عندما يدخل الحب الإلهي في قلب العاشق يتحول إلى جمرة نار مشتعلة، فيتحول حب الله إلى كرازة، فانطلقت مريم وأعلنت البشارة.
خبرة مريم مع يسوع هي خبرة حب ناتجه عن مسيرة نحو القداسة وترافقه في مسيرته الأرضية نحو الصليب ولم تنتهِ مع الموت، بل تبحث عنه في البستان، وتقول له ربوني أي يا معلم وتنطلق مريم برسالة إلهية إلى التلاميذ أنه قام من بين الأموت
الحب الذي يحمله يسوع لنا هو حب إلهي لا يستطيع الإنسان أن يدركه، وقد أصبح جنب يسوع مفتوح بالحربة علامة الحب الإلهي المبذول نحو البشرية. نري كلمات القديسة فيرونيكا جولياني تعكس خبرة القديسة مريم المجدلية التي وجدت الحب تقول:” تعالوا إلى يسوع، إنه كل الحب، تعالوا إلى الأتون اشتعلوا فيه احترقوا في هذا الحب اللامتناهي”. إلهنا هو إله الحب لأنه قدم نفسه فى سبيل خلاص البشرية.
إذن مريم المجدلية تجد المسيح القائم من بين الأموات، وفي البستان تجد فيه الحياة الجديدة ويوم جديد ممتلئ بالنور الجديد، وقد اشتعل نار الحب الإلهي في قلب مريم المجدلية من خلال خبرة عاشتها في طريقها نحو القداسة. مريم التي كانت تبحث عن يسوع لأنها وجدت فيه الحب الحقيقي الذي يقودها إلى القداسة، عكس الجموع التي كانت تبحث عنه لأجل إشباع ذاتهم من الطعام وعمل معجزات والشفاء وكل هؤلاء تركوا يسوع عند الصليب، ولكن مريم المجدلية استمرت حتى النهاية مع المحُب.
ومن هنا مريم المجدلية تعيش خبرة سفر نشيد الأنشاد، عندما اشتعل الحب في قلبها قامت تبحث عن المحُب في البستان: “فِي اللَّيْلِ عَلَى فِرَاشِي طَلَبْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي. طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ. إِنِّي أَقُومُ وَأَطُوفُ فِي الْمَدِينَةِ، فِي الأَسْوَاقِ وَفِي الشَّوَارِعِ، أَطْلُبُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي. طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ. وَجَدَنِي الْحَرَسُ الطَّائِفُ فِي الْمَدِينَةِ، فَقُلْتُ: «أَرَأَيْتُمْ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي؟»” (نش 3: 1- 3). تبحث عنه وتردد كلمات أنا لحبيبي وحبيبي لي، وأنا وإليه اشتياقي وابحث عنه وهو في داخلي وكياني وعندما أتحدث معه يكلمني. وعندما بحثت عنه في البستان برغبة شديدة نابعة من قلب مشتعل بالحب الإلهي، في البحث لكي أجده وأجلس معه كما كنت أتكلم معه من قبل وأشاهد أعماله العجيبة. تطلب من تحب قلبها. أمراة تخرج في الليل والظلام المستمر، تبحث عن المُحب لأنه أعطاها الحب الإلهي.
مريم المجدلية اتخذت قرار الارتحال بحثًا عن المُحب بعيدًا عن الأمان الزائف الذي يوهمها به العالم المستند على المال والمركز والعلاقات الإنسانية، إن قرار البحث عن الحق هو بالفعل أصعب قرار يمكن أن تكون اتخذته مريم، ولكن المُحب ينتظرها في البستان أي في الحياة الجديدة، رغم ظلام الليل، ولكن نور القيامة يبدد ظلام الليل أي يبدد ظلام قلوبنا ويقودنا إلي النور الحقيقي الذي يضيء لكل إنسان.
مريم عاشت خبرة النشوة وهي الخروج من الذات نحو الآخر، “وعندما تُسمّي المواجهة مع الله “نشوة” فهذا لأنه يخرجنا من ذاتنا ويرفعنا مأخوذين بحب الله وجماله لكن يمكننا أن نخرج من ذاتنا أيضًا للاعتراف بالجمال الخفي الموجود في كل كائن بشرى، يريد الروح القدس أن يدفعنا إلى الخروج من ذاوتنا وإلى احتضان الآخرين بالمحبة” من رسالة الأرشاد الرسولي المسيح يحيا رقم 164.
مريم المجدلية عاشت حالة العشق الإلهي كما (تقول القصيدة الجميلة اعشق (أو دع نفسك تعشق لأنه “ما من شيء أهم من إيجاد الله. أي أن تعشقه بطريقة نهائية ومطلقة. وما تعشقه يضبط خيالك ويتوصل لأن يترك بصماته على كل شيء. فيكون هو الذي يقرر ما الذي يجعلك تقوم من الفراش فى الصباح وماذا تفعل)، “رقم 132 من رسالة الإرشاد الرسولي المسيح يحيا”. اعشق واستمر بعشقك وكل شيء سيكون مختلفًا، هكذا حدث مع مريم التي قامت في الصباح الباكر وذهبت تبحث عن المحب. ادعُ الروح القدس كل يوم كي يجدد فيك باستمرار اختبار البشارة العظمى. مريم اختبرت وعاشت هذ الحب مع الرب هكذا أنت إذا سمحت له بأن يحبك ويخلصك وإذا دخلت فى علاقة صداقة معه، وبدأت تتحدث مع المسيح الحيّ حول الأشياء الملموسة في حياتك فستكون هذه تجربة عظيمة.
إن البحث عن الرب وحفظ كلمته ومحاولة الإجابة عليها من خلال الحياة اليومية والنمو في الفضائل يجعل قلوب المؤمنين قوية. تنطلق مريم وتخبر الآخرين بأن المسيح قام من بين الأموات وهي مريم المبشرة بالمسيح القائم من بين الأموات.
أين يرسلنا المسيح؟ لا توجد حدود للرسالة، وإنه يرسلنا جميعًا ويدعونا إلى الأنطلاق دون خوف حاملين البشارة الإرسالية أينما وُجدنا مع من كنا، يقول لنا البابا فرنسيس في رسالته المسيح يحيا “لا تخافوا من الذهاب ومن حمل المسيح فى كل بيئة وصولًا إلى الضواحي الحياتية حتى لأولئك الذين يبدون الأبعد. الرب يبحث عن الجميع ويريد أن يشعر الجميع بدفء رحمته ومحبته”.
في البستان تستلم مريم رسالتها من المحُب وتنطلق إلى العالم وأصبحت أول مبشرة بعد القيامة. فى البستان ليس مكان للموت، بل مكان حوار مع الله. وعندما دعاها وقال لها “يا مريم” فالتفتت إليه قائلة ربوني أي يا معلم … قال لها اذهبي إلى أخوتي ومن هنا أنطلقت مريم المجدلية برسالة إعلان الرب يسوع المسيح القائم من بين الأموات ومخلص البشرية، القائم من بين الأموات يدعوها يا مريم ومن هنا تعود مريم إلي خبرتها الأولى، والصوت التي كانت تسمعه وتعرفه، لأنها عاشت مسيرة روحية نحو القداسة. قلب مريم المشتعل بالحب ومن هذا الحب تنطلق إلى التبشير في العالم.
مريم المجدلية أختبرت الحب، هكذا الإنسان المسيحي عندما يكتشف فى سر الإفخارستيا الحب الذي يقود كل تاريخ الخلاص، وسر الإيمان هو سر الحب الثالوثي الذي نحن مدعوون إلى المشاركة فيه بالنعمة، ويقول القديس اغسطينوس “إن رأيت الحب فقد رأيت الثالوث”. ويجب على كل إنسان مسيحي أن يتقابل مع يسوع في سر الإفخارستيا لأنه يعطينا ذاته من خلال هذا السر العظيم.
تعلمنا القديسة مريم المجدلية اليوم أن الحب هو كل شيء أي يسوع المسيح، هو كل شيء هو البداية والنهاية والأول والأخر.