Soudan du Sud - Rencontre avec les autorités, la société civile et le corps diplomatique @ Vatican Media

البابا: حان الوقت لكي نقول كفى، من دون ”إذا“ ومن دون ”لكن”

النصّ الكامل لكلمة قداسة البابا فرنسيس
في اللقاء مع السُّلُطات وممثّلي المجتمع المدنيّ والسّلك الدبلوماسيّ
في القصر الرّئاسي في جوبا – الجمعة 3 شباط 2023

Share this Entry

السّيّد رئيس الجمهوريّة،

السّادة نوَّاب رئيس الجمهوريّة،

أعضاء الحكومة والسّلك الدبلوماسيّ المحترمين،

السُّلُطات الدينيّة المحترمين،

ممثّلي المجتمع المدنيّ وعالم الثّقافة المحترمين،

سيداتي، سادتي،

يُسعدني أن أكون في هذه الأرض التي أحملها في قلبي. أشكركم، سيادة الرّئيس، على كلمات التّرحيب التي وجّهتموها إلَيّ. أحيّي كلّ واحدٍ منكم، ومن خلالكم، جميع النّساء والرّجال الذين يسكنون هذا البلد الشّاب والعزيز. أتيت حاجَّ مُصالحة، أحمل حُلمًا: أن أرافقكم في مسيرتكم نحو السّلام، إنّها مسيرة مُتعرِّجة صعبة، ولكن لا يمكن بعد تأجيلها. لم آتِ إلى هنا وحدي، لأنّنا، في السّلام، كما في الحياة، نسير معًا. لذلك، أتيت إليكم مع أخَوَين، هُما: رئيس أساقفة كانتربري ورئيس الجمعيّة العامّة لكنيسة اسكتلندا، اللذَين أشكرهما على ما سيقولانه لنا. ونحن معًا، نمدُّ أيدينا إليكم، ونقدّم أنفسنا لكم ولهذا الشّعب باسم يسوع المسيح، رئيس السّلام.

في الواقع، بدأنا هذه الرحلة، رحلة حجّ مسكونيّة من أجل السّلام، بعد أن سمعنا صرخة شعب بأكمله يبكي، وبكرامة كبيرة، بسبب العنف الذي يعاني منه، وانعدام الأمن الدّائم، والفقر الذي يصيبه، والكوارث الطبيعيّة التي تعصف به. سنوات من الحروب والصّراعات التي تبدو أنّها لا تعرف النّهاية، وفي الآونة الأخيرة كانت هناك اشتباكات مريرة، بينما تبدو عمليّات المصالحة مشلولة ووعود السّلام غير محقَّقة. لا تذهَبْ سُدًى هذه المعاناة المُرهقة، وصبرُ وتضحيات شعب جنوب السّودان، وهؤلاء النّاس الشّباب، والمتواضعين والشّجعان: تضحياتهم تخاطب الجميع. ليَرَ هذا البلدَ براعم السّلام تُزهر وتؤتي ثمارها، مثل البذار التي تعطي الحياة للنّبات في الأرض. أيّها الإخوة والأخوات، حان وقت السّلام!

تكثر هنا الفاكهة والنّباتات بفضل النّهر الكبير الذي يعبر البلد. ما قاله المؤرّخ القديم هيرودوتُس عن مِصر، أيْ إنّها ”عطيّة نهر النّيل“، ينطبق أيضًا على جنوب السّودان. حقًا، كما يقال هنا، هذه الأرض هي ”أرض الخيرات والوفرة الكبيرة“. لذلك، أودّ أن أسمح لنفسي أن أسير مع صورة النّهر الكبير الذي يعبر هذا البلد الحديث، وذا التّاريخ العريق. عبر العصور، تقدّم المستكشفون في الأرض التي فيها نحن متواجدون الآن، لكي يصعدوا النّيل الأبيض بحثًا عن ينابيع أطول نهر في العالم. ومن البحث عن ينابيع الحياة المشتركة بالتّحديد، أودّ أن أبدأ مسيرتي معكم. لأنّ هذه الأرض، التي تزخر بخيرات كثيرة تحت الأرض، لكن خصوصًا في قلوب وعقول سكّانها، هي بحاجة اليوم إلى ينابيع فيها نضارة وحياة، تُروِي عطشها من جديد.

أصحاب السيادة، السُّلطات المحترمين، أنتم هذه الينابيع، الينابيع التي تروي الحياة المشتركة، أنتم آباء وأمّهات هذا البلد الفَتِيّ. أنتم مدعوّون إلى أن تجدّدوا الحياة الاجتماعيّة، بكونكم ينابيع الازدهار والسّلام الصافية، لأنّ ما يحتاجه أبناء جنوب السّودان هو: آباء لا أسياد، وخطوات تطوّر ثابتة، لا تعثرات مستمّرة. لتتبدَّلْ السّنوات التي تَلَت ولادة البلد، والتي تميّزت بطفولة مجروحة، ولتترك المجال لنموٍّ سلميّ. السُّلطات الموقرة، سيتذكّركم ”أبناؤكم“ والتّاريخ نفسه إن كنتم قد عَمِلتُم الخَير لهذا الشّعب، الذي أُوكِلَ إليكم لتخدموه. ستكرّمكم الأجيال القادمة أو ستمحو ذكرى أسمائكم، بناءً على ما تصنعونه الآن، لأنّه، مثل النهر الذي يترك منابِعَه لكي يسير في مجراه، كذلك مجرى التّاريخ سيترك وراءه أعداء السّلام وسيرفع عاليًا الذين يصنعون السّلام: في الواقع، يعلّم الكتاب المقدّس أيضًا أنَّ ” لِلمُسالِمِ ذُرِّيَّةً باقِيَة” (راجع سفر المزامير 37، 37).

وأمّا العنف فيعيد مجرى التّاريخ إلى الوراء. لاحظ هيرودوتس نفسه الاضطرابات بين الأجيال، وأشار إلى أنّه في الحرب، ليس الأبناء هم الذين يدفنون آباءهم، بل الآباء هم الذين يدفنون أبناءهم (راجع التّاريخ، 1، 87). حتّى لا تصير هذه الأرض مقبرة، بل تعود لتكون حديقة مزدهرة، أطلب منكم، ومن كلّ قلبي، أن تقبلوا كلمة بسيطة: وليست كلمتي، بل هي كلمة المسيح. قالها بالتّحديد في بُستان، في الجسمانيّة، عندما واجه تلميذه الذي استلّ سيفه وقال له: “كفى!” (لوقا 22، 51). السّيّد الرّئيس، والسّادة نوَّاب الرّئيس، باسم الله، الذي صلّينا إليه معًا في روما، الإله الوديع والمتواضع القلب (راجع متّى 11، 29) الذي يؤمن به أناسٌ كثيرون في هذا البلد العزيز، حان الوقت لكي نقول كفى، من دون ”إذا“ ومن دون ”لكن“: كفى سفكٌ للدّماء، كفى صراعات، وكفى عنف واتّهامات متبادلة لمن يرتكبونها، وكفى أن نترك الشّعب متعطّشًا إلى السّلام. كفى دمار، قد حان وقت البِناء! لنُلقِ خلفنا زمن الحرب ولِيُشرق زمن السّلام! وفي هذا الصدد، السّيّد الرّئيس، تلك المحادثة الليلية التي أجريناها منذ سنوات في أوغندا تعود إلى قلبي: إرادتك من أجل السّلام كانت هناك… لنستمرّ في هذا!

ولنعد إلى ينابيع النّهر، وإلى الماء الذي يرمز إلى الحياة. في ينابيع هذا البلد، توجد كلمة أخرى، تدل على المسيرة التي بدأها شعب جنوب السّودان في 9 تمّوز/يوليو 2011، وهي: الجمهوريّة. ولكن، ماذا يعني أن نكون جمهوريّة؟ يعني أن نعترف بأنّنا جمهور، بأنّنا واقع عامٌّ للجمهور، أيْ، أن نؤكّد على أنّ الدّولة هي للجميع، ومن ثَمّ، الذي يحمل فيها مسؤوليّات كبرى، فيترأسها أو يحكمها، لا يمكنه إلّا أن يضع نفسه في خدمة الخير العام. هذا هو هدف السُّلطة: أن تخدم الجماعة. بينما، التّجربة المتربّصة دائمًا هي أن نستخدم السُّلطة من أجل مصالحنا الخاصّة. لذلك، لا يكفي أن ندعو أنفسنا جمهوريّة، بل علينا أن نكون جمهوريّة، بدءًا من الخيرات الأوليّة، وهي: ألّا تكون الموارد الوافرة التي بها بارك الله هذه الأرض محصورة في أيدي عدد قليل، بل هي من نصيب الجميع، وفي خِطَط الانتعاش الاقتصادي لتُوضَعْ مشاريع من أجل توزيعٍ عادلٍ للثّروات.

التّطوّر الدّيمقراطيّ هو أساسيّ من أجل حياة الجمهوريّة. إنّه يحمي التّمييز المُفيد بين السّلطات، بحيث يستطيع، مثلًا، من يُدير القضاء، أن يمارسه من دون شروطٍ أو ضغوط مِن قِبَل من يُشَرِّع أو يحكم. تفترض الدّيمقراطيّة أيضًا احترام حقوق الإنسان، التي يحميها القانون وتطبيقه، وخصوصًا لضمان حريّة التّعبير عن الرّأي. في الواقع، علينا أن نتذكّر أنّه من دون العدل لا يوجد سلام (راجع القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، رسالة في مناسبة اليوم العالمي الخامس والثّلاثين للسّلام، 1 كانون الثّاني/يناير 2002)، ولكن أيضًا، من دون الحريّة لا يوجد عدل. لذلك، يجب أن نعطي كلّ مواطن ومواطِنة الإمكانيّة في أن يستغلّوا عطيّة وجودهم الفريد والذي لا شبيه له، بالوسائل المناسبة لتحقيقه: كما كتب البابا يوحنّا، “كلّ إنسان له الحقّ في الوجود، والسّلامة الجسديّة، والوسائل اللازمة والكافية من أجل حياة كريمة” (القدّيس يوحنّا الثّالث والعشرون، الرّسالة العامّة، السّلام على الأرض، 6).

نهر النّيل، بعد أن ترك الينابيع، وعَبَرَ بعض المناطق شديدة الانحدار التي كوَّنَت الشلّالات والمنحدرات المائية السّريعة، وعندما دخل سهل جنوب السّودان، وبالقرب من جوبا بالتّحديد، صار صالحًا للإبحار، ثمّ دخل في مناطق مليئة بالمستنقعات. وبالمِثِل، أتمنّى ألّا يسير مسار الجمهوريّة نحو السّلام صعودًا وهبوطًا، بل، انطلاقًا من هذه العاصمة، أن يبقى جاريًا، ولا يقَعَ في مستنقع الخمول. أيّها الأصدقاء، حان الوقت لأن ننتقل من الأقوال إلى الأفعال. حان الوقت لأن نطوي صفحة الماضي، وحان الوقت لأن نلتزم من أجل تحوّل مستعجل وضروريّ. تتطلّب عمليّة السّلام والمصالحة هزّةً جديدة. لنفهم بعضنا بعضًا ولنستمرّ في اتفاقيّة السّلام، كما وأيضًا في خارطة الطّريق. في عالم يتميّز بالانقسامات والنّزاعات، يستضيف هذا البلد رحلة حجٍّ مسكونيّة للسّلام، وهو أمرٌ نادرُ الحدوث. ليكن هذا الحجّ دافعًا إلى تغييرٍ في المسيرة، وفرصة لجنوب السّودان لأن يبدأ من جديد بالإبحار في المياه الهادئة، ويستأنف الحوار، دون ازدواجيّة وانتهازيّة. لتكن هذه فرصة للجميع لإحياء الرّجاء، ليس فقط للحكومة، بل للجميع: ليدرك كلّ مواطن أنّ هذا الوقت لم يعد وقتًا نقبل فيه أن ننجرف في مياه الكراهية الضّارة، والقبليّة، والإقليمية، والاختلافات العرقيّة، بل حان الوقت لأن نُبْحِر معًا نحو المستقبل! معًا. يجب ألّا ننسى هذه الكلمة: معًا.

يساعدنا مسار النّهر الكبير مرّة أخرى، ويُلهِمُنا الطّريقة. في متابعة مجراه، نحو بحيرة ”نو“، ينضمّ إلى نهر آخر، ويبدأ ما يسمّى بالنّيل الأبيض. إذّاك، من اللقاء، ينشأ لمعان المياه الصّافية. هذه هي الطّريقة: أن نحترم بعضنا بعضًا، ونعرف بعضنا بعضًا، ونتحاور. لأنّه، إن كان وراء كلّ عنفٍ غضبٌ واستياء، ووراء كلّ غضبٍ واستياء ذكرى جراحٍ لم تلتَئم، وإهانات وأخطاء، فالاتّجاه من أجل الخروج من ذلك هو فقط اللِقاء، ثقافة اللقاء: أن نستقبل الآخرين إخوةً لنا ونعطيهم مجالًا، وأن نعرف أيضًا كيف نتراجع عن مواقفنا. هذا الموقف الأساسيّ لعمليّات السّلام، لا غنى عنه أيضًا من أجل التّنمية المتماسكة للمجتمع. ولكي ننتقل من وحشيّة المصادمات إلى حضارة اللِقاء الحاسمة، هذا هو الدّور الذي يمكن للشّباب أن يقوموا به، ويريدون أن يقوموا به. لذلك، لنؤمّن لهم مساحات لقاءٍ حُرّة، لكي يجتمعوا ويتناقشوا، فيمكنهم أن يأخذوا بأيديهم، بلا خوف، المستقبل الذي هو مستقبلهم! لِيُشرَكُوا بشكلٍ أكبر، في العمليّات السياسيّة واتّخاذ القرارات، والنّساء أيضًا، والأمّهات اللّواتي يعرفْنَ كيف تُولد الحياة وكيف تكون حمايتها. ولتعامَل النساء باحترام، لأنّ من يمارس العنف ضدّ امرأة، يمارسه ضدّ الله، الذي تجسّد من امرأة.

علّمنا السّيّد المسيح، الكلمة المتجسّد، أنّه كلّما أصبحنا صِغارًا، وأعطينا مساحة للآخرين، واستقبلنا كلّ آخرٍ أخًا لنا، صرنا كبارًا في عيني الله. يحتاج تاريخ هذا البلد الشّاب، الذي مزّقته الاشتباكات العرقيّة، إلى إعادة اكتشاف سِحْرِ اللِقاء، وإلى نعمة التّواجد معًا. نحن بحاجة إلى أن ننظر إلى ما هو أبعد من المجموعات والاختلافات، لكي نسير مثل شعبٍ واحد، مثل نهر النيل، الذي يتكوَّن بغنى روافده المختلفة. عن طريق النّهر بالتّحديد وصلَ المرسلون الأوائل على هذه الشّواطئ، منذ أكثر من قرن. وانضّم إليهم، مع الوقت، الكثير من العاملين في المجال الإنسانيّ: أودّ أن أشكرهم جميعًا على العمل الثّمين الذي يقومون به. ومع ذلك، أفكّر أيضًا في المُرسلِين، الذين للأسف يَلقون الموت، وهم يزرعون الحياة. لا ننسَهم ولا ننسَ أن نضمنَ لهم وللعاملين في المجال الإنسانيّ الأمن اللّازم، ولأعمالهم الخيريّة الدعم اللازم، حتّى يستمّر نهر الخير في التدفّق.

مع ذلك، يمكن في بعض الأحيان أن يفيض النّهر الكبير ويسبّب الكوارث. في هذه الأرض، للأسف، اختبر ذلك الكثيرون من ضحايا الفيضانات، الذين أعبِّر لهم عن قربي منهم، وأناشد حتّى لا تنقصَهُم المساعدات الكافية. تروي الكوارث الطبيعيّة عن خليقة جريحة وممزّقة، هي أصلًا مصدر حياة، ثم تبدَّلت وصار مصدر موت. علينا أن نعتني بها، وببعد نظر، مُوَجَّه نحو الأجيال القادمة. أفكّر، خصوصًا، في ضرورة مكافحة إبادة الغابات التي يسبّبها جشع الرّبح.

لكي نمنع فيضان النّهر، من الضّروري أن نحافظ على مجراه نظيفًا. من دون استعارات، النّظافة التي يحتاج إليها مسار الحياة الاجتماعيّة هي محاربة الفساد. تحويلاتٌ مالية فاسدة، ومؤامرات خفيّة لتحقيق الثّراء، وصفقات المحسوبيّة، ونقص في الشّفافيّة: هذا هو القاع الملوَّث في المجتمع البشريّ الملوّث، الذي يحرمنا من الموارد اللّازمة التي نحن بأمسّ الحاجة إليها. وأوّلًا محاربة الفقر، الذي يشكّل الأرض الخصبة التي فيها تتجذّر الكراهية والانقسامات والعنف. الأمر المُلِحّ في بلد متحضّر هو أن يعتني بمواطنيه، وخاصّة الأضعفين والمحرومين. أفكّر خصوصًا في ملايين المشرّدين الذين يعيشون هنا: كم هُم الذين اضطروا إلى أن يتركوا بيوتهم ووجدوا أنفسهم مُبعَدين على هامش الحياة، بعد الاشتباكات والتّهجير القسري!

حتّى لا تتحوّل مياه الحياة إلى خطر موت، أمرٌ أساسيّ أن نجهّز النّهر بالسّدود المناسبة. الأمر نفسه ينطبق على العيش الإنسانيّ معًا. أوّلًا، يجب أن نوقف وصول الأسلحة التي تستمرّ بالوصول إلى بلدان كثيرة في المنطقة وأيضًا إلى جنوب السّودان، على الرّغم من الحظر: نحن بحاجة إلى أمورٍ كثيرة هنا، ولكن بالتّأكيد لسنا بحاجة إلى مزيد من أدوات الموت. تُعتبر السّدود الأخرى أساسيّة لضمان مسار الحياة الاجتماعيّة: أفكّر في تطوير سياساتٍ صحيّةٍ مناسبة، والحاجة إلى البُنى التّحتيّة الضّرورية للحياة، وبطريقة خاصّة، في الدّور الرّئيسي لمحو الأميّة، ولضمان التّعليم، وهو الطّريق الوحيد لكي يأخذ أبناء هذه الأرض مستقبلهم بأيديهم. هم، مثل كلّ أطفال هذه القارّة والعالم، لهم الحقّ في أن ينموا وهم يحملون دفاتر وألعابًا في أيديهم، لا أدوات عمل وأسلحة.

أخيرًا، يترك النّيل الأبيض جنوب السّودان، ويعبر ولايات أخرى، ويلتقي بالنّيل الأزرق ويصل إلى البحر: لا يعرف النّهر حدودًا، ولكنّه يربط بين الأراضي. وبالمِثِل، لكي نصل إلى تنمية ملائمة، أمرٌ أساسيّ اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، أن ننمّي علاقات إيجابيّة مع البلدان الأخرى، بدءًا من البلدان المُجاورة. أفكّر أيضًا في المساهمة الثّمينة للمجتمع الدّولي لهذا البلد: أعبّر عن شكري للالتزام الذي يهدف إلى تعزيز المصالحة والتّنمية. أنا على يقين بأنّ فَهمَنا الحقيقيّ للديناميكيّات والمشاكل الاجتماعيّة لا غِنَى عنه، من أجل تقديم مساهمات مفيدة. لا يكفي أن نراقبها ونُدينها من الخارج، بل يجب أن نشارك، وبصبر وتصميم، وبشكل أعمّ، أن نقاوم تجربة فَرض نماذج محدّدة وغريبة عن الواقع المحلّي. كما قال القدّيس يوحنّا بولس الثّاني قبل ثلاثين سنة في السّودان: “يجب إيجاد حلول أفريقيّة للمشكلات الأفريقيّة” (نداء في حفل الاستقبال، 10 شباط/فبراير 1993).

السّيّد الرّئيس، والسُّلطات المحترمين، من خلال اتّباعي لمسار مجرى نهر النّيل، أردتُ أن أتتبع أيضًا مسيرة هذا البلد الشّاب والعزيز. أعلم أنّ بعض عِباراتي كانت صريحة ومباشرة، لكن أرجو أن تصدّقوا أنّها كانت نابعة من مودّتي واهتمامي اللذَين بهما أتابع أحداثكم، مع الإخوة الذين أتيت معهم إلى هنا، حاجَّ سلام. نريد بكلّ قلبنا أن نقدّم لكم صلواتنا ودعمنا، حتّى يتصالح جنوب السّودان ويغيّر مساره، وكي لا يُعيق فيضان العنف بعد الآن مجرى الحياة فيه، الذي يُعرقلُه مستنقعات الفساد ويحبطه طوفان الفقر. لِيَمنَح رَبُّ السّماء، الذي يحبّ هذه الأرض، وقتًا جديدًا من السّلام والازدهار: ليبارك الله جمهوريّة جنوب السّودان! شكرًا.

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2023


Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير