“ها منذ الآن يطوّبني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع بي العظائم” ( لوقا ١ : ٤٨ – ٤٩)
هذا النشيد النبويّ قالته أمّنا مريم العذراء أثناء زيارتها لنسيبتها أليصابات، لتكون في خدمتها وهي حامل بيوحنّا في شهرها السادس.
في هذا الشهر المريمي المبارك ً نأتي إلى العذراء مريـم ، وفينا ملء الثقة بأنّها تحفظنا وتحمينا بيدها الخفيّة . نتوافد إليها لنشكرها على حنانها وسهرها ، باسطةً يدي أمومتها، وهي تغدق النعم السماويّة على كلّ واحدٍ مِنّا يحمل في طيّات قلبه عاطفة بنوية لأُمنا السماويّة . وهي بدورها تحتضننا بيديها المباركتين ، وترفعنا إلى إبنها يسوع . متذكرين قول القدّيس برناردوس: ” إذا تبعت العذراء مريم لا تتيه ، وإذا دعوتها لا تيأس ، وإذا تأمّلتها لا تضلّ ، وإذا أسندتك لا تعثُر ، وإذا حملتك لا تخاف ، وإذا أرشدتك لا تتعب ، وإذا نلت لديها حظوة بلغت ميناء النجاة ” .
جميع الأجيال على وجه الأرض يطوّبون العذراء مريم ، أمّ يسوع، فادي الإنسان ومخلّص العالم ، حتى نهاية الأزمنة، ” لأنّ الله القدير صنع لها العظائم “( لوقا ١ : ٤٨ – ٤٩) .
أول هذه العظائم التي نالتها العذراء مريـم من الله هي الحبل بها بلا دنس ، كثمرة حبّ والديها يواكيم وحنّة ، معصومة من دنس الخطيئة الأصليّة الموروثة من معصية أبوينا الأوّلين آدم وحوّاء . إنّ ” عقيدة الحبل بلا دنس ” أعلنها الطوباويّ البابا بيوس التاسع في ٨ ديسمبر / كانون الأوّل ١٨٥٤ ، بقوله : ” إنّ الطوباويّة مريم العذراء عُصمت منذ اللحظة الأولى للحبل بها من كلّ دنس الخطيئة الأصليّة ، وذلك بنعمة وإنعام فريدين من الله القدير ، ونظراً إلى استحقاقات يسوع المسيح مخلّص الجنس البشريّ الذي سيولد منها بقوّة الروح القدس ” .
ومن بين عظائم الله لها ايضاً : أمومتها ليسوع الكلمة المتجسّد وهي عذراء بقدرة الروح القدس ، وبطاعة الإيمان . فظلّت عذراء قبل الميلاد وأثناء الميلاد وبعده . ومشاركتها في آلام ابنها يسوع لفداء العالم . ووقفت على أقدام الصليب بألم لا يوصف ، ولكن دائماً بطاعة الإيمان . فكما بطاعتها الإيمانيّة يوم البشارة أصبحت امّ يسوع التاريخيّ ، هكذا بطاعة الإيمان أمام إبنها المصلوب على خشبة الصليب والألم يمزّق قلبها، أصبحت أمّ يسوع الكليّ أي الكنيسة المتمثّلة بيوحنّا ” يا مريـم هذا إبنك ” ( يوحنا ١٩ : ٢٧ ) .
وتوّج الله عظائمه لمريم بإنتقالها إلى مجد السماء بنفسها وجسدها وهي عقيدة أعلنها المكرّم البابا بيوس الثاني عشر في أوّل نوفمبر / تشرين الثاني ١٩٥٠ بحيث لا يمكن لمريم المعصومة من كلّ خطيئة ان تعرف فساد الموت . ” فبعد أن أنهت مسيرة حياتها على الأرض رُفعت بالنفس والجسد إلى المجد السماويّ “. وتوّجها الثالوث القدّوس : الآب وهي إبنته، والإبن وهي أمّه ، والروح القدس وهي عروسته ، سُلطانةً على السماوات والأرض ، وأمّ جميع الشعوب ، ولذلك لن تترك هذه الأُم السماويّة أبناءها فريسة للأشرار ، وضحية للحروب والأمراض والكوارث الطبيعية ، بل تتعهّد الجميع بحنانها، وتعرف كيف تخاطب قلوبهم لتخلصهم من كل الشرور ، والأعداء المنظورين وغير المنظورين .
ثقتنا بأمّنا مريم العذراء تبقى كبيرة . لإنها تحفظ بلادنا وتحمي شعوبنا وتثبتهم في إيمانهم ليقوموا بواجب رسالتهم ودورهم في عائلتهم وكنيستهم ومجتمعهم على جميع الأصعدة، الروحية منها والإجتماعية .
في شهر مايو / أيار ، شهر أمّنا مريم العذراء ، نجدّد الطوبى لها والتكريم ، ونسألها أن تتشفّع لنا لدى العرش الإلهيّ من أجل تحقيق أمنياتنا وأُمنيات كلّ الذين يلتجئون إليها حاملين آمالهم وهموم قلوبهم . ومعها نمجّد الثالوث القدّوس الذي اختارها : الآب إبنةً له ، والإبن أُمّاً له ، والروح القدس عروسةً له ،
+ المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك