في سرّ القربان المقدّس تكمن أكبر العجائب والمعجزات. فإنه تحت شكلي الخبز والخمر: يسوع الحب بكليته ، بجسده ودمه، حاضر بيننا. ولكن غالباً ما ننسى أن يسوعنا فادينا ومخلّصنا ، الحاضرٌ في الإفخارستيا يكون أكثر إنسانية من أي واحدٍ منا.
لانشيانو(إيطاليا)، أعجوبة القربان المُقدّس ، في القرن الثامن ميلادي:
كانت الشكوك تنتاب أحد الرهبان الباسيليين حول الحضور الحقيقي للمسيح في القربان المُقدّس ، فأخذ يصلي بحرارة للإستنارة طالباً من الله أن يرأف بضعفه. و فيما كان يحتفل بالذبيحة الإلهية في كنيسة القديس لونجينوس، وعند التلفّظ بكلام التقديس حصل ما سيُعتبر الأعجوبة القربانية الأشهر في العالم حتى اليوم: فبين يدي هذا الراهب، تحولت القربانة إلى لحم ، و الخمر إلى دم. وظهر الدم بشكل خمس جلطات غير متعادلة.
على مدى سنين طويلة، كان يُعاد إجراء تحاليل علمية على تلك القطع و دام أهمها عشر سنوات، بين ١٩٧١ و١٩٨١، بطلب من البابا القديس يوحنا بولس الثاني، قام فريق من المختصّين العالميين بعملية البحث والتحليل ، برئاسة البروفسور أودواردو لينولي.
أتت النتائج مذهلة:
اللحم والدم هما لحم ودم بشريّان. وبالرغم من أن الدم البشري، شأنه شأن اللحم ، يتحول إلى مسحوق بعد مرور بضع سنوات، غير أن هذه القطع التي ثبت خلوها من أي مواد حافظة بقيت سليمة. لا بل وجد مصل دم نضر في الجلطات و هي من فئة ” أ ب ” تماماً كفئة دم رجل كفن “تورينو”.
وأما النقطة الأهم هنا أنه على الرغم من أحجام الجلطات الخمس المختلفة، إلا أن كل واحدة منها تزن ١٥.٨٥غ كما تزن الجلطات الخمس مجتمعة الوزن ذاته : ١٥.٨٥غ !!!
تذكرنا هذه الواقعة بأن المسيح حاضر في الوقت نفسه في كل قربانة و لكنه يبقى غير قابل للتجزئة، هذا الحبيب الذي يعطي ذاته لنا بكليتها في كل مناولة ” من أكل جسدي وشرِب دمي ثَبَتَ فيّ وثَبَتُّ فيه ” (يوحنا ٦: ٥٦)
أما قطع اللحم فتعود الى الُبطين الأيسر من عضلة قلب كان حياًّ في لحظة الأعجوبة !!!
ينقل عن القديس الأب بيو أنه كان يستغرق في تأمل طويل خلال قداسه، وكان يخبر بتأثر عميق كيف كان في كل مرّة يناول أحد المؤمنين كان يرى يده تمتد الى قلب الرب … هو يسوع يعطينا قلبه في القربان: حيّ، ومـتّحد بألـوهيته ، فهل من إهتمام من قبلنا عندما نتناوله؟؟؟
صحيح أن المؤمن ليس بحاجة إلى أعاجيب ليصدق حقيقة إيمانية معينة ” طوبى للذين آمنوا ولم يروا “، ولكن الرب لا ينسى أن يترك بعض الإشارات تأتي لنجدة ضعفنا البشري ، وشكوكها في هذا السر كما توما الذي في كل واحدٍ منا و تذكيراً لكل شخصٍ غير مبالٍ بعظمة هذا السر العجيب والفائق الإدراك …
إن الخبراء، قبل أن تُعلن النتائج بطريقة رسميّة ، قاموا بإرسال صورة وجه المسيح إلى الأبـاء الـفـرنسيسكان الذين يهتمون بكنيسة لانـشـيانو، و كان مكتوب عليها العبارة التالية : ” الكـلمة صـار لـحماً ” (يوحنا ١: ١٤) …
كل قداس نحضره ونشارك فيه يـذكرنا بيوم خميس الأسرار ، يوم تأسيس الإفخارستيا ، يوم العشاء السرّي ولقاء يسوع مع نلاميذه قبل الآمه وموتهِ وقيامته تاركاً لنا هذه الأمانه قائلاً : ” خذوا فَكُلُوا ، هذا هو جَسَدي ” … ” اشربوا منها كُلُّكم ، فهذا هو دمي ، دمُ العهد الجديد يُراقُ من أجل جماعةِ الناسِ لِغُفرانِ الخطايا ” (متى ٢٦ : ٢٧-٢٨) “إصنعوا هذا لِذِكري ” ( لوقا ٢٢ : ١٩ ) … ” فَمَن أكلَ خُبْزَ الرّبِّ أو شُرِبَ كأسَه ولَم يَكُنْ أهلاًلهما فقد أذنبَ إلى جسَدِ الرَّبِّ ودَمِه ” (قورنتس الاولى ١١ : ٢٧) .
يا ليتنا وبوعي إيِماني، نسمع صرخة الله ” تعالوا إليّ انتم المتعبون والمرهقون ” ونذهب بضعفنا البشري ، وبكلِّ خطايانا إليه ، وننضـم بأكـثـر حـرارة إلــى سـر الـمـحـبّة ،سر القربان ، سر المصالحة والغفران ، سر حـضور يسوع الحيّ بيننا ” لنحيا للحياة الأبديّة ” (يوحنا ٦ : ٤٥).