وجّه رئيس “جمعيّة عدل ورحمة” الأب الدكتور نجيب بعقليني (أخصائي في راعوية الزواج والعائلة) كلمة لمناسبة عيد العشّاق/ عيد الحبّ بعنوان: “الحُبّ بحاجة إلى تفكير إيجابي في الزمن الصعب لاستمراريته؟!”
ركّز فيها على “أن الحياة العمليّة تسير من خلال القلب والعقل، أي التفكير المُنطلق مما يحويه داخل رأس الإنسان”.
تساءل: “ألا تُحدّد الأفكار الواضحة والنيّرة القرارات والخيارات في الحياة؟ ألا يؤثّر التفكير، أيضًا، على المشاعِر والعواطِف والمزاج؟ بالمُطلق، يتفاعل الإنسان ويتأثّر بالظروف والمُناخات والحالات المحيطة به، معروف أنّ كلّ مقوّمات الحياة تكوّن صورته”.
أضاف: “لا شكّ في أن الحُبّ والزَّواج يحتاجان إلى مُناخات وظروف حسنة وإيجابية وجيّدة لتحقيق أهدافهما، وأن كلّ شريك يحتاج، ضمن الحياة الزوجية، إلى مقوّمات، تتطلّبها الحياة عامةً أوّلاً، والحياة المُشتركة تحت سقف واحد ثانيًا. كم يعيش أفراد المُجتمع تحت وطأة الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والنَّفسيّة والتّربويّة وغيرها؟ كم يؤثر المِزاج والطباع على مسيرة الحياة؟ ألا يتنازع الإنسان أحيانًا حالة من التفاؤل أو التشاؤم؟ ألا يتقلّب بين مزاج سيّئ وحزين ومزاج فرح وجيّد؟ ألا تؤثّر المشاعِر والعواطِف والأحاسيس على مِزاجيته؟ هل المزاج خارج عن السيطرة أم بالإمكان التحكُّم به؟ هل له دور في تركيبة الإنسان ومسيرته؟ أم يستطيع أن يغيرّه من خلال إرادتِه وعمله على الذات وقُدراته ومواهبه؟ هل كلّ شريك مُعرّض للوقوع في حالة من المزاج السيئ المُستمر، المؤدّي أحيانًا إلى الاكتئاب والإحباط والحُزن واليأس؟ أم بإمكانه المُواجهة والتصدّي؟ هل يُساعد التفكير الإيجابي على تخطّي ما يواجه المسيرة الزوجيّة من صعوبات وأزمات وعراقيل؟ بالتأكيد، لأنه يساعد على مواجهة التحديّات وإيجاد بعض الحلول المُمكنة”.
أكّد الأب بعقليني: “نعم، إن حالة الحُبّ والعِشق والغرام والحياة الزَّوجيّة تتطلب مقوّمات نفسيّةً وعلائقية واجتماعية وصحيّة، واقتصاديّة، فضلًا عن الوعي والنُضج وتحمُّل المسؤولية، والاحترام والتفكير العلمي والمنطقي. بالتأكيد، لا يحلّ التّفكير الإيجابي محلّ تلك المقوّمات الأساسيّة والضَّروريّة، لإنجاح مسيرة الرجل والمرأة في مسيرتهما الغراميّة وحياتهما الزَّوجيّة والعائليّة.
يَرزح بعض افراد المجتمع تحت حالة من الضغط الشديد، والتنافُر الحادّ والخلافات المُستمرة سواء مهنيًّا، أوعائليًّا، أوفرديًّا، وفي أحيانٍ كثيرة يتفاعلون مع بعضهم البعض بطريقة حادّة أو مُزعجة أو مُنافية للمبادئ والأخلاق والقيم، فتزداد الانقسامات والتشرذُمات. ألا يؤثر كلّ ذلك على الحالة النفسيّة والصحيّة والمعنويّة؟ من هنا لا بدّ من الموُاجهة بالتفكير الإيجابي”.
شدّد على أن “التفكير الإيجابي يقوم على مُحاولة طرد الاكتئاب واليأس والقُنوط، من خلال النظرة الإيجابيّة للحياة، أيّ النَّظرة التّفاؤليّة، بالرُّغم من سوداوية الآفاق في بعض الأحيان، لتحقيق الأهداف المرجوة”.
تساءل: “ألا تُحدّد طريقة التفكير حياة الإنسان؟ ألا يمنح التفكير الإيجابي مُرونة وقُدرة على التأقلُم مع مشاكِل الحياة ومآسيها وتقبّلها؟ من شأن النظرة الايجابيّة للحياة أو التفكير الإيجابي، توفير نوع من الاستقرار النَّفسي والأمان والطمأنينة. ألا تؤمّن النظرة الإيجابيّة للرجل والمرأة ضمن الحياة الزوجيّة، بعضًا من الهُدوء والسَّكينة والرَّاحة؟”
تابع: “عندما تكون نظرة الثنائي سلبيّة وتشاؤمية للحياة عامةً والحياة الزوجية خاصة، يسود التَّوتر والانزعاج والمشاعِر السَّلبيّة، وحتّى الأفكار السلبيّة، فتنجرف العلاقة الزوجيّة نحو الأهواء الشَّاذّة والتفاعلات السَّلبيّة المُزعجة التي تمنع تحقيق فرح الحُبّ. ألا يعيش الأشخاص المنزعجون والمزعجون حالةً من النكد والاشمئزاز؟ يقضي هؤلاء معظم وقتهم في حالة من التوتّر والحنق، يستفزهم أي أمر، ويستهلكون أعصابهم، فتتأثّر صحتّهم الجسديّة والنفسيّة. ألا يغلقون بذلك الأبواب على أنفسهم؟ يمنعهم ذلك من مُجرد التفكير بأي تغيير في حياتهم اليومية. بالتأكيد تُوفّر الصحّة النفسيّة السليمة القُدرة على التأقلُم مع الحياة والنظرة الإيجابيّة لها، بالرغم من كلّ المعوقات”.
أشار إلى أن “شُركاء اليوم، يحتاجون، أكثر من أي وقت مضى، إلى الغوص في بحر التفكير الإيجابي. لذا مطلوب منهم الهدوء والاسترخاء والسّكينة وتجنّب الصخب العلائقي السلبي، وعدم الإفراط في استعمال وسائل “التواصُل الاجتماعي” وغيرها، من أجل تحقيق التوازُن النفسي والعاطفي والذهني، والتخلّص من الأفكار السلبيّة والقضاء عليها، وإلا تتحوّل “حالتهم” العاديّة إلى سلبيّة بامتياز. تساعد تلك الأمور في رفض الانطوائية على الذات والحدّ من الانفعالات السَّريعة الغاضبة والمؤذية لمسيرة الحُبّ ضمن الحياة الزوجيّة. ألا يُطلب من هؤلاء الشركاء، التفاؤل وإعطاء المعنويات، لمُواجهة الأفكار السوداوية والهدّامة للشراكة؟ ألا يساعد فنّ التجاهُل للأفكار السلبيّة على التخلّص من التشاؤم؟ يُساهم الحُبّ العميق والناضِج، على تخطي الأزمات، لأنه طاقة قويّة، ونموّ، يعزز اللقاء بين الشريكين، فيظهر الدفء والحنان بأجمل وأرقى حالة من الحٌبّ وفرحه. ألا يسكن الحُبّ الإنسان؟ ألا تُصبح عندئذٍ الحياة أجمل؟ أليس هو نعيم يتمنّاه كلّ عاشق ومعشوق؟ ألا يُعطي الحبّ الثّقة بالذات؟ للدخول في عيش الحبّ، لا بد من القُدرة على التمييز، لا سيّما بين الوهم والخيال وبين الحقيقة والواقع”.
اعتبر أن “الحياة الثُنائية تحتاج إلى التفكير الإيجابي والتواصُل مع الأشخاص الإيجابيّين، حيث معرفة التَّكيف مع “الواقع المُعاش”، والنظرة التفاؤلية إلى الغد، والشعور بالمسؤوليّة، والمُشاركة الصَّحيحة، والقُبول بمُساندة الآخر، والقُدرة على العطاء، والمُرونة العقليّة والعمليّة، مما يزيد القُدرة على التواصُل بين الشُركاء والآخرين، بطريقةٍ عمليّة وحماسيّةٍ وشُجاعة؛ تفتح سُبل نجاح الحياة الثُنائية نحو تحقيق “فرح الحُبّ”، يعني أن يكون كلّ شريك وشريكة ذاتهما”.
حدّد الأب بعقليني أبعادًا عدة للإيجابيّة، “على سبيل المثال: إدراك المعنى الحقيقي للوجود، أي لوجود الإنسان وقيمتِه ودورِه الفعّال في تحقيق أهداف وغاية وجوده، فضلًا عن التمسُّك والتعلّق بالحقوق واحترامها واحترام الآخر، ومعرفة واجباته بوضوح من خلال الأفكار الواضحة التي تُعزّز لديه مُمارسة سلوكيّات، يطغى عليها الصّدق، والصَّراحة والشَّفافية. إذ تُسهم في اتخاذ قرارات صائبة، تُسهّل العلاقة الزوجية والاجتماعية. تُساعد الإيجابية على إدراك المُشكلات وتحديدها، والبحث عن حلول وبدائل عمليّة وسهلة، ما يُعمّق التفاؤل، ويُحقق السَّلام الداخلي، أي قبول الذَّات والآخر، ويدفع إلى الشعور بالأمان والطمأنينة، والتطلّع إلى غد أفضل وعيش الحاضر بطريقةٍ سَلِسةٍ وبجو ودود وبرضى، إضافة إلى إعطاء فرص نجاح للحياة الثُنائية، المبنيّة على الحبّ، الذي ينتج عنه الفرح والأمان”.
ختم: “بالرغم من الصُّعوبات التي تُواجه الحياة الثنائيّة، لا بدّ من الخلود إلى الذَّات من خلال تفكير عميق وجدّي، بالاتكال على الدور المُهمّ للإيجابيّة، في التعامُل مع شتّى القضايا، التي تطال استمراريّة الحياة الزوجيّة، بهدف تحقيق نجاحات تدريجيّةٍ، لبلوغ فرح الحُبّ المنشود”.