” ولما قال ذلك ، رُفِع بمرأى منهم ، ثمَّ حَجَبَه غمام عن أبصارِهِم . وبينما عُيونُهم شاخصةٌ إلى السماء وهو ذاهب ، إذا رجلان قد مَثَلا لهم في ثيابٍ بيض وقالا : ” أيُّها الجليليُّون ، ما بالكم قائمين تنظرون إلى السماء ؟ . فيسوع هذا الذي رُفِعَ عنكم إلى السماء سيأتي كما رأيتموه ذاهباً إلى السماء ” . فرجَعوا إلى أورشليم من الجبل الذي يُقال لَهُ جبل الزيتون ، الذي هو قريبٌ من أورشليم (أعمال الرُسُل ١ : ٩ – ١١).
في هذا اليوم يكتمل أربعون يوماً على قيامة الربّ يسوعَ من بين الأموات لذلك ، ومن المحتم أن يأتي الصعود يوم خميس . وأحداث هذا اليوم تمّت بعد ظهور المسيح الأخير لتلاميذه ، بعد أن ظهر لهم مرات عديدة خلال الأربعين يوماً وهو على الأرض . ثم خرج بهم إلى القرب من بيت عنيا ، ورفَعَ يديه فباركهم .وبينما هو يُبارِكُهم ، انصلَ عنهم ورُفِعَ إلى السماء . فسجدوا له، ثمَّ رَجَعوا إلى اورَشليم وهم في فرحٍ عظيم . وكانوا يلتزمون الهيكل وهم يُباركون الله ( لوقا ٢٤ : ٥٠ – ٥٣ ) .
اليوم صعد الرب يسوع بمجدٍ عظيم إلى السماء أمام تلاميذِهِ بعد أن أكمل تدبير الفِداء والخلاص . صعد إلى الله الآب الذي أرسله وهو مزمع أن يجعل أعدأءه تحت موطئ قدميه .
في ميلاد الرب يسوع حَمَلتْ السماء إلى الأرض ، بواسطة الملائكة البشارة المفرحة بنزول المسيح إليها ، وتجسده و تأنسه من مريـم العذراء ، واليوم تزف إلى السمائيين بشارة فرح وإبتهاج قيامة الرب من الأموات وصعوده إلى السماء.
فأي شكر وتسبيح نقدمه لمخلصنا في هذا اليوم، الذي أقام طبيعتنا و أصعدنا معه، ذاك الذي في صعوده حملنا معه واجتاز السموات ورفع في المجد.
عيد الصعود بعد عيد القيامة قمّة الأعياد :
تنحصر كتابات الأباء القديسون الأوائل بالتأملات الروحية حول هذا العيد ، مثال :
في تأملات القديس يوحنا فم الذهب (٣٤٧-٤٠٧ م)، يشرح نبؤة داود النبي ويقول :
” في صعود المخلص رافقته مواكب الملائكة ورؤساء الملائكة بالتسابيح وحولهم ضياء عظيم في نور ومجد لا يوصف ، وعندئذ هتف الروح القدس أَمِراً القوات السماويّة وقائلاً لهم : ” ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم ليدخل ملك المجد ” .
ومدحه القديس إبيفانيوس ( ٣٢٠ -٤٠٣م) قائلا : ” إن هذا اليوم هو مجد الأعياد وشرفها، لأن الرب أكمل في هذا اليوم عمله الراعوي العظيم بمحبته للخراف “.
ويصف القديس ساويرس الأنطاكي (٤٥٩-٥٣٦ م ) ، هذا العيد كأَجلّ الأعياد ، إذ يقول :
” إني احتفل بتقاليد الرسل القديسين التي سلمّها لنا أعمدة الكنيسة كميراث أبدي لا يفنى بعد أن تسلَّموها كل واحد بدوره كما يتسلم الإبن من أبيه، وهذه تمت على أيديهم وأزهرت في الكنيسة، ومن بين هذه التقاليد التي استلمناها تنادي به الكنيسة اليوم لتعلمنا به أن المسيح لأجلنا صعد إلى السموات “.
وهنا نتساءل ، لماذا دخل السيد المسيح الملك الظافر والمُمَجَّد في السماء وعلى الأرض يوم أحد الشعانين اورشليم الارضية ؟ وما علاقة دخوله اورشليم بصعوده إلى السماء ؟ :
١ – دخل اورشليم ليتألم ، وليُعلن عن موتهِ وقيامته ، واليوم في صعوده يدخل أورشليم السماويّة ، إلى مجده ، منتصراً .
٢ – دخلَ اورشليم راكباً على جحش ، واليوم صعد إلى السماء راكباً على السُحاب .
٣ – دخل المدينة وسط بتهاليل الشعب ، واليوم تستقبله الملائكة بالتسابيح .
٤ – دخل اورشليم وكانت الجموع التي تتقدّمهُ والتي تتبعهُ تهتف : خلِّصنا ، واليوم في السماء يهتفون خلّصتَنا .
فالشكر والتسبيح نقدمه لمخلصنا في هذا اليوم ، لأنه أقام طبيعتنا و أصعدنا معه ، وفي صعوده حملنا معه واجتاز السموات ورفع في المجد، ورفعنا معه .
فالمجدُ لصعودك أيُّها المسيحُ الإله ، المجدُ لك .