PRIÈRE ŒCUMÉNIQUE - Mausolée John Garang (Djouba) @ Vatican Media

البابا: الصّلاة هي أوّل وأهمّ شيء نحن مدعوّون إلى القيام به

النصّ الكامل لكلمة قداسة البابا فرنسيس في الصّلاة المسكونيّة في جوبا
السّبت 4 شباط/فبراير 2023

Share this Entry

السّيّد رئيس الجمهوريّة،

السُّلُطات الدينيّة والمدنيّة المحترمين،

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

من هذه الأرض المحبوبة والمـُعذَّبة، صعِدَتْ قبل قليل صلوات كثيرة إلى السّماء: اجتمعت أصوات مختلفة معًا، وكوَّنَتْ صوتًا واحدًا. معًا، نحن، شعب الله المقدّس، صلّينا من أجل هذا الشّعب الجريح. كمسيحيّين، الصّلاة هي أوّل وأهمّ شيء نحن مدعوّون إلى القيام به، حتّى نتمكّن من أن نعمل، ما يلزم أن نعمله، ولتكون لنا القوّة لمتابعة مسيرتنا. الصّلاة والعمل والسّير: لنفكّر في هذه الأعمال الثلاثة.

أوّلًا، الصّلاة. إنّ الالتزام الكبير للجماعات المسيحيّة في تعزيز الإنسان والتّضامن والسّلام يكون عبثًا بدون الصّلاة. في الواقع، لا يمكننا تعزيز السّلام دون أن نبتهل أوّلًا إلى يسوع “رَئيسَ السَّلام” (أشعيا 9، 5). ما نعمله للآخرين ونتشارك فيه مع الآخرين هو قبل كلّ شيء هبة مجانيّة نتلقاها منه تعالى في أيدينا الفارغة. إنّها نعمة، نعمة فقط. نحن مسيحيّون لأنّ المسيح يحبّنا مجّانًا.

صباح هذا اليوم، ألهمَتْني شخصيّة موسى، والآن، بخصوص الصّلاة، أودّ أن أذكر حادثة حاسمة حدثت معه ومع شعبه، عندما بدأ لتوِّه في مرافقته في رحلته إلى الحرّيّة. عند وصوله إلى شواطئ البحر الأحمر ظهر، أمام عينيه وعيون شعب بني إسرائيل، مشهد مأساويّ: البحر أمامه وحاجز المياه التي لا يمكن اجتيازها، وجيش العدو خلفه يقترب بالمركبات والخيول. ألّا يذكّر هذا بالخطوات الأولى لهذا البلد، الذي هاجمته مياه الموت، مياه الفيضانات الكارثيّة التي ضربته، وعنف الحرب الوحشيّة؟  في هذا الموقف اليائس، قال موسى للشعب: “لا تَخافوا، اُصمُدوا تُعايِنوا الخَلاصَ الَّذي يُجْريه الرَّبُّ اليَومَ لَكم” (خروج 14، 13). والآن أتساءل: من أين جاءته هذه القوّة، والشّعب الخائف كان مستمرًّا في شكواه؟ هذه القوّة جاءته من الإصغاء إلى الله (راجع الآيات 2-4) الذي وعده بإظهار مجده. الاتحاد بالله، والثّقة به التي كان ينميها بالصّلاة، كان السّرّ الذي استطاع به موسى أن يرافق شعبه من الظّلم إلى الحرّيّة.

كذلك الأمر لنا: الصّلاة تعطينا القوّة لنتقدَّم، ونتغلَّب على المخاوف، ونرى، حتّى في الظّلمة، الخلاص الذي يُعِدّه الله لنا. بل، الصّلاة تحمل خلاص الله إلى الشّعب. صلاة الشّفاعة، التي ميّزت حياة موسى (راجع خروج 32، 11-14)، هي التي نلتزم بها نحن بصورة خاصّة، رعاة شعب الله المقدّس. حتّى يتدخل ربُّ السّلام حيث لا يقدر الناس أن يصنعوا السّلام، يجب الصّلاة: صلاة شفاعة ثابتة ومستمرّة. أيّها الإخوة والأخوات، لِنسند بعضنا بعضًا في هذا: في كنائسنا المختلفة، لنشعر بأنّنا متّحدون فيما بيننا، عائلة واحدة. ولنشعر أنّنا مضطرون للصّلاة من أجل الجميع. في رعايانا وكنائسنا وجماعات عبادتنا وتسابيحنا، لنصلِّ مثابرين ومتفقين (راجع أعمال الرّسل 1، 14) حتّى يصل جنوب السّودان، مثل شعب الله في الكتاب المقدّس، إلى أرض الميعاد: وليتصرّف، في الهدوء والمساواة، بأرضه الخصبة والغنيّة التي يمتلكها، ولتمتلئ بالسّلام الموعود، والذي لم يأتِ بعد، للأسف.

ثانيًا، نحن مدعوّون إلى العمل من أجل قضيّة السّلام. لأنّ يسوع يريدنا أن نكون “صانعي سلام” (راجع متّى 5، 9)، فهو يريد أن تكون كنيسته ليس فقط علامة وأداة اتحاد حميم مع الله، بل أيضًا أداة وَحدة بين كلّ الجنس البشري (راجع نور الأمم، 1). يقول بولس الرّسول، إنّ المسيح “هو سلامنا”، بمعنى إعادة الوَحدة بيننا: هو الذي ”جعل من الجماعتين جماعة واحدة وهدم في جسده الحاجز الذي يفصل بينهما، أي العداوة“ (راجع أفسس 2، 14). هذا هو سلام الله: ليس فقط هدنة بين النّزاعات، بل شركة ثابتة بين إخوة، تأتي من الانضمام وليس من الاستيعاب. من المغفرة لا من السّيطرة، ومن المصالحة وليس من واحد يفرض نفسه على الآخر. رغبة السّماء في السّلام كبيرة جدًّا لدرجة أنّها أُعلنت في لحظة ميلاد المسيح: “والسَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاس فإِنَّهم أَهْلُ رِضاه!” (لوقا 2، 14). وكان حزن يسوع عظيمًا لرفض هذه النّعمة التي جاء يحملها، فبكى على أورشليم قائلًا: “لَيتَكِ عَرَفتِ أَنتِ أَيضًا في هٰذا اليَومِ طَريقَ السَّلام!” (لوقا 19، 42).

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لنعمَلْ بلا كلل من أجل هذا السّلام الذي يدعونا روح يسوع والآب إلى بنائه: سلام يدمج التنوع ويعزّز الوَحدة في التّعددية. هذا هو سلام الرّوح القدّس، الذي يضع الانسجام في الاختلافات، بينما روح عدو الله والإنسان يركّز على الاختلافات ليعمِّق بيننا الانقسامات. في هذا الصدد يقول الكتاب: “ما يُمَيِّزُ أَبناءَ اللهِ مِن أَبناءِ إِبليس هو أَنَّ كُلَّ مَن لا يَعمَلُ البِرَّ لَيسَ مِنَ الله، ومِثلُه مَن لا يُحِبُّ أَخاه” (1 يوحنّا 3، 10). أيّها الأعزّاء، من يقول إنّه مسيحيّ، عليه أن يختار: على أي جانب يقف. من يتبع المسيح يختار السّلام، دائمًا. من يشنُّ الحروب والعنف يخون الرّبّ يسوع وينكر إنجيله. إنّ الأسلوب الذي يعلِّمُنا إياه يسوع واضح: أن نحبّ الجميع، لأنّ الجميع أبناء ومحبوبون لدى الله الآب الواحد الذي في السّماء. محبّة المسيحيّ ليست فقط للأقربين، بل لكلّ واحد، لأنّ كلّ واحد في يسوع هو قريبنا، وأخونا وأختنا، وعدونا أيضًا هو قريبنا (راجع متّى 5، 38-48)، وبأولى حجة الذين هم من شعبنا، ولو كانوا من أصل عرقي مختلف. “أَحِبُّوا بَعْضُكم بَعضًا كما أَحبَبتُكم” (يوحنّا 15، 12). هذه وصيّة يسوع، التي تتعارض مع كلّ نظرة قبلية للدين. “ليكونوا بِأَجمَعِهم واحِدًا” (يوحنّا 17، 21): هذه هي صلاة يسوع التي رفعها من أعماق قلبه إلى الآب من أجلنا نحن المؤمنين جميعًا.

لِنَعمَلْ، أيّها الإخوة والأخوات، من أجل هذه الوَحدة الأخويّة بيننا نحن المسيحيّين، ولنساعد بعضنا البعض لنشر رسالة السّلام في المجتمع، ونشر أسلوب يسوع في اللاعنف، حتّى لا يبقى مكان للانتقام، في الذين يعلنون أنّهم مؤمنون، حتّى لا يبقى الإنجيل كلامًا دينيًّا جميلًا، بل نبوءة، تصبح حقيقة في التّاريخ. لِنَعمَلْ من أجل هذا: لِنَعمَلْ من أجل السّلام، فنَنسِجَ ونُصلِحَ ما تمزّق، ولا يكن عملنا أبدًا تمزيقًا أو تقطيعًا. لِنَتبَعْ يسوع، ولْنَسِرْ خلفه بخطوات واحدة في طريق السّلام (راجع لوقا 1، 79).

وهذا الفعل الثّالث، الصّلاة والعمل، والسّير معًا. هنا، مدة عشرات السّنين، التزمت الجماعات المسيحيّة بقوّة بتعزيز مسارات المصالحة. أريد أن أشكركم لهذه الشّهادة المضيئة للإيمان، التي ولدت من الاعتراف ليس فقط بالكلمات، بل بالأفعال، أنّه قبل الانقسامات التّاريخيّة هناك حقيقة ثابتة: نحن مسيحيّون، نحن للمسيح. من الجميل أنّ الانتماء المسيحيّ، في وسط الصّراعات الكثيرة، لم يفكّك السّكان أبدًا، بل كان ولا يزال عاملًا للوَحدة. إنّ التّراث المسكوني لجنوب السّودان هو كنز ثمين، وتسبيح لاسم يسوع، ومحبّة للكنيسة عروسه، ومثال عالميّ لطريق الوَحدة المسيحيّة. إنّه إرث يجب الحفاظ عليه بالرّوح نفسها: الانقسامات الكنسيّة في القرون الماضيّة لا يكُنْ لها صدًى على الذين يُبشَّرون بالإنجيل، بل ليساعد بذار الإنجيل على نشر مزيد من الوَحدة. القبليّة والفئويّة التي تغذي العنف في البلاد لا يكُنْ لها أثر على العلاقات بين الديانات. على العكس، لتنعكس شهادة وَحدة المؤمنين على الشّعب كلّه.

بهذا المعنى، في الختام، أودّ أن أقترح كلمتَين أساسيتَين لاستمرار مسيرتنا: الذاكرة والالتزام. الذاكرة: الخطوات التي تتخذونها لتكُنْ على خُطى أسلافكم. لا تخافوا وتقولوا: لا نقدر، بل اشعروا في أنفسكم أنّ الذين سبقوكم هم يدفعونكم في هذه الطّريق: كما هو الحال في سباق المراحل، اجمعوا علامات كلّ مرحلة إلى أن تصلوا إلى الهدف، الذي هو شركة كاملة ومرئيّة. ثمّ الالتزام: نسير نحو الوَحدة عندما يكون الحبّ عمليًّا، وعندما نساعد بعضنا بعضًا، ولا سيّما الواقفين على الهامش والجرحى والمـُبعَدين. إنّكم تعملون هذا مِن قَبل في مجالات عديدة، أفكّر خصوصًا في الرّعاية الصّحيّة والتّعليم وأعمال المحبّة: كم من المساعدات العاجلة والضّروريّة حملتم إلى السّكان! شكرًا لكم على هذا. استمرّوا في ذلك: لا متنافسِين، بل أهلَ بيت واحد، إخوةً وأخوات، تشفقون على المتألّمين، أحباءَ يسوع، فتمجدون الله وتشهدون للشركة التي يحبّها.

أيّها الأعزّاء، أتينا إليكم، أنا وإخوتي حجَّاجًا بينكم، أنتم شعب الله المقدّس السّائرين معًا. ولو كنَّا بعيدين جسديًّا عنكم، سنكون دائمًا قريبين منكم. لنبدأ كلّ يوم بالصّلاة من أجل بعضنا البعض ومع الآخرين، وبالعمل معًا، شهودًا ووسطاء لسلام يسوع، وبالسّير على الطّريق الواحدة، وباتخاذ خطوات عمليّة في المحبّة والوَحدة. في كلّ شيء، ”لنحِبَّ بعضنا بعضًا حبًّا ثابتًا، وبقلب طاهر“ (راجع 1 بطرس 1، 22).

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2023


Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير