vatican media

ملخص لزيارة البابا فرنسيس الثانية لدولة المجر

تقرير- أستاذ جامعي

Share this Entry

بدعوة من رئيسة الجهورية المجرية السيدة كاتالين نوفاك Novák Katalin قام البابا فرنسيس المجر بزيارة رسولية لدولة المجر تحت شعار “المسيح هو مستقبلنا” في الفترة من 28 إلى 30 أبريل 2023. وبهذا تكون هذه الزيارة الثانية للبابا فرنسيس لدولة المجر بعد ترأسه مؤتمر الإفخارستيا الدولي عام 2021.

وصلت طائرة الأب الأقدس للعاصمة المجرية بودابست، حيث كان باستقباله السفير البابوي، والسفير المجري لدى الكرسي الرسولي، ورئيس الكرادلة المجري بيتر أردو ومن جانب الحكومة كان في استقباله نائب رئيس الوزراء ورئيس الوزراء المجري.

اللقاء مع السلطات المجرية

بعد مراسيم الاستقبال الرسمية توجّه البابا فرنسيس مباشرة إلى قصر الرئاسة المجري Sándor-palota ، للقاء رئيسة الجمهورية السيدة كاتالين نوفاك Novák Katalin ورئيس الوزراء فيكتور أوربان، ثمَّ توجّه إلى الدير الكرملي السابق حيث ألقي خطابه الأول، لسلطات المجتمع المدني والسلك الدبلوماسي. إليكم بعض النقاط من خطابه:

-ان بودابيست هي عاصمة نبيلة وزاخرة بالحياة ومكان مركزي في التاريخ، وقد شهدت تحولات مهمة على مر القرون، فهي مدعوة لأن تكون عاملا رئيسيا في الحاضر والمستقبل.

-بأن السلام لن يأتي أبدا من السعي وراء المصالح الإستراتيجية الخاصة، بل من السياسات القادرة على النظر إلى الكل، إلى تنمية الجميع، والتي تهتم بالأشخاص، وبالفقراء وبالمستقبل. وليس بالاهتمام فقط بالسلطة والمكاسب وفرص الحاضر. هذا ثم أشار البابا إلى أن بودابست هي أيضا مدينة الجسور مشيرا إلى أن الجسور، التي تربط الحقائق المختلفة، تقترح أيضا أن نفكر في أهمية الوحدة التي لا تعني التسوية.

-إن بودابست هي مدينة القديسين، ويتوجه الفكر نحو القديس إسطفانوس، أول ملك للمجر، الذي عاش في عصر كان فيه المسيحيون في أوروبا في شركة ووحدة كاملة.

– إن النص الدستوري، بكلمات قليلة وحاسمة ومليئة بالروح المسيحية، يؤكد أيضا على أن مساعدة المحتاجين والفقراء هو واجب ملزم.

– أن العلمانية السليمة أمر جيد، على ألا تقع في النزعة العلمانية المنتشرة، التي تظهر حساسية معادية لكل شيء مقدس، ثم تضحي بنفسها على مذابح الربح. من يعترف بأنه مسيحي، ويرافقه شهود الإيمان، مدعو بصورة رئيسية إلى أن يشهد ويسير مع الجميع، وينمي روحا إنسانية مستوحاة من الإنجيل ومؤسسة على خطين أساسيين: أن نعترف بأننا أبناء يحبنا الآب وأن نحب كل واحد مثل أخ لنا.

هذا ثم تطرق البابا إلى موضوع الاستقبال وأكد أنه بالنسبة للمسيحي، لا يمكن أن يختلف الموقف الأساسي عن الموقف الذي نقله إلينا القديس إسطفانوس، بعد أن تعلمه من يسوع، الذي تماهى مع الغريب الذي نستقبله. علينا أن نواجه المشكلة من دون أعذار أو تأخير، ونحن نفكر في المسيح الحاضر في الإخوة والأخوات الكثيرين اليائسين والهاربين من الصراعات والفقر وتغيرات المناخ.

وبعد اللقاء الأول توجّه البابا فرنسيس إلى السفارة البابوية التي استضافته خلال الأيام الثلاثة من زيارته الرسولية.

اللقاء مع الإكليروس المجريين

في اليوم الثاني من زيارته الرسوليّة إلى المجر، الجمعة 29 ابريل 2023، التقى البابا فرنسيس مع الأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرّسين والإكليركيّن والعاملين الرعويين، في كاتدرائيّة القديس إسطفانوس في العاصمة بودابست. حيث أصغى الأب الأقدس إلى شهادات حياة بعض المكرسين. واليكم بعض رؤوس الأقلام من خطاب قداسته:

– يسعدني أن أكون هنا مرّة أخرى بعد أن شاركت معكم في المؤتمر الإفخارستيّ الدّولي الثّاني والخمسين. كانت لحظة نعمة كبيرة، وأنا متأكّد من أنّ ثمارها الرّوحيّة ما زالت ترافقكم. أشكر المطران فيريس (Veres) للتّحية التي وجّهها إليّ، ولأنّه لخَّص رغبة كاثوليك هنغاريا في الكلمات التالية: “في هذا العالم المتغيّر، نريد أن نشهد أنّ المسيح هو مستقبلنا”. من أهمّ مقتضيّات العصر لنا هو أن نفسر متغيّرات وتحولات عصرنا، وأن نبحث عن أفضل الطّرق لمواجهة التّحديّات الرّعويّة. مع المسيح وفي المسيح. لا شيء خارج الرّبّ يسوع، ولا شيء بعيد عن الرّبّ يسوع.

– ابحثوا عن الطُّرُق الممكنة لكي تتعاونوا بفرح من أجل الإنجيل، وتقدّموا معًا، كلٌّ بحسب موهبته الخاصّة، في الحياة الرّعويّة كأنّها الإعلان الأوّل للإنجيل.

– تنبّهوا من الثّرثرة، والقيل والقال بين الأساقفة والكهنة والرّاهبات والعلمانيّين… الثّرثرة تحطّم. تبدو الثّرثرة شيئًا جميلًا، مثل حلوى السّكر. حسنٌ أن نتحدّث عن الآخرين. نحن نقع غالبًا في هذا. تنبّهوا، لأنّها طريق الدّمار.

– كنيسة هنغاريا مثل نبوءة في قلب أوروبّا: الرّحمة والقُرب. لكن أودُّ أيضًا أن أذكر القدّيس إسطفانوس، الذي توجد ذخيرته هُنا بقربي: هو، الذي كان أوّل من عهد بالأمّة إلى والدة الإله، وكان مبشّرًا جريئًا بالإنجيل ومؤسّسًا للأديرة، عرف جيّدًا أيضًا أن يُصغي ويتحاور مع الجميع ويهتمّ بالفقراء: خَفَّضَ الضّرائب من أجلهم، وكان يذهب ليُعطِي الصّدقة وهو متخَفٍّ حتّى لا يتعرّف عليه أحد. هذه هي الكنيسة التي علينا أن نحلُم بها: كنيسة قادرة على الإصغاء المتبادل، والحوار، والاهتمام بالأضعفين، وكنيسة تستقبل الجميع، وكنيسة لها الشّجاعة لتبليغ نبوءة الإنجيل إلى كلّ واحدٍ.

– أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، المسيح هو مستقبلنا، لأنّه هو الذي يحكم التّاريخ. فهو سيّد التّاريخ.

– أرغب أن أذكر الكاردينال ميندزنتي، الذي كان يؤمن بقوّة الصّلاة، لدرجة أنّه حتّى اليوم، يتكرّر هنا، وكأنّه مثل شعبيّ: “إن كان هناك مليون هنغاري يصلّون، فلن أخاف من المستقبل”.

 

اللقاء مع أخوة يسوع الصغار

وفي إطار زيارته الرسوليّة توجّه قداسة البابا فرنسيس صباح يوم السبت إلى مركز الطوباوي László Batthyány-Strattmann الذي يهتم بأطفال مكفوفين وضعاف البصر ومراهقين وشباب ذوي احتياجات خاصة حيث كان باستقباله مدير المركز الذي رافقه في زيارة للمركز. وبعد تلاوة صلاة القديس فرنسيس والأناشيد التي أنشدها الأطفال، وجّه البابا كلمة عفوية قال فيها: شكراً جزيلاً لكم جميعاً على الاستقبال والحنان. أشكركم على أناشيدكم، على تصرفاتكم وعلى عيونكم. شكراً سيدي المدير، لأنك أردت أن تبدأ هذا اللقاء بصلاة القديس فرنسيس، التي هي برنامج حياة. لأن القديس فرنسيس يطلب من خلالها على الدوام نعمة أن يقوم بشيء حيث يكون هناك شيء غائب أو غير متوفّر.

– كما التقى البابا فرنسيس اليوم السبت 29 أبريل في كنيسة القديسة اليصابات في العاصمة بودابست حوالي 600 من الفقراء واللاجئين، بينما تَجمَّع حوالي ألف آخرين في باحة الكنيسة. وتحدث الأب الأقدس إلى الحضور معربا عن سعادته لوجوده بينهم. وشدد البابا هنا على ضرورة ألا ننسى أبدا كون الفقراء والمعوزين في قلب الإنجيل، وأن يسوع قد جاء ليبشر الفقراء. وتابع الأب الأقدس إن الفقراء يدلوننا على تحدٍ شغوف، وهو ألا يكون إيماننا حبيس طقس بعيد عن الحياة وألا يصبح ما يمكن اعتباره أنانية روحية، أي روحانية ترضي ارتياحنا الشخصي. الإيمان الحقيقي، قال البابا فرنسيس، هو على العكس ذلك غير المريح الذي يجازف ويدفعنا إلى الخروج للقاء الفقراء ويجعلنا قادرين على التكلم إلى الحياة بلغة المحبة.

أهم تصريحات قداسته بهذه اللقاءات:

-أن القديسة اليصابات كانت ابنة مَلك وقد نمت في وسط يتسم بالثراء والرفاهية، إلا أنها وما أن حولها اللقاء بيسوع شعرت سريعا بنفور إزاء الثراء وبرغبة في التجرد والعناية بمن هم في عوز. وهكذا أنفقت ما لديها، بل ووهبت حياتها لصالح الأخيرين وصولا إلى علاج المرضى بنفسها وحملهم على كتفيها، هذه هي لغة المحبة، أضاف الأب الأقدس.

– وجه الشكر أيضا على استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين الأوكرانيين، وأضاف قداسته أنه حتى في لحظات الألم والمعاناة يتم العثور على الشجاعة للسير قدما حين نتلقى بلسم المحبة، هذه هي القوة التي تساعدنا على الإيمان بأنه لم يتم فقدان كل شيء وبأن مستقبلا مختلفا هو ممكن. وواصل البابا أن محبة يسوع تساهم في انتزاع شرور اللامبالاة والأنانية من مجتمعاتنا والأماكن التي نعيش فيها، وتوقد مجدَّدا الرجاء في إنسانية جديدة أكثر عدالة.

اللقاء مع الشباب

التقى قداسة البابا فرنسيس الشباب في مجمّع “لازلو باب” الرياضي، عصر السبت. وقد تخللت اللقاء أربع شهادات، وكلمة للمطران فيرينك بالانكي المسؤول عن رعوية الشباب شكر فيها الأب الأقدس على زيارته واللقاء المخصص للشباب.

ملخص كلمة البابا خلال لقائه الشباب:

-ان المسيح هو الصديق، أفضل الأصدقاء؛ هو الأخ، أفضل الإخوة، وهو يعرف جيدا كيف يطرح الأسئلة.. وأضاف البابا فرنسيس قائلا إن الله يغفر دائما، وهو مستعد لأن ينهضنا بعد كل سقطة لنا. فمعه لا ينبغي أن نخاف أبدا من السير والمضي قدمًا في الحياة. وتابع البابا فرنسيس قائلا: سأطرح عليكم سؤالاً، ولكن سيجيب كل واحد في قلبه، في صمت: ماذا تريدون؟ عمّا تبحثون في الحياة؟ وأشار إلى أن يسوع يسير بالقرب من كل واحد منا. لا يريد أن يكون تلاميذه طلاب مدرسة يكررون الدرس، بل شبابًا أحرارًا وفي مسيرة، رفقاء درب مع الله الذي يصغي إلى احتياجاتهم ويتنبّه لأحلامهم.

– قد تسألون ما العمل كي نكون فائزين في الحياة؟ وأشار إلى أن هناك خطوتين أساسيتين كما في الرياضة: أولا النظر إلى العلى، وثانيا التدريب. وتوقف بداية عند النقطة الأولى وقال: هل لديك موهبة؟ بالتأكيد لديك موهبة! لا تضعها جانبًا معتقدًا أنه يكفي الحد الأدنى لتكون سعيدًا كشهادة علمية، ووظيفة لكسب المال…. هل لديك صفة جيدة؟ استثمر فيها بلا خوف! هل تشعر أنه جميل أن تُحب الرب، وأن تؤسس عائلة كبيرة، وأن تساعد المحتاجين؟ لا تفكّر أنها رغبات لا يمكن تحقيقها، بل استثمر في أهداف الحياة الكبيرة!

– وتابع البابا فرنسيس كلمته متوقفًا عند النقطة الثانية أي التدريب، وأشار إلى أن ذلك يكون في الحوار مع يسوع الذي هو أفضل مدرّب. هو يصغي إليك ويحفّزك ويثق بك. ويدعو دائمًا إلى العمل كفريق: ليس وحدنا بل مع الآخرين، في الجماعة، من خلال عيش خبرات مشتركة. وذكّر الأب الأقدس في هذا الصدد بالأيام العالمية للشباب وقال إنه يغتنم هذه المناسبة كي يدعوهم إلى اليوم العالمي القادم للشباب المرتقب في لشبونة في البرتغال، مطلع آب أغسطس.

– وأشار إلى أن الصمت هو التربة التي عليها ننمّي علاقات مفيدة لأنه يسمح لنا بأن نوكل ليسوع ما نعيشه ونحمل إليه الوجوه والأسماء ونُلقي عليه همومنا ونتذكّر الأصدقاء ونصلّي من أجلهم. كما أن الصمت يعطينا الفرصة لأن نقرأ صفحة من الإنجيل تخاطب حياتنا، وأن نسجد لله، ونجد هكذا السلام في قلوبنا. وشدد البابا فرنسيس أيضا على أن الصمت ليس من أجل أن نلتصق بالهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي، وقال إن الحياة ليست افتراضية، ولا تحدث على الشاشة، بل في العالم!

إن الصمت هو باب الصلاة، والصلاة هي باب المحبة، قال البابا فرنسيس، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الصلاة هي حوار مع يسوع. وعندما تصلّون، أضاف يقول، لا تخافوا أن تحملوا إلى يسوع كل ما يمرّ في عالمكم الداخلي: المشاعر، المخاوف، المشاكل، الانتظارات، الذكريات والآمال. إن الصلاة هي حوار حياة، الصلاة هي حياة. ودعا من ثم إلى أن يسأل كل واحد منا نفسه: ماذا أصنع أنا للآخرين، وللمجتمع، وللكنيسة؟ لنسأل أنفسنا عن المجانية وقدرتنا على المحبة مثل يسوع، أي المحبة والخدمة.

القداس الإلهي

وفي ختام الزيارة الرسولية للمجر ترأس قداسة البابا فرنسيس القداس الإلهي في ساحة “Kossuth Lajos” بالعاصمة المجرية بودابست بحضور عدد كبير من المؤمنين، أمام الحشد الذي تجمّع تحت أشعّة الشمس الساطعة خارج البرلمان في قلب العاصمة المجرية، ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها:

-إنَّ الكلمات الأخيرة التي قالها يسوع في الإنجيل الذي سمعناه تلخص معنى رسالته: ” أَمَّا أَنا فقَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم”. هذا ما يفعله الراعي الصالح: يبذل حياته في سبيل خرافه. وهكذا يسوع، كراعٍ يذهب بحثًا عن قطيعه، جاء ليبحث عنا بينما كنا ضائعين؛ وكراعٍ جاء لكي ينتزعنا من الموت؛ وكراعٍ يعرف خرافه ويحبها بحنان لا متناهٍ، أدخلنا إلى حظيرة الآب، وجعلنا أبناءه.

– أطلق البابا فرانسيس نداءً مُلحّاً للترحيب بالمهاجرين الأحد في بودابست، داعيا إلى “فتح الأبواب” خلال قداس في الهواء الطلق أمام عشرات آلاف الأشخاص. وتكرّرت هذه الرسالة طوال فترة زيارته، في انتقاد غير مباشر لسياسة الإقصاء التي يمارسها رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان. وقال البابا المدافع بشدّة عن اللاجئين، أمام مسؤولين سياسيين ودينيين من بينهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، “من فضلكم: لنفتح الأبواب!”.

– كذلك، كرّر دعواته إلى السلام في أوكرانيا المجاورة، مندّداً بتصاعد القومية وحثّ على أنّ “تجد أوروبا روحها من جديد” في مواجهة “نوع من مرض الطفولة في التعامل مع الحرب”.

– وفي نهاية القداس، صلّى مجدّداً من أجل “الشعب الأوكراني المصاب” و”الشعب الروسي”، داعياً إلى “عالم من الأخوة وليس من الجدران”. 

اللقاء مع الجامعيين

اختتم قداسة البابا فرنسيس زيارته الرسوليّة إلى المجر بجامعة بيتر بازماني الكاثوليكية في بودابست حيث كان باستقباله رئيس الجامعة، وبعض من هيئة التدريس وإليكم ملخص لما جاء في كلمته:

– إنَّ الثقافة ترافقنا لكي نعرف أنفسنا. ويذكرنا بذلك الفكر الكلاسيكي، الذي لا يجب أن يغيب أبدًا. تتبادر إلى الذهن الكلمات الشهيرة لمَوْحَى دَلْفي: “اعرف نفسك”. إنها إحدى العبارتين التوجيهيتين التي أريد أن أتركها لكم في الختام. لكن ماذا تعني عبارة اعرف نفسك؟ إنها تعني أن نعترف بمحدوديّتنا، وبالتالي، أن نوقف ادعاءنا بالاكتفاء الذاتي. وهذا الأمر سيفيدنا، لأنه من خلال اعترافنا بأننا مخلوقات نحن نصبح مبدعين، ونغوص في العالم بدلاً من أن نُسيطر عليه. وبينما يلاحق الفكر التكنوقراطي تقدُّمًا لا يعترف بحدود، إلا أنَّ الإنسان الحقيقي يتكون أيضًا من الهشاشة، وغالبًا ما يفهم في هذه الهشاشة بالتحديد أنه يعتمد على الله وأنه مرتبط بالآخرين وبالخليقة. لذلك، فإن عبارة مَوْحَى دَلْفي تدعونا إلى معرفة تكتشف، انطلاقًا من تواضع المحدوديّة، إمكانياتها الرائعة، التي تذهب أبعد إمكانيات التكنولوجيا. بعبارة أخرى، تتطلب معرفة الذات أن نجمع، في جدلية فاضلة، هشاشة الإنسان وعظمته. من دهشة هذا التباين تولد الثقافة: التي لا تكتفي أبدًا، بل هي على الدوام في بحث، قلقة وجماعيّة، منضبطة في محدوديّتها ومنفتحة على المطلق. أتمنى لكم أن تنمّوا اكتشاف الحقيقة الشغوف هذا!

– وخلص البابا فرنسيس إلى القول العبارة الإرشادية الثانية تشير بالضبط إلى الحقيقة. وهي جملة يسوع المسيح الذي قال: “الحق يحرركم”. شهدت المجر سلسلة من الأيديولوجيات التي فرضت نفسها كحقائق، ولكنها لم تكن تعطي الحرية. وهذا الخطر لم يختف اليوم أيضًا: أفكر في الانتقال من الشيوعية إلى الاستهلاكية. إنَّ القاسم المشترك بين هذين “النظامين” هو فكرة خاطئة عن الحرية. حريّة الشيوعية هي “حرية” قسرية، مقيدة من الخارج، يقررها شخص آخر؛ أما حريّة الاستهلاكية فهي “حرية” متحررة، ومُتَعيَّ، ومنغلقة على نفسها، تجعلنا عبيدًا للاستهلاك وللأشياء. ما أسهل أن ننتقل من القيود المفروضة على التفكير، كما في الشيوعية، إلى الاعتقاد بأنّه ليس هناك حدود، كما في الاستهلاك! من حرية مقيدة إلى حرية بدون مكابح. لكنَّ يسوع يقدم مخرجًا، ويقول إن الحقَّ هو الذي يحرر الإنسان من إدمانه وإغلاقه. إنَّ المفتاح للوصول إلى هذه الحقيقة هو معرفة لا تنفصل أبدًا عن الحب، معرفة علائقيّة متواضعة ومنفتحة، ملموسة وجماعيّة، شجاعة وبناءة. هذا ما دُعيَت الجامعات لكي تُعززه وما دُعي الإيمان لكي يغذِّيه. لذلك أتمنى أن تكون هذه الجامعة وكل جامعة مركزًا للشموليّة والحرية، وورشة خصبة للإنسانية، ومختبرًا للرجاء. أبارككم من كلِّ قلبي وأشكركم على كل ما تقومون به. 

في الختام

في نهاية الزيارة الرسولية للمجر كان في وداع قداسة البابا فرنسيس بالمطار الدولي ببودابست رئيسة الجمهورية المجرية السيدة كاتالين نوفاك Novák Katalin والتي حرصت على إعداد كعكة صغيرة بنفسها مصنوعة في المنزل لقداسة البابا فرنسيس وهذا حسب ما نشرت على صفحتها الرسمية ” “بصفتي ربة منزل مجرية، لم أكن أريد أن يتركنا الأب الأقدس دون أن أقدم له كعكة صغيرة مصنوعة في المنزل. هذا هو السبب الذي جعلني أخبزه بنفسي” وأعرب قداسة البابا فرنسيس عن سعادة بهذه اللفتة الجميلة.

كما توجه قداسة البابا عند مغادرته دولة المجر بالشكر قائلا “مرة أخرى أعبر عن امتناني الصادق لرئيسة المجر والسلطات المدنية وجميع المواطنين المجريين على الترحيب الحار وكرم الضيافة. أسأل الله أن ينعم على هذا الوطن كله بالوحدة والأخوة والسلام.

Share this Entry

مايكل عادل أمين

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير