” كانوا إذاً مُجتمعين فسألوه : ” يا ربّ ، أفي هذا الزمن تُعيدُ المُلكَ إلى إسرائيل ؟ ” فقال لهم : ” ليس لكم أن تعرِفوا الأزمنة والأوقات التي حدّدها الآب بذاتِ سُلطانه . ولكن الرُّوح القُدُس ينزلُ عليكم فتنالون قوةً وتكونون لي شهوداً في أُورشليم وكُلِّ اليهودية و السامرة ، حتى أقاصي الأرض . ولما قال ذَلِكَ ، رُفِعَ بمرأى منهم ، ثمَّ حجَبه غمامٌ من أبصارهم . وبينما عُيونهم شاخصةٌ إلى السماء وهو ذاهب ، إذا رجلان قد مثلا لهم في ثياب بيض وقالا : ” أيُّها الجليليون ، ما لكم قائمين تنظرون إلى السماء ؟ فيسوع هذا الذي رُفِعَ عنكم إلى السماء سيأتي كما رأيتموه ذاهباً إلى السماء ” . فرجعوا إلى اورشليم من الجبل الذي يُقال له جبل الزيتون ………. وكانوا يواظبون جَميعاً على الصلاة بقلبٍ واحد ، مع بعض النسوة ومريم أُم يسوع ومع إخوتهِ . ( اعمال الرُسُل ١ : ٦ – ١٤ )
” وبَعدَ ما كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ يسوع ، رُفِعَ إِلى السَّماء ، وجَلَس عَن يَمينِ الله ” (مرقس ١٦ : ١٩ ) .
ثم خرج بهم إلى القرب من بيتَ عنيا ، ورٓفَعَ يديه فباركهم . وبينما هو يباركهم ، انفصلٓ عنهم ورُفِعَ إلى السماء . فسجدوا له ، ثم رجعوا إلى اورشليم وهم في فرحٍ عظيم . وكانوا يُلازمون الهيكل يُباركون الله . ( لوقا ٢٤ : ٥٠ ٣٥ ) .
وهكذا انطلقَ يسوع عائداً إلى حيث كانَ ، عادَ من المكان الذي ما زالَ يسكنُه ، في الواقع ، عندما صعدَ إلى السماء بإنسانيّته ، جمعَ السماء والأرض بألوهيّته . ما نلاحظَه في احتفال اليوم ، هو إلغاء القرار الذي كان يدينُنا والحكم الذي كان يُلبسُنا ثوب الفساد . في الواقع ، فإنّ الطبيعة البشريّة التي وُجِّهَ إليها هذا الكلام : ” لأَنَّكَ تُرابٌ وإِلى التُّرابِ تعود ” (تكوين ٣ : ١٩ )، هذه الطبيعة البشريّة بالذات صعدَتْ اليوم إلى السماء مع الرّب يسوع المسيح . لذا، علينا أن نتبعَه من كلّ قلبنا ، حيث نعرف بالإيمان أنّه صعدَ بالجسد. فَلنَتجنّبْ ملذّات الأرض : فلا تُعيقُنا أيّ علاقات دنيويّة ، نحن الذين لنا الآب في السماوات .
فَلنفكِّرْ أيضاً في أنّ الذي صعدَ إلى السماء مليئاً بالمودّة سيعود متشدِّداً … ، هذا ما يجب أن يجب أن نعمله ، ولنفكّر في هذا الأمر باستمرار . حتّى لو كنّا مرهقين وسط دوّامة أعمال هذا العالم ومشاكله وصعوباته وهمومه ، لنرمي منذ الآن “مرساة النفس ” ، ” لإن المسيح لنا مثلُ مِرساةٍ للنفسِ أمينةٍ متينةٍ تخترق الحجابَ إلى حيثُ دخلَ يسوع من أجلنا سابقاً … ” (عبرانيين ٦ : ١٩ – ٢٠ ) في الوطن الأبديّ . فَلنبحَثْ لخلاص نفوسنا عن النور الحقيقيّ فقط .
سَمعْنا أنّ الربّ صعدَ إلى السماء فَلنفكِّرْ بإمعان فيما نؤمن. رغم ضعف الطبيعة البشريّة التي ما زالَتْ تربطُنا بالأرض، فَليَجذبْنا الحبّ إليه، لأنّنا على ثقة بأنّ الذي أوحى لنا بهذه الرغبة ، يسوع المسيح ، لن يخذلَنا في رجائنا.
إنتقال العذراء مريـم بالنفس والجسد :
إنتقال العذراء مريـم مشاركة فريدة في قيامة إبنها وصعوده بالمجد نفساً وجسداً إلى السماء ، وإستباق لقيامةِ القلوب ومشاركةِ النفوس المفتداة بدمِ إبنها الفادي الإلهي في الأمجاد السماويّة ، ولقيامةِ الأجسادِ في نهايةِ الأزمنة للمشاركة في هذا المجد .
يَظهر مجد الله في قداسة مريم أثناء حياتها الأرضية ، متوّجاً في إنتقالها إلى السماء ، على أنها إستمرارية لقيامة الرب وصعوده إلى الأمجاد السماويّة وجلوسِهِ ” عن يمين الله .
أقوال آباء الكنيسة :
وقد ظهرت هذه العقيدة في كتابات آباء الكنيسة إذ يقول القديس يوحنا الدمشقي : “ كما أن الجسد المقدّس النقي ، الذي اتخذه “ الكلمة الإلهي ” من مريم العذراء ، قام في اليوم الثالث هكذا كان يجب أن تُؤخذ مريم من القبر ، وأن تجتمع الأم بابنها في السماء ” ويتابع القول : “ كان لا بد لتلك التي استقبلت في أحشائها الكلمة الإلهي ، أن يتم انتقالها إلى أخدار ابنها ، كان لا بد للعروسة التي اختارها الآب ، أن تقيم في أخدار السماوات ” . ويشير القديس يوحنا الدمشقي إلى هذا السر بعظة شهيرة فيقول :
“ اليوم حُمِلَت العذراء إلى الهيكل السماوي . اليوم ، التابوت المقدس الحي الحامل الإله الحي ، التابوت الذي حمل في أحشائه صانعه ، اليوم يرتاح في هيكل الرب الذي لم تبنه أيدٍ بشرية ” .
أما القديس بطرس دميانوس فيقول : “ في صعودها جاء ملك المجد مع أجواق الملائكة والقديسين لملاقاتها بزفةٍ إلهية ، ولهذه الأقوال نجد صدىً في الكتاب المقدس ولاسيما نشيد الأناشيد يقول :
” قومي يا خليلتي ، يا جميلتي ، وهَلُمِّي ” ( نشيد الأناشيد ٢ : ١٠ ) .
وأخيراً ، أشار نص سفر الرؤيا إلى مصير سيدتنا مريم العذراء ، مصير مجد فائق الوصف لأنها متحدة بشكل كبير بالإبن الذي تلقته بالإيمان وولدته في الجسد ، وقاسمت بالكمال مجده في السماوات . “ظهرت آية عظيمة في السماء : إمرأة ملتحفة بالشمس والقمر تحت قدميها ، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً ، حامِلٌ تَصرُخُ من ألم المخاض … فوضعت ابناً ذكراً ، وهو الذي سَوفَ يَرعى جَميعَ الأُمَمِ بِعَصاً من حديد ” (رؤيا يوحنا ١٢ : ١ – ٢ و ٥ ). إن عظمة مريم ، أُمّ الله ، الممتلئة نعمةً ، والخاضعة بالكامل لعمل الروح القُدُس ، تعيش في سماء الله بكامل كيانها ، نفساً وجسداً .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك