ليس لدي شيءٌ آخر أقوله لكم” [5]. ولم يكن ذلك محض تدريب للإرادة، لأنّ “الإرادة بدون تواضع” [6]، هي التجربة الخفيّة في المسيرة نحو القداسة، التي نخلطها مع التبرير بقوانا الخاصّة، ومع عبادة الإنسان لإرادته وقدرته الذاتيّة، “التي يعبَّر عنها بإرضاء ذاتي ذي طابع نخبوي متمركز حول الذات وخالٍ من الحبّ الحقيقي” [7]. ولم يكن الأمر كذلك مسألة ”طمأنينة“ واستسلام سلبي لا مشاعر له، وتعليم بلا جسد وبلا تاريخ [8]. بل وُلد موقفه هذا من التأمّل في حياة الابن المتجسّد نفسه. كان ذلك في 26 كانون الأوّل/ديسمبر، وكان القدّيس يتكلّم إلى الراهبات في قلب سرّ عيد الميلاد: “أترين الطفل يسوع في المذود؟ إنّه يتلقّى كلّ ويلات الأزمنة، البرد وكلّ ما يسمح به الأب بأن يحدث له. إنّه لا يرفض التعزية الصغيرة التي قدّمتها له والدته، ولم يُكتَب أنّه مدّ يديه ليمسك بصدر والدته، بل ترك كلّ شيء لرعايتها وبُعد نظرها، لذلك يجب ألّا نرغب في أيّ شيء أو أن نرفض شيئًا، وأن نتحمّل كلّ ما يرسله الله إلينا، البرد وويلات الأزمنة” [9]. يؤثِّر فينا انتباهه واعترافه بالاهتمام بما لا غِنى عنه للإنسان. فقد تعلّم في مدرسة التجسّد أن يقرأ التاريخ ويعيشه بثقة.
معيار الحبّ
من خلال الخبرة، أدرك أنّ الرغبة هي أصل كلّ حياة روحيّة حقيقيّة، وفي نفس الوقت، هي مكان لتزييفها. لهذا السبب، جمّع بكِلتا يدَيه من التّقليد الرّوحي الذي سبقه، وأدرك أهميّة وضع الرغبة باستمرار في الاختبار، من خلال ممارسة التميّيز المستمرّة. ووجد المعيار النهائي لتقييمه في الحبّ. وفي تلك الخلوة الأخيرة أيضًا في ليون، في عيد القدّيس اسطفانس، قبل يومين من وفاته قال: “إنّها المحبّة التي تضفي الكمال على أعمالنا. أقول لكم أكثر من ذلك بكثير. هذا هو الشخص الذي استشهد في سبيل الله بأُوقِيَّة من الحبّ. إنّه يستحقّ الكثير، بما أنّه لا يستطيع أن يهب أكثر من حياته؛ لكن الشخص الآخر الذي يتألّم من جرح خفيف بأوقيتين من الحبّ سيستحقّ أكثر بكثير، لأنّ المحبّة والحبّ هما اللذان يعطيان قيمة لأعمالنا” [10].
وتابع بواقعيّة مدهشة، وأوضح العلاقة الصّعبة بين التأمّل والعمل. قال: “تعلمون أو يجب أن تعلموا أنّ التأمّل في حدّ ذاته أفضل من العمل والحياة النشطة؛ بل إن وجد المزيد من الاتحاد [مع الله] في الحياة النشطة، فهذا أفضل. إن كانت أخت في المطبخ تمسك المقلاة فوق النار ولها حبّ ومحبّة أكثر من غيرها، فإنّ النار الماديّة لن تمنعها، بل ستساعدها على أن تكون أكثر إرضاءً لله في العمل كما في العزلة؛ في النهاية، أعود دائمًا إلى السؤال: أين يوجد الحبّ الأعظم” [11]. هذا هو السؤال الحقيقي الذي يتخطّى كلّ تشدّد عديم الفائدة أو انطواء على الذات: أن نسأل أنفسنا في كلّ لحظة، وفي كلّ اختيار، وفي كلّ ظرف من ظروف الحياة أين نجد الحبّ الأعظم؟ ليس من قبيل المصادفة أنّ القدّيس يوحنا بولس الثاني أطلق على القدّيس فرنسيس دي سالِس لقب “معلّم الحبّ الإلهي” [12]، ليس فقط لأنّه كتب فيه خواطر بليغة، بل وقبل كلّ شيء لأنّه كان شاهداً للحبّ. من ناحية أخرى، لا يمكن اعتبار كتاباته مثل نظريّة مؤلفة في مَكتَب، بعيدةً عن اهتمامات الانسان العادي. في الواقع، وُلدَت تعاليمه من اصغاء متنبّه للخبرة. لم يفعل شيئًا سوى أنّه حوّل ما عاشه وقرأه بفطنة إلى تعلِيم، مستنير بالرّوح، في عمله الرّعوي الفريد والخلّاق. يمكن أن نجد خلاصة لطريقة العمل هذه في مقدّمة كتابه، ”خواطر في حبّ الله“: “في الكنيسة المقدّسة، كلّ شيء يعود إلى الحبّ، ويعيش في الحبّ، ويُعمَلُ من أجل الحبّ ويأتي من الحبّ” [13].
سنوات التنشئة الأولى: مغامرة معرفة الذات في الله
وُلِدَ في 21 آب/أغسطس 1567 في قلعة سالِس (Sales)، بالقرب من تورينس (Thorens)، والده فرانسوا دي نوفيل، سيِّد بوازي، ووالدته فرانسواز دي سيوناز. “عاش بين قرنَين من الزمان، القرن الخامس عشر والسادس عشر، وجمّع لنفسه أفضل التّعاليم والإنجازات الثقافيّة للقرن الذي كان على وشك الانتهاء، ووفّق بين إرث مَذهَبِ الإنسانيّة (umanesimo) والاندفاع نحو النموذج المطلق للتيّارات الصوفيّة” [14].
بعد تنشئته الثقافيّة الأولى، أوّلًا في كليّة La Roche-sur-Foron ومن ثمّ في كليّة Annecy، وصل إلى باريس، إلى الكليّة اليسوعيّة، كليرمون (Clermont) التي تأسّست مؤخّرًا. في عاصمة مملكة فرنسا، التي دمّرتها الحروب الدينيّة، سرعان ما اختبر أزمتَين داخليّتَين متتاليتَين، وَسَمَتا حياته بسِمَةٍ لا تُمحى. الصّلاة الحارّة التي صلّاها في كنيسة Saint Étienne des Grès، أمام السيّدة مريم العذراء السوداء في باريس، ستشعل في قلبه، في وسط الظلام، شعلة ستبقى حيّة فيه إلى الأبد، وهي مفتاح لقراءة خبرته الخاصّة وخبرة الآخرين. “مهما حدث، يا ربّ، أنت من تمسك بكلّ شيء بين يديك وطُرقك كلّها حقّ وعدل، […] سأحبّك، يا ربّ […]، سأحبّك هنا، يا إلهيّ، وسأرجو دائمًا رحمتَك، وسأكرّر لك الحمد والتسبيح. […] أيّها الرّبّ يسوع، ستكون دائمًا رجائي وخلاصي في أرض الأحياء” [15].
كذلك كتب في دفتر ملاحظاته، ووجد السّلام. ستظّل هذه الخبرة، بقلقها وأسئلتها، منيرة دائمًا له وستمنحه طريقًا فريدًا للوصول إلى سرّ علاقة الله بالإنسان. سيساعده ذلك على الاستماع إلى حياة الآخرين والتعرّف، بتمييز دقيق، على الموقف الداخلي الذي يوحّد الفكر بالشعور، والعقل بالعاطفة، والذي يسمّيه ”إله قلب الإنسان“. بذلك، لم يقع فرنسيس في خطر إعطاء خبرته الشخصيّة قيمة نظريّة، وجعْلِها مطلقة، بل تعلّم شيئًا غير عادي، وهو ثمرة النعمة: أن يقرأ في الله حياته وحياة الآخرين.
على الرّغم من أنّه لم يزعم قط أن يضع نظريّة لاهوتيّة خاصّة، إلّا أنّ تأمّله في الحياة الروحيّة كان له قيمة لاهوتيّة بارزة. تَظهَرُ فيه السّمات الجوهريّة في فكر لاهوتي، حيث يجب ألّا يُنسى أبدًا بُعدَان أساسيَّان. البُعد الأوّل هو بالتّحديد الحياة الروحيّة، لأنّه يمكن أن نحاول فهم كلمة الله وأن نعبّر عنها، في الصّلاة المتواضعة والمثابرة، والانفتاح على الرّوح القدس. يصبح اللاهوتي لاهوتيًا في بوتقة الصّلاة. البُعد الثاني هو الحياة الكنسيّة: أن يكون لدينا الإحساس في الكنيسة ومع الكنيسة. حتّى اللاهوت تأثّر من الثقافة الفرديّة، لكن اللاهوتي المسيحي يطوِّر فكره وهو منغمس في الجماعة، وفيها يكسر خبز الكلمة [16]. فِكرُ فرنسيس دي سالِس، على هامش الجدالات المدرسيّة في وقته وحتّى مع احترامها، نشأ على وجه التحدّيد من هاتين السمتَين التأسيسيّتَين.
اكتشاف عالم جديد
بعد أن أكمل دراسته في العلوم الإنسانيّة، واصل تخصّصه في القانون في جامعة بادوفا. وعندما عاد إلى أنِسي (Annecy)، كان قد قرّر وِجهَةَ حياته، على الرّغم من مقاومة والده. وبعد أن رُسِمَ كاهنًا في 18 كانون الأوّل/ديسمبر 1593، في الأيّام الأولى من شهر أيلول/ سبتمبر من العام التالي، بدعوة من الأسقف المونسنيور كلود دي جرانيِي (Mons. Claude de Granier)، دُعي إلى رسالة صعبة في شابلي (Chablais)، وهي منطقة تابعة لأبرشيّة أنِسي (Annecy)، ذات العقيدة الكالفينيّة، وقد مرّت مرّة أخرى، عبر متاهة معقّدة من الحروب ومعاهدات السّلام، تحت سيطرة دوقية سافويا. كانت تلك سنوات شديدة ومأساويّة. اكتشف هنا، جنبًا إلى جنب مع بعض العناد الصّارم في شخصيّته، والذي سيكون موضوع تفكير له لاحقًا، مهاراته كوسيط ورجل حوار. وسيظهر أيضًا أنّه مبدع في ممارسات رعويّة أصيلة وجريئة، مثل ”المنشورات“ الشهيرة، التي كانت تُعلَّق في كلّ مكان وحتّى كانت تُمرّر أحيانًا من تحت أبواب البيوت.
عاد إلى باريس في عام 1602، والتزم بالقيام بمهمّة دبلوماسيّة دقيقة، نيابة عنالمونسنيور دي جرانيِي نفسه (Mons. de Granier) وبناءً على توجيه دقيق من الكرسيّ الرّسوليّ، بعد التغيير الألف في الإطار السياسي والديني لإقليم أبرشيّة جنيف. على الرّغم من النّوايا الحسنة لملك فرنسا، باءت مهمّته بالفشل. هو نفسه كتب إلى البابا كليمنس الثامن وقال: “بعد تسعة أشهر كاملة، اضطررت إلى أن أعود دون أن أنجز أيّ شيء تقريبًا” [17]. لكن تلك المهمّة كشفت له وللكنيسة غِنًى غير متوقّع من وجهة نظر إنسانيّة وثقافيّة ودينيّة. في وقت الفراغ الذي تركته له المفاوضات الدبلوماسيّة، وعظ فرنسيس بحضور الملك والبلاط الفرنسي، وأقام علاقات مهمّة، ودخل خاصّة في الربيع الرّوحيّ والثقافيّ الرائع لعاصمة المملكة الحديثة.
تغيّر هناك كلّ شيء وما زال يتغيّر. هو نفسه ترك نفسه تتأثّر وتسأل عن المشاكل الكبرى التي نشأت في العالم والطريقة الجديدة لملاحظتها، تأثّر من الإقبال المذهل على الروحانيّة الذي ظهر، ومن الأسئلة غير المسبوقة التي طرحتها. باختصار، لاحظ ”تغيّر العصر“ الحقيقي، الذي أوجبه الرّد عليه من خلال اللغات القديمة والجديدة. لم تكن بالتأكيد المرّة الأولى التي يلتقي فيها بمسيحيّين ممتلئين بالحماس، لكن كان الأمر هنا مختلفًا. لم تكن باريس التي دمّرتها الحروب الدينيّة، التي شهدها في سنوات تنشئته، ولا الصّراع المرير في أراضيشابلي (Chablais). لقد كانت حقيقة غير متوقّعة. كان جَمعٌ من “القدّيسين، من القدّيسين الحقيقيّين، كثيرون وفي كلّ مكان” [18]. كان هناك رجال ونساء من الثقافة، وأساتذة من جامعة السوربون، وممثّلو مؤسّسات، وأمراء وأميرات، وخَدَم، ورهبان وراهبات. عالم متعطّش إلى الله بطرق مختلفة.
كان لقاء هؤلاء الأشخاص والتعرّف على أسئلتهم من أهمّ الظروف التي وفَّرتها له العنايّة الإلهيّة في حياته. وبهذه الطريقة، تحوّلت أيام الفشل والإخفاق الظاهر إلى مدرسة لا تضاهى، من أجل قراءة الأجواء السائدة في ذلك الوقت، من دون تجميلها. كان المجادل الماهر فيه الذي لا يعرف الكلل يتحوّل، بالنعمة، إلى مفسِّرٍ ماهرٍ لعلامات زمنه، وإلى موجِّهٍ غير عادي للنفوس. عمله الرعوي، ومؤلَّفاته الكبرى (مقدمة في حياة العبادة، وخواطر في حبّ الله)، وآلاف رسائل الصّداقة الروحيّة التي ستنتج عنها، والمُرسلة من داخل وخارج جدران الأديرة إلى الرهبان والراهبات، وإلى رجال ونساء البلاط وكذلك إلى الأشخاص العاديّين، واللقاء مع يوحنة فرنشيسكا دي شانتال (GiovannaFrancesca di Chantal) مؤسّسة رهبنة الزيارة نفسها التي تأسّست في عام 1610، كلّ ذلك سيكون غير مفهومٍ بدون نقطة التحوّل الداخليّة هذه. وَجَدَ الإنجيلُ والثقافةُ بعد ذلك لقاءً مثمرًا أدّى إلى حَدْس ورؤية طريقة حقيقيّة وصلت إلى مرحلة النضج وكانت جاهزة لحصاد دائم واعد.
في إحدى رسائله الأولى من رسائل الصّداقة الروحيّة، التي أُرسلت إلى إحدى الجماعات التي زارها في باريس، تكلّم فرنسيس دي سالِس، لكن بتواضع، على ”طريقته“، التي تختلف عن غيرها، من أجل إصلاحٍ حقيقي. طريقة تنبذ التشدّد وتعتمد كاملةً على كرامة النفس التقيّة وقدرتها على الرّغم من ضعفها: “أتردّد في ذكر عائق آخر يمكنه أن يعارض إصلاحكم: ربّما الذين فرضوه عليكم قد عالجوا الجرح بشدّة. […] أنا أثني على طريقتهم، ولو أنّها ليست ما اعتدت استخدامه، خاصّة مع أرواح نبيلة ومهذّبة مثلكم. أعتقد أنّه من الأفضل أن نبيّن لهم الشّرّ ثم نضع المشرط في أيديهم، حتّى يتمكّنوا من القيام بالجرح اللازم في أنفسهم. لكن لا تهملوا، لهذا، الإصلاح الذي تحتاجون إليه” [19]. تعكس هذه الكلمات تلك النظرة التي جعلت التفاؤل الساليزياني مشهورًا، والتي تركت آثارها الدائمة في تاريخ الروحانيّات، من أجل ازدهار حالات مستقبَلَة، كما في حالة دون بوسكو بعد قرنَين من الزمان.
ولمّا عاد إلى أنِسي (Annecy)، رُسم فيها أسقفًا في 8 كانون الأوّل/ديسمبر من نفس العام 1602. كان تأثير خدمته الأسقفيّة على أوروبا في ذلك الوقت وفي القرون التالية كبيرًا جدًّا “كان رسولًا وواعظًا وكاتبًا ورجل عمل وصلاة؛ ملتزمًا بتحقيق غايات المجمعالتريدنتيني؛ ومنخرطًا في الجدل والحوار مع البروتستانت، وقد اختبر أكثر فأكثر، ما يتجاوز المواجهة اللاهوتيّة الضروريّة، فعاليّة العلاقات الشخصيّة والمحبّة؛ وكُلِّفَ بمهام دبلوماسيّة على مستوى أوروبا، وقام بوساطات اجتماعيّة ومصالحات” [20]. وفوق كلّ شيء، كان مفسّرًا لتغيّر علامات العصر، ومرشدًا للنفوس في وقت كان يتعطّش إلى الله بطريقة جديدة.
المحبّة تفعل كلّ شيء من أجل أبنائها
بين عامي 1620 و 1621، وهو الآن على حافة الموت، وجّه فرنسيس إلى كاهن من أبرشيّته كلمات قادرة على أن تنير رؤيته لزمنه. شجّعه على أن يسير مع رغبته في تكريس نفسه لكتابة نصوص مبتكرة قادرة على فهم الأسئلة الجديدة، وتبيُّن ضرورتها. “يجب أن أقول لك إنّ المعرفة التي أكتسبها كلّ يوم عن أمزجة العالم تقودني إلى أن أتمنّى بشدّة أن يُلهم الصّلاح الإلهي أحد خدامه للكتابة وليستجيب لطلب هذا العالم المسكين” [21]. وقد وجد سبب هذا التشجيع في نفس رؤيته لذلك الوقت. “أصبح العالم حسّاسًا لدرجة أنّنا لن نجرؤ، بعد قليل، على لمسه، إلّا بقفازات مخمليّة، ولا على تضميد جروحه، إن لم يكن بكمّادات البصل؛ لكن ماذا يهم، إن شُفي البشر ونالوا الخلاص في النهاية؟ ملكتنا، المحبّة، تفعل كلّ شيء من أجل أبنائها” [22]. إنّها ليست نتيجة مفروغًا منها، ولا هي استسلام نهائي أمام هزيمة. بل كان ذلك حدْسًا لتغيير يحدث، وضرورة إنجيليّة تتطلّب فهمه وكيفيّة إمكان العيش فيه.
هذا الوعي نفسه كان قد نضج فيه وعبَّر عنه في مقدّمة ”خواطر في حبّ الله“: “أبقيت في ذهني حاضرةً عقليّة الناس في هذا القرن ولم أستطع أن أفعل غير ذلك؛ فمن المهّم جدًّا مراعاة الوقت الذي تَكتب فيه” [23]. من ثمّ يطلب كَرم القارئ، فيقول: “إن وجدتَ أنّ الأسلوب مختلف قليلًا عن الأسلوب المستخدم في ”الفيلوثيا“ (Filotea) في ”المدخل إلى العبادة“، وكلاهما بعيد جدًّا عن أسلوب ”الدفاع عن الصّليب“، فضع في اعتبارك أنّه في تسعة عشر عامًا يتعلّم الإنسان وينسى أمورًا كثيرة؛ وأنّ لغة الحرب تختلف عن لغة السّلام، ويُكلَّم الشّباب المبتدئون بطريقة، والرفاق القدامى بطريقة أخرى” [24]. لكن، أمام هذا التغيير، من أين نبدأ؟ ليس بعيدًا عن نفس تاريخ الله مع الإنسان. هذا كان القصد النهائي لمؤلَّفِه: “في الواقع، أردت فقط أن أقدّم ببساطة وعفوية، بدون تصنّع، وبأولى حجة، بدون زخرفة، تاريخ ولادة الحبّ الإلهيّ ونموَّه، واختفاءه، وأعماله وميّزاته، وفوائده وسمُوّ صفاته” [25].
أسئلة يطرحها تغيُّر العصر
في مناسبة الذّكرى المئويّة الرّابعة لوفاة القدّيس فرنسيس دي سالِس، تساءلت: ما هو إرثه لعصرنا؟ ووجدت أنّ مرونته وقدرته على الرّؤية هي مصدر نورٍ لنا. كان لديه إدراكٌ واضح لتغيّر الأزمنة، بعضُه عطيّة من الله، وبعضُه يعود إلى ما فيه من صفات طبيعيّة، وأيضًا بسبب تنبُّهِه الدقيق للواقع الذي كان يعيشه. وهو نفسه لم يكن ليتخيّل قط، أن يرى في هذا الواقع فرصة لإعلان الإنجيل. الكلمة التي أحبّها منذ صِباه كانت قادرة على أن تشقّ طريقها، وتفتح آفاقًا جديدة لم يكن من الممكن توقُّعُها، في عالم يمرّ بمرحلة انتقاليّة سريعة.
هذه هي المهمّة الأساسيّة التي تنتظرنا أيضًا في زمننا وفي تغيّر العصر الذي نواجهه. فنكون كنيسةٌ لا تعتبر نفسها مرجعيّة لذاتها، بل متحرّرة من كلّ روح عالميّة لكن قادرة أن تسكن في العالم، وتشارك النّاس حياتهم، وتسير معهم، وتستمع لهم وتستقبلهم [26]. هذا ما فعله فرنسيس دي سالِس، وهو يحاول أن يفهم عصره، بمساعدة النّعمة الإلهيّة. لذلك، هو يدعونا لأن نخرج من القلق المُفرط على أنفسنا، وعلى هيكليّاتنا، وعلى صورتنا في المجتمع، وأن نسأل أنفسنا: ما هي الاحتياجات العمليّة والتوقّعات الروحيّة لشعبنا [27]. لذلك من المهمّ، حتّى اليوم، أن نعيد قراءة بعض خياراته الحاسمة، حتّى نعيش التّغيير بحكمة إنجيليّة.
النّسيم والأجنحة
أوّل هذه الخيارات هو إعادة فهم العلاقة الصحيحة بين الله والإنسان، وإعادة اقتراح على كلّ واحد، ما يناسبه في حالته الخاصّة. في الواقع، إنّ الدّافع النهائي والهدف الحقيقي لكتابه ”الخواطر“، هو بالتّحديد أن يوضح لمعاصريه سحر محبّة الله. كان يتساءل: “ما هي الوسائل المعتادة التي تستخدمها العنايّة الإلهيّة لتجذب قلوبنا إلى محبة الله؟” [28]. انطلاقًا من نصّ هوشع 11، 4 [29]، عرّف هذه الوسائل العاديّة بأنّها “روابط إنسانيّة أو روابط محبّة وصداقة”. وكتب: “ليس هناك شكّ في أنّنا لسنا منجذبين إلى الله بسلاسل حديديّة، مثل الثيران والجواميس، بل بواسطة نداءات، وقِوَى جاذبة عذبة، وإلهامات مقدّسة، التي هي روابط ”آدم والبشريّة“؛ أيّ إنّها مناسبة وملائمة لقلب الإنسان، الذي بالنّسبة له الحريّة هي أمرٌ طبيعيّ” [30]. بهذه الرّوابط، أخرج الله شعبه من العبوديّة، وعلّمه المشي، وهو ممسكٌ بيده، كما يفعل الأب أو الأم مع طفلهم. من دون أيّ فرضٍ خارجي، أي، من دون أيّة قوّة استبداديّة وتعسّفيّة، ومن دون عنف. بل بالدعوة التي تقنع وتترك حريّة الإنسان سليمة. تابع فرنسيس وهو يفكّر بالتأكيد في أحداث حياة كثيرة واجهها، قائلًا: “النعمة لها قوّة، لكن لا للإكراه، بل لتجذب القلب، فيها عنف مقدّس لا للاعتداء بل لتملأ حرّيتنا بالحبّ، تعمل بقوّة، لكن بعذوبة كثيرة، فلا تُسحق إرادتنا بمثل هذا العمل القويّ، وهي تدفعنا، لكنّها لا تخنق حرّيّتنا: لذلك يمكننا، أمام كلّ قوّتها، أن نقبل أو نقاوم تحرّكاتها، كما نريد” [31].
كان قبل فترة وجيزة، قد وصف هذه العلاقة في المثال الغريب لـلطائر ”الذي لا أرجل له“، قال: “هناك بعض الطّيور، يا تيوتيمو، كان يسمّيها أرسطو بــ ”التي لا أرجل لها“، لأنّ لها أرجلًا قصيرة جدًّا وسيقانًا ضعيفة جدًّا، فلا تقدر أن تستخدمها، كما لو لم يكن لها أرجل. وإذا اتّكأت بالصّدفة على الأرض، فإنّها تظلّ هناك، من دون أن تقدر الطيران، لأنّها، لكونها لا تستخدم أرجلها ولا سيقانها، فهي لا تقدر على أن تدفع نفسها وتنطلق في الهواء، فتبقى على الأرض في وضعيّة متقوقعة وتموت، إلّا إذا عوَّضَت الرّيح عن عجزها، فدفعتها من الأرض ورفعتها كما تفعل مع أشياء أخرى كثيرة. في هذه الحالة، إذا استخدمت أجنحتها، وتجاوبت مع الزّخم والدفعة الأولى التي تمنحها إيّاها الريح، ستستمرّ الرّيح نفسها في مساعدتها، وتدفعها إلى أعلى وأعلى حتّى تساعدها على الطيران من جديد” [32]. هكذا الإنسان: خلقه الله ليطير ويستخدم كلّ إمكانيّاته في الدّعوة إلى المحبّة، لكنّه يوشك أن يصير عاجزًا عن العودة إلى الطيران إذا وقع على الأرض، فلا يقدر أن يفتح جناحيه ثانية لنسيم الرّوح القدس.
هذه هي، إذن، ”الطريقة“ التي بها يعطي الله نعمته للبشر وهي: ”روابط آدم“ الثّمينة والإنسانيّة جدًّا. قوّة الله لا تكُفُّ عن أن تكون قادرة بصورة مطلقة على أن تعيد إليه القدرة على التّحليق، لكن، بلطفها لا تسمح بأن تُنتهَك حرّيّة القبول في الإنسان، أو تكون فيه بلا فائدة. يعود الأمر للإنسان في أن ينهض أو لا. النّعمة لمسته عند صحوته، لكن الله لا يريد أن يكون نهوض الإنسان بلا موافقة الإنسان. وهكذا خَلُص القديس فرنسيس إلى خاتمة تأمّله، قال: “يا تيوتيمو، الإلهامات تستبق أعمالنا، ونشعر بها قبل أن ننتبه، لكن بعد أن ننتبه، يعود الأمر لنا للموافقة، فنؤيّدها ونسير بحسب دوافعها، أو لا نوافق ونرفضها: نشعر بها من دوننا، لكن لا يمكن أن يكون الرضى بدوننا” [33]. لذلك، العلاقة مع الله، هي اختبار المجّانية التي تؤكّد عمق محبّة الآب.
ومع ذلك، لا تجعل هذه النعمة الإنسان مُتَلَقِّيًا سلبيًّا فقط. لكنّنا نفهم أنّ حبّ الله يسبقنا دائمًا، وأوّل هبة منه هي بالتّحديد قبولُنا لمحبّته نفسها. ومع ذلك، يجب على كلّ واحد أن يتعاون من أجل تحقيق نفسه، وينشر جناحيه بثقة فيرتفع مع نسيم الله. ونرى هنا جانبًا مهمًّا لدعوتنا الإنسانيّة: “إنّ المهمّة التي أوكلها الله إلى آدم وحواء في قصّة سفر التكوين هي أن يكونا مثمرين. وأُوكِلت إلى الإنسانيّة مهمّة تغيير الخليقة وبنائها والسّيطرة عليها، وهي مهمّة إيجابيّة تعني أن نَخلِقَ بها ومعها. لهذا، لا يعتمد المستقبل على آليّة غير مرئيّة يكون فيها البشر متفرّجين سلبيّين. لا، نحن شخصيّات رئيسيّة، نحن – مع التشدّيد على الكلمة –مشاركون في الخلق” [34]. هذا ما فهمه فرنسيس دي سالِس جيّدًا وحاول أن ينقله إلى الآخرين أثناء خدمته مرشدًا روحيًّا.
التّقوى الحقيقيّة
الخيار الثّاني الكبير والحاسم هو طرحه لموضوع التّقوى. وفي هذا الموضوع أيضًا، كما في يومنا هذا، أثار تغيّر العصر الكثير من الأسئلة. هناك جانبان خصوصًا، يجب أن نفهمهما اليوم أيضًا ونعيد إطلاقهما. الأوّل هو فكرة التّقوى نفسها، والثّاني صفاتها العالميّة والشعبيّة. أوّل ما نجده في بداية ”الفيلوثيا“ (Filotea) هي الإشارة، أوّلًا، إلى ما هو المقصود بالتّقوى. “من الضروري، أوّلًا، أن تعرف ما هي فضيلة التّقوى. هناك تقوى حقيقيّة واحدة فقط، وكثير من الطرق التقويّة الخاطئة والباطلة؛ وإن لم تقدر أن تعرف التّقوى الحقيقة، ستقع في الخطأ وتهدر وقتك في الجري وراء بعض التعبّدات السّخيفة والخرافية” [35].
وصفُ فرنسيس دي سالِس للتّقوى الزّائفة هو دائمًا ممتعٌ وواقعي، وليس من الصعب أن نجد أنفسنا في ما قال، ليس من دون بعض الدعابة السليمة: “من فَرَضَ على نفسه الصّيام، يظنّ أنّه تقيّ لأنّه لا يأكل، بينما قلبه مملوء حقدًا. وبينما لا يشعر بالرّغبة في أن يبلّ لسانه بالخمر أو حتّى بالماء، لأنّه صائم، لن يتردّد في غمسه بِدَمِ قريبه بالنّميمة والافتراء. وسيعتقد آخر أنّه تقيّ لأنّه يتمتم سلسلة لا تنتهي من الصّلوات طوال اليوم؛ ولن يهتمّ للكلمات السيّئة، والمتغطرسة والمُهينة التي يلفظها لسانه طول النهار تجاه الخدّام والجيران. وسوف يضع آخرٌ يده بكلّ سرور في محفظته ليعطي صدقة للفقراء، لكنّه لن يستطيع أن ينتزع من قلبه ذرّة من الطّيبة لمسامحة أعدائه؛ أو قد يكون هناك من يغفر لأعدائه، ولكن لن يخطر حتّى على باله أن يسدّد ديونه؛ إلّا أن يذهب إلى المحكمة” [36]. من الواضح أنّها رذائل ومصاعب كلّ العصور، حتّى اليوم، ولهذا اختتم القدّيس قائلًا: “كلّ هؤلاء النّاس الطيّبون، يُعتبَرون بحسب الرّأي العام أتقياء، لكنّهم ليسوا كذلك على الإطلاق” [37].
كلّ ما هو جديد في التّقوى وحقيقتها نجده في مكان آخر، في جذور مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحياة الإلهيّة فينا. بهذه الطّريقة “التّقوى الحقيقيّة والحيّة […] تتطلّب محبّة الله، فقط محبّة لله الحقيقيّة؛ وليس محبّة بشكل عام” [38]. في مخيّلته المتّقدة، التّقوى، “باختصار، ليست سوى نوع من الرّشاقة والحيويّة الروحيّة التي من خلالها تعمل المحبّة فينا، أو، إذا أردنا، نحن نعمل من خلالها، بسرعة وحنان” [39]. لهذا ليست التّقوى أمرًا إلى جانب المحبّة، بل هي مظهر من مظاهرها، ومعها تقودنا إليها. إنّها كاللهب مقارنة بالنّار: إنّها تُحيي شدّتها دون أن تغيّر نوعيّتها. “في الختام، يمكن القول إنّ المحبّة والتّقوى تختلفان الواحدة عن الأخرى مثل النّار واللهب. المحبّة نار روحيّة، وعندما تشتعل بلهب شديد يُقال لها التّقوى: تُضيف التّقوى إلى نار المحبّة فقط الشّعلة التي تجعل المحبّة جاهزة، وفاعلة ومثابرة، ليس فقط في حفظ وصايا الله، بل أيضًا في ممارسة المشورات وإلهامات السّماء” [40]. التّقوى، بهذا المفهوم، ليست شيئًا تجريديًّا. بل هي أسلوب حياة، وطريقة للعيش في صلب الحياة اليوميّة. إنّها تجمع وتفسّر الأمور الصغيرة في حياة كلّ يوم، المأكل والملبس، والعمل والتّرفيه، والحبّ والولادة، والاهتمام بالالتزامات المهنيّة؛ باختصار، إنّها تُنير دعوة كلّ واحد.
يمكننا أن نُدرك هنا الجذور الشعبيّة للتّقوى، والتي تمّ تأكيدها في السّطور الأولى ”للفيلوثيا“ (Filotea): “كلّ الذين عالجوا موضوع التّقوى تقريبًا، اهتموا بتعليم أشخاص منعزلين عن العالم، أو على الأقل، علّموهم نوعًا من التّقوى يؤدّي إلى هذه العزلة. أنا أنوي أن أقدّم تعاليمي إلى الذين يعيشون في المدن، وفي عائلات، وفي المحاكم، والذين بحكم حالتهم، هم مجبرون، بسبب المقتضيات الاجتماعيّة، على العيش مع الآخرين” [41]. لهذا يُخطئ كثيرًا مَن يفكّر في ربط التّقوى ببعض الأماكن المحميّة والخاصّة. على العكس، هي للجميع ومن أجل الجميع، أينما كنّا، ويمكن لكلّ واحدٍ أن يمارسها بحسب دعوته. كتب البابا القدّيس بولس السّادس في الذّكرى المئويّة الرّابعة لولادة فرنسيس دي سالِس، قال: “ليست القداسة امتيازًا لطبقة اجتماعيّة أو لأخرى؛ بل هي الدّعوة المُلحّة الموجّهة إلى جميع المسيحيّين: ”قُمْ إِلى فَوق، يا أَخي“ (لوقا 14، 10)؛ الكلّ ملزمون بأن يصعدوا جبل الله، حتّى لو لم يتّخذوا كلّهم الطّريق نفسها. التّقوى يمارسها بشكل مختلف الرجل النّبيل، والحِرَفي، والنّادل، والأمير، والأرملة، والشابّة، والعروس. وأكثر من ذلك، يجب أن تتكيّف ممارسة التّقوى مع قِوى كلّ واحد، وأعماله وواجباته” [42]. العيش في المدينة الدنيويّة، والحفاظ على الحياة الدّاخليّة، والجمع بين الرّغبة في الكمال مع كلّ حالة من حالات الحياة، وإيجاد هدف لا يفصلنا عن العالم، بل يعلّمنا العيش فيه، وتقديره، ويعلّمنا في الوقت نفسه المحافظة على المسافة اللازمة عنه: كان هذا هو هدف ”الفيلوثيا“ (Filotea)، وما زال ذلك درسًا قيّمًا لكلّ امرأة ورجل في عصرنا.
هذا هو موضوع المجمع في الدّعوة الشاملة إلى القداسة: “مزوّدين بمثل هذه الوسائل الخلاصيّة الوافرة والعظيمة، المؤمنون بالمسيح أيًّا كان وضعهم وحالهم، يدعوهم الله، كلَّ واحد في طريقه، الى قداسة تجد كمالها في الآب بالذات” [43]. ”كلّ واحد في طريقه“. “فيجب إذًا ألّا يفقد المرء الشّجاعة عندما يتأمّل أمثلة القداسة التي تبدو له بعيدة المنال” [44]. إنّ أمُّنا الكنيسة تقدِمّهم لنا لا لنحاول أن نقلّدهم، لكن لأنّهم يحفّزوننا على أن نسير على الطّريق الوحيد والمحدّد الذي فكّر فيها الله من أجلنا. “ما يهمُّ هو أن يميِّز ويعرف كلُّ مؤمن مسيرته ويُظهر أفضل ما في ذاته، والمواهب التي منحه الله إيّاها (راجع 1 قورنتس 12، 7)” [45].
نشوة الحياة
كلّ هذا دفع الأسقف القدّيس إلى اعتبار الحياة المسيحيّة بكاملها “نشوة العمل والحياة” [46]. ومع ذلك، ينبغي ألّا نخلط بينها وبين الهروب السّهل أو الانطواء على الذات، ولا هي الطّاعة الحزينة والرماديّة. نحن نعلم أنّ هذا الخطر موجود دائمًا في حياة الإيمان. في الواقع، “هناك مسيحيّون يبدون وكأنّهم متلبّسون سيماءَ صيام بدون فصح. […] إنّي أتفهّم الأشخاص الذين يحزنون بسبب مصاعب يثقل عليهم حملها، إلّا أنّه يجب أن نسمحَ، شيئًا فشيئًا، لفرح الإيمان أن يبدأ فيستيقظ، كأنّه مسنود بثقة خفيّة لكن صامدة، حتّى وسط أشدّ الهموم” [47].
أن نسمح للفرح بأن يستيقظ هو بالضّبط ما عبّر عنه فرنسيس دي سالِس في وصفه ”نشوة العمل والحياة“. قال: بفضلها “لا نحيا فقط حياةً مدنيّة، وصادقة ومسيحيّة، بل حياةً فوق بشريّة، وروحيّة، وتقيّة وصوفيّة، أي حياةً خارج حالتنا الطبيعيّة وفوقها بأيّ حالٍ من الأحوال” [48]. نحن هنا في الصفحات الرئيسيّة وأكثرها إشراقًا لكتاب ”الخواطر“. النّشوة هي الإفراط المُبهج للحياة المسيحيّة، والتي تذهب إلى أبعد من الاعتدال الفاتر في مجرّد التقيّد بالأحكام: “لا تسرق، لا تكذب، لا تزن، صلّ إلى الله، لا تحلف كذبًا، أحبِب أباك وأكرمه، لا تقتل. كلّ هذا عَيش بحسب العقل الطبيعيّ للإنسان؛ لكن التخلّي عن كلّ ممتلكاتك، ومحبّة الفقر، وتسميته ”السّيّدة الطيّبة“، واعتبار العار، والازدراء، والذّل، والاضطهاد، والاستشهاد سعادة وتطويبات، وأن تبقَى ضمن حدود العفّة المطلقة، وأخيرًا، أن تعيِش في العالم وفي هذه الحياة الفانية ضدّ كلّ آراء وحِكَم العالم وعكس التيّار لنهر هذه الحياة، مع استسلامٍ مُعتاد، وتخلٍّ وإنكارٍ للذّات، هذا ليس عيشًا بحسب الطّبيعة البشريّة، بل فوق الطّبيعة البشريّة؛ هذا ليس عيشًا في داخل ذاتك، بل في خارج ذاتك وفوق ذاتك: وبما أنّه لا يمكن لأحدٍ أن يخرج بهذه الطّريقة إلى ما فوق نفسه ما لم يجتذبه الآب الأزليّ، ينتج عن ذلك أنّ طريقة الحياة يجب أن تكون اختطافًا مستمرًّا ونشوة دائمة في الفعل والعمل” [49].
إنّها الحياة التي أعادت اكتشاف ينابيع الفرح، ضدّ كلّ جفاف فيها، وضدّ تجربة الانطواء على الذات. في الواقع، “إنّ مجازفة عالم اليوم الكبيرة، بما يقدّم من وسائل استهلاكٍ كثيرة وضاغطة، هي أن يغرق في حزن فردي نابعٌ من قلبٍ مستريح وبخيل، ومن البحث السّقيم عن ملاذّ سطحيّة، وضمير منعزل. عندما تنغلق الحياة الداخليّة على مصالحها الذاتيّة، لا يبقى محلّ للآخرين، فلا الفقراء يدخلون، ولا يُسمعُ صوت الله، ولا يتمتّع بفرح الحبّ العذب، ولا يعودُ ينبضُ فيه الاندفاع إلى عمل الخير. حتّى المؤمنون يتعرّضون لهذه المجازفة الأكيدة والدّائمة. كثيرون يرزحون تحت عبئها ويتحوّلون إلى أشخاص عابسين مستائين، لا حياة فيهم” [50].
أخيرًا، يضيف القدّيس فرنسيس دي سالِس، في وصفه ”نشوة العمل والحياة“، تحديدَين مهمّين لعصرنا أيضًا. الأوّل هو المعيار الفعّال لتمييز الحقيقة في نمط الحياة هذه. والثاني، هو مصدره العميق. بالنّسبة إلى معيار التمييز، يؤكّد أنّه إذا كانت هذه النّشوة تؤدّي من جهة إلى خروج حقيقيّ من الذّات، فإنّ هذا لا يعني من جهة أخرى التخلّي عن الحياة. من المهم ألّا تنسى هذا أبدًا، حتّى نتجنّب انحرافات خطيرة. بمعنى آخر، من يفترض أنّه ارتفع نحو الله، وهو لا يعيش محبّة القريب، فهو يخدع نفسه والآخرين.
نجد هنا المعيار نفسه الذي طبّقه فرنسيس على نوعيّة التّقوى الحقيقيّة. “عندما نقابل شخصًا يعيش انخطافات في صلاته، وبها يخرج ويرتفع فوق نفسه إلى الله، ومع ذلك لا يشعر بنشوة الحياة، أي لا يعيش حياة رفيعة ومرتبطة بالله، […] خصوصًا من خلال محبّة مستمرّة، صدّقني يا تيوتيمو، انخطافاته كلّها مشكوكٌ فيها وخطيرة جدًّا”. والخاتمة مهمّة جدًّا، قال: “أن تكون فوق نفسك في الصّلاة وتحت نفسك في الحياة والعمل، وأن تكون ملائكيًّا في التأمّل وحيوانيًّا في المحادثة […] هذه علامة حقيقيّة على أنّ هذه الانخطافات وهذه النّشوة ليست سوى تسلية وخداع من الرّوح الشرّيرة” [51]. إنّها الخلاصة لما ذكَّر به بولس أهل قورنتس في نشيد المحبّة، قال: “لَو كانَ لِيَ الإِيمانُ الكامِلُ فأَنقُلَ الجِبال، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحَبَّة، فما أَنا بِشَيء. ولَو فَرَّقتُ جَميعَ أَموالي لإِطعامِ المَساكين، ولَو أَسلَمتُ جَسَدي لِيُحرَق، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما يُجْديني ذلكَ نَفْعًا” (1 قورنتس 13، 2-3).
لذلك، بالنّسبة للقدّيس فرنسيس دي سالِس، لا تكون الحياة المسيحيّة أبدًا من دون نشوة، ومع ذلك، النّشوة ليست حقيقيّة من دون الحياة. في الواقع، توشك الحياة من دون النّشوة أن تتحوّل إلى طاعة مُبهَمَة، وإلى إنجيل نَسِيَ فرحه. من ناحية أخرى، النّشوة من دون الحياة تعرّض نفسها بسهولة إلى وهم وخداع الشّرّير. لا يمكن حلّ التّناقضات الكبيرة في الحياة المسيحيّة في ما بينها. بل تُحافظ إحداها على أصالة الأخرى. بهذه الطريقة، لا تكون الحقيقة من دون عدل، ولا المسرَّة من دون المسؤوليّة، ولا العفويّة من دون القانون، والعكس صحيح.
أمّا بالنّسبة للمصدر العميق لهذه النّشوة، فقد ربطها فرنسيس بحكمةٍ بالحبّ الذي أظهره الابن المتجسّد. إذا كان صحيحًا، من ناحية، أنّ “الحبّ هو الفعل الأوّل والمبدأ الأوّل لحياتنا التقويّة أو الروحيّة، التي من خلالها نعيش، ونشعر ونتأثّر”، ومن ناحية أخرى، أنّ “الحياة الروحيّة هي مثل حركاتنا العاطفيّة”، يكون من الواضح أنّ “القلب الذي لا عاطفة فيه، لا محبّة فيه”، وكذلك “قلب فيه محبّة، لا يمكن أن يكون بدون حركة عاطفيّة” [52]. إنّ مصدر هذا الحبّ الذي يجذب القلب هو حياة يسوع المسيح: “لا شيء يضغط على قلب الإنسان مثل الحبّ”، وقمّة هذا الضّغط أنّ “يسوع المسيح مات من أجلنا، وأعطانا الحياة بموته. ونحن نحيا فقط لأنّه مات، ومات من أجلنا وفينا ولمنفعتنا” [53].
إنّ هذه الإشارة مؤثّرة، وهي تُظهِر، بالإضافة إلى رؤية مشعّة وغير محسومة للعلاقة بين الله والإنسان، الرّباط العاطفي الوثيق الذي ربط الأسقف القدّيس بالرّبّ يسوع. إنّ حقيقة نشوة الحياة والعمل ليست أمرًا عامًّا، بل هي التي تظهر في صورة محبّة المسيح، والتي بلغت ذروتها على الصّليب. لا تُلغي هذه المحبّة الحياة، بل تجعلها تتجلّى بصورة غير عاديّة.
لهذا، وصف القدّيس فرنسيس دي سالِس الجلجلة، بصورة جميلة جدًّا، قال إنّها “جبل العُشّاق” [54]. هناك، وفقط هناك، يمكننا أن نفهم أنّه “لا يمكن أن تكون فينا الحياة من دون المحبّة، ولا المحبّة من دون موت الفادي: وما عدا ذلك، إمّا موت أبدي أو محبّة أبديّة، وكلّ الحكمة المسيحيّة تقوم بمعرفة الاختيار جيدًّا” [55]. هكذا كان فرنسيس بإمكانه أن يُنهي كتابه ”الخواطر“، مشيرًا إلى خاتمةِ خطابٍ للقدّيس أغسطينس في المحبّة: “ما هو بالنسبة لكم أكثر إخلاصًا من المحبّة؟ إخلاص ليس للفاني بل للأبدي. إنّها تتحمّل كلّ شيء في الحياة الحاضرة، لأنّها تؤمن بكلّ شيء عن الحياة المستقبلَة: إنّها تتحمّل كلّ الأمور التي أعطيت لنا لنتحمّلها، لأنّها تترجّى كلّ ما وُعِدْنا به هناك. بالتأكيد ليس للمحبّة نهاية. لذلك، مارسوا المحبّة، وأثمروا العدل والبر بتأمّلكم فيها بطريقة مقدّسة. وإن وجدتم، في تسبيحكم لها، أمورًا أخرى لم أخبركم بها الآن، سترونها في طريقة حياتكم” [56].
هذا ما يظهر من حياة القدّيس أسقف آنسِي، وهذا ما سلَّمه مرّة أخرى لكلّ واحدٍ منّا. لتساعدنا الذّكرى المئويّة الرّابعة لميلاده في السّماء أن نحيي ذكراه بتقوى؛ وليسكب الرّبّ يسوع بشفاعته مواهب الرّوح القدس بغزارة على طريق شعب الله المقدّس المؤمن.
روما، بازيليكا القدّيس يوحنا في اللاتران، يوم 28 كانون الأوّل/ديسمبر 2022.
فرنسيس
************
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2022
[1]القديس فرنسيس دي سالِس، خواطر في حبّ الله، مقدمة: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 336.
S. Francesco di Sales, Traité de l’amour de Dieu, Préface: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 336.
[2]المؤلّف نفسه، رسالة 2103: إلى السيّد سيلفستر دي ساليس ديلا منتي، رئيس دير أوتيكومب (3 تشرين الثاني/نوفمبر 1622)، في مؤلفاتالقديس فرنسيس دي سالِس، 26، آنسي 1932، 490-491.
Id., Lett. 2103: A Monsieur Sylvestre de Saluces de la Mente, Abbé d’Hautecombe (3 nov. 1622), in Œuvres de Saint François de Sales, XXVI, Annecy 1932, 490-491.
[3]المؤلّف نفسه، رسالة 1961، إلى سيّدة (19 كانون الأوّل/ديسمبر 1622)، في مؤلفاتالقديس فرنسيس دي سالِس، 20 ( رسائل، 10: 1621-1622)،آنسي 1918، 395.
Id., Lett. 1961: À une dame (19 dic. 1622), in Œuvres de Saint François de Sales, XX (Lettres, X: 1621-1622), Annecy 1918, 395.
[4] المؤلّف نفسه، خواطر في حبّ الله، 1، 15: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 395.
Id., Traité de l’amour de Dieu, I, 15: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 395.
[5] المؤلّف نفسه، أحاديث روحيّة، آخر حديث [21]: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 1319.
Id., Entretiens spirituels, Dernier entretien [21]: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 1319.
[6]الإرشاد الرسولي، اِفَرحوا وابتَهِجوا (19 آذار/مارس 2018)، 49: أعمال الكرسي الرّسولي 110 (2018)، 1124.
Esort. ap. Gaudete et exsultate (19 marzo 2018), 49: AAS 110 (2018), 1124.
[7] المرجع نفسه، 57: أعمال الكرسي الرّسولي 110 (2018)، 1127.
Ibid., 57: AAS 110 (2018), 1127.
[8]راجع المرجع نفسه، 37-39: أعمال الكرسي الرّسولي 110 (2018)، 1121-1122.
Cfr ibid., 37-39: AAS 110 (2018), 1121-1122.
[9]القديس فرنسيسدي سالِس، أحاديث روحيّة، آخر حديث [21]: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 1319.
S. Francesco di Sales, Entretiens spirituels, Dernier entretien [21]: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 1319.
[10] المرجع نفسه، 1308.
[11] المرجع نفسه.
[12] رسالة إلىالمونسنيور إيف بوافينو (Mons. Yves Boivineau)، أسقف آنسي، في مناسبة الذكرى المئويّة الرابعة بعد المائة للسيامة الأسقفية للقديس فرنسيس دي سالِس، 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2002، 3: تعاليم يوحنا بولس الثاني، 25/2 (2002)، 767.
[13]القديس فرنسيسدي سالِس، خواطر في حبّ الله، مقدمة: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 336.
S. Francesco di Sales, Traité de l’amour de Dieu, Préface: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 336.
[14]بندكتس السادس عشر، تعليم مسيحي، 2 آذار/مارس 2011، تعاليم، 7/1 (2011)، 270.
Benedetto XVI, Catechesi, 2 marzo 2011: Insegnamenti, VII/1 (2011), 270.
[15] القديس فرنسيس دي سالِس ،شذرات من الكتابات الحميمة، 3: فعل الاستسلام البطولي، في مؤلفات القديس فرنسيس دي سالِس، 22 ( كتيبات، 1)، آنسي 1925، 41.
S. Francesco di Sales., Fragments d’écrits intimes, 3: Acte d’abandon héroïque, in Œuvres de Saint François de Sales, XXII (Opuscules, I), Annecy 1925, 41.
[16]راجع كلمة إلى اللجنة اللاهوتية الدولية (29 تشرين الثاني/نوفمبر 2019): L’Osservatore Romano، 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، صفحة 8.
Cfr Discorso alla Commissione Teologica Internazionale (29 nov. 2019): L’Osservatore Romano, 30 novembre 2019, p. 8.
[17] القديس فرنسيس دي سالِس، رسالة 165: إلى قداسة البابا كليمنس الثامن (نهاية تشرين الأوّل/أكتوبر 1602)، في مؤلفات القديس فرنسيس دي سالِس، 12 ( رسائل، 2: 1599-1604)، آنسي 1902، 128.
S. Francesco di Sales, Lett. 165: À Sa Sainteté Clément VIII (fine ottobre 1602), in Œuvres de Saint François de Sales, XII (Lettres, II: 1599-1604), Annecy 1902, 128.
[18] هنريبريموند، المذهب الإنساني المتدين: 1580-1660، في التاريخ الأدبي للمشاعر الدينية في فرنسا: من نهاية الحروب الدينية حتى يومنا هذا، 1، جيروم ميلون،غرنوبل2006، 131.
H. Bremond, L’humanisme dévôt: 1580-1660, in Histoire littéraire du sentiment religieux en France: depuis la fin des guerres de religion jusqu’à nos jours, I, Jérôme Millon, Grenoble 2006, 131.
[19] القديس فرنسيس دي سالِس، رسالة 168: إلى راهبات دير ”بنات-الله“ (22 تشرين الثاني/نوفمبر 1602)، في مؤلفات القديس فرنسيس دي سالِس، 12 ( رسائل، 2: 1599-1604)، آنسي 1902، 105.
S. Francesco di Sales, Lett. 168 : Aux religieuses du monastère des «Filles-Dieu» (22 novembre 1602), in Œuvres de Saint François de Sales, XII (Lettres, II: 1599-1604), Annecy 1902, 105.
[20]بندكتس السادس عشر، تعليم مسيحي، 2 آذار/مارس 2011: تعاليم، 7/1 (2011)، 272.
Benedetto XVI, Catechesi, 2 marzo 2011: Insegnamenti, VII/1 (2011), 272.
[21]القديس فرنسيس دي سالِس، رسالة 1869: إلى السيّد بيير جي (1620 أو 1621)، في مؤلفات القديس فرنسيس دي سالِس، 20 ( رسائل، 10: 1621-1622)، آنسي 1918، 219.
S. Francesco di Sales, Lett. 1869: À M. Pierre Jay (1620 o 1621), in Œuvres de Saint François de Sales, XX (Lettres, X: 1621-1622), Annecy 1918, 219.
[22] المرجع نفسه.
[23] المؤلّف نفسه، خواطر في حبّ الله، مقدمة: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 339.
Id., Traité de l’amour de Dieu, Préface: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 339.
[24] المرجع نفسه، 347.
[25] المرجع نفسه، 338-339.
[26]راجع كلمة قداسة البابا فرنسيس في اللقاء مع الأساقفة والكهنة والرّهبان والرّاهبات والإكليريكيّين ومعلّمي التّعليم المسيحي، براتيسلافا، 13 أيلول/سبتمبر 2021: L’Osservatore Romano، 13 أيلول/سبتمبر 2021، صفحة 11-12 .
Cfr Discorso ai vescovi, sacerdoti, religiosi, seminaristi e catechisti, Bratislava, 13 settembre 2021: L’Osservatore Romano, 13 settembre 2021, pp. 11-12.
[27]راجع المرجع نفسه.
[28]القديس فرنسيس دي سالِس، خواطر في حبّ الله، 2، 12: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 444.
S. Francesco di Sales, Traité de l’amour de Dieu, II, 12: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 444.
[29]“بِحِبالِ البَشَرِ [فولجاتا: بِحبال آدم]ِ، بِرَوابِطِ الحُبِّ اجتَذَبتُهم وكُنتُ لَهم كمَن يَرفَعُ الرَّضيعَ إِلى وَجنَتَيه، وانحَنَيتُ علَيه وأَطعَمتُه”.
[30]القديس فرنسيس دي سالِس، خواطر في حبّ الله، 2، 12: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 444.
S. Francesco di Sales, Traité de l’amour de Dieu, II, 12: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 444.
[31] المرجع نفسه، 2، 12: 444-445.
[32] المرجع نفسه، 2، 9: 434.
[33] المرجع نفسه، 2، 12: 446.
[34] لنعد لنحلم. الطريق من أجل مستقبل أفضل، محاورة مع أوستينايڤيريج، ميلانو، 2020، 8.
Ritorniamo a sognare. La strada per un futuro migliore, Conversazione con Austen Ivereigh, Piemme, Milano 2020, 8.
[35]القديس فرنسيس دي سالِس، مدخل إلى حياة التّقوى، 1، 1: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 31.
S. Francesco di Sales, Introduction à la vie dévote, I, 1: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 31.
[36] المرجع نفسه: 31-32.
[37] المرجع نفسه: 32.
[38] المرجع نفسه.
[39] المرجع نفسه.
[40] المرجع نفسه: 33.
[41] المرجع نفسه، مقدمة: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 23.
[42]رسالة بابويّة، جوهرة سافويا في مناسبة الذكّرى المئويّة الرّابعة لميلاد القديس فرنسيس دي سالِس معلّم الكنيسة (29 كانون الثّاني/يناير 1967): أعمال الكرسي الرّسولي 59 (1967)، 119.
Epist. Ap.Sabaudiae gemma nel IV centenario della nascita di San Francesco di Sales, dottore della Chiesa (29 gennaio 1967): AAS 59 (1967), 119.
[43]المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الكنيسة، نور الأمم، رقم 11.
[44]الإرشاد الرّسولي، اِفَرحوا وابتَهِجوا، رقم 11: أعمال الكرسي الرّسولي 110 (2018)، 1114.
Esort. ap. Gaudete et exsultate, 11: AAS 110 (2018), 1114.
[45] المرجع نفسه.
[46]القديس فرنسيس دي سالِس، خواطر في حبّ الله، 7، 6: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 682.
S. Francesco di Sales, Traité de l’amour de Dieu, VII, 6: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 682.
[47]الإرشاد الرّسولي، فرح الإنجيل (24 تشرين الثاني/نوفمبر 2013)، رقم 6: أعمال الكرسي الرّسولي 105 (2013)، 1021-1022.
Esort. ap.Evangelii gaudium(24 novembre 2013),6: AAS105 (2013), 1021-1022.
[48]القديس فرنسيس دي سالِس، خواطر في حبّ الله، 7، 6: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 682-683.
S. Francesco di Sales, Traité de l’amour de Dieu, VII, 6: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 682-683.
[49] المرجع نفسه: 683.
[50]الإرشاد الرّسولي، فرح الإنجيل، رقم 2: أعمال الكرسي الرّسولي 105 (2013)، 1019-1020.
Esort. ap.Evangelii gaudium, 2: AAS 105 (2013), 1019-1020.
[51]القديس فرنسيس دي سالِس، خواطر في حبّ الله، 7، 7: طبعه رافيي – ديفوس، باريس 1969، 685.
S. Francesco di Sales, Traité de l’amour de Dieu, VII, 7: ed. Ravier – Devos, Paris 1969, 685.
[52] المرجع نفسه، 684.
[53] المرجع نفسه، 7، 8: 687-688.
[54] المرجع نفسه، 12، 13: 971.
[55] المرجع نفسه.
[56] خطابات القديس أغسطينس، 350، 3: المؤلفات اللاتينية لأباء الكنيسة، 39، 1535.
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana