La croix mystique, Saint-Jean-du-Latran, capture @ livre de la retraite pour le carême 2018

هل المسيحيّة تتفلسف في الحياة الروحيّة؟ (9)

الجزء التاسع من سلسلة مقالات حول الفلسفة الروحية

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

في مقالنا السابق، تناولنا الروحانيّة البندكتيّة، وطبيعة الحياة النسكيّة والرهبانيّة والسياسيّة في أوروبا وكذلك  حياة القديس بنديكتوس… وروحانيته مع ذكر خطوطها العريضة. أما في هذه المقالة، فسنتناول التيّار الصوفيّ. حسب المفهوم المسيحي، يعتبر التصوّف بمثابة معرفة إخبارية من لله، إنه عيد حقيقي للنفس بسبب مجيء المسيح إليها. إنّه اختبار لحضور الله في الروح حيث يشعر المتصوّف بشعور داخلي ممتع وحميم. فالمسيحي يؤمن بحقيقة حضور المسيحي بداخله، أما المتصوّف، فهو يختبر بوضوح وبشكل جليّ هذه الحقيقة في داخله. التصوف هو معرفة بسرّ المسيح تتخطىّ المعرفة المعطاة بالكتب والليترجيا لتصل هذه المعرفة إلى الحقيقة بذاتها المخبّأة في الله.

         كل مرّة تنغمس فيها النفس في الأرضيات تتشوّه، ويعود هذا التشوّه إلى الخطيئة الأصليّة. حينها، تدخل النفس في مرحلة شفاء، هي التوبة بشخص المريض وبنعمة الله الذي توعيه نحو لله. والتحول الصوفي هو مسألة تطهير واتصال بالله. هكذا يعيش الإنسان دعوته بالمشاركة في حياة الله الذي يرمّم (الشخص) في الوقت ذاته لتستعيد بريقها الأوّل.

         لا يمكن أن يوضع الله في إطار الإنسان. لذلك، لا نجد مراحل تقليديّة ثابتة عند كل المتصوفين لأن الله يحتفظ لنفسه بالحريّة الكاملة والمطلقة في تعامله مع النفس؛ حسب النمط والتوقيت الذي يريده. على الرغم من ذلك، يمكننا اعتماد تقسيم يتضمنّ ثلاثة مراحل تتحوّل بتحوّل أماكن الشخصية حيث يعمل الحضور الإلهي.

  1. القسم الأدنى:

هو مكان المؤهلات الدنيا الأقل درجة، الشعور والاحساس (المشاعر والأحاسيس) التي تتضمّن الحواس الخمس والأهواء الطبيعية كالرغبات والحزن والفرح والحبّ والبغض والخوف، والتي يصير تحوّلها عند المبتدئين في المرحلة التطهيريّة.

  1. القسم الأعلى:

هو مكان المؤهلات العليا أو الروح. يصير تحوّلها عبر مرحلة الاستنارة، وتتضمنّ الحواس الروحيّة في الإدراك الروحيّ والفكر والذاكرة والسمع والشمّ والتذوق (حواس روحيّة تبغي التطهير). أما نقطة الاتصال بين الاثنين، أي القسم الأعلى والأدنى، فهي المخيلة، ويصير تحوّلها عبر تحوّل تخيلي خلال مرحلة الإتحاد.

  1. قمّة النفس:

تحدث قمّة النفس حيث يتحقق القرار الحرّ والواعي الذي يتحدّد بكون الإنسان كونه صورة الله. الإتحاد التصوفي في الله يؤمنّ للنفس التناغم والتوازن ويعيدها إلى واقعها الفردوسي حيث يستولي الله عليها وتصير مستسلمة له، وتكون، في الوقت ذاته، فعّالة ونشيطة والله يعمل فيها بشكل كامل. تبلغ النفس هنا الاستراحة الكاملة أو الحياة المشتركة مع الله.

قد يعيش المتصوّف بعض الظواهر الخارقة عن الطبيعة من دون أن تكون طبيعية في الاختبار التصوفي. إن سمات عدم الشعور والارتفاع عن الأرض والفرح الكبير والرؤى والكشف الإلهي هي اختبارات قد ترافق المتصوّف. في هذا السياق، يؤثر العمل الإلهي في مقومات شخصية الإنسان ويسبب بعض الاختبارات المرئية. بما أن حبّ المسيح هو حبّ مجروح، فبقدر ما يتّحد المرء بهذا الحبّ، يصل التأثير على الجسد الذي قد تظهر عليه بعض علامات الجروح والسمات.

أمّا عن اختبار الارتفاع عن الأرض، فيحدث وبسبب الإتحاد الكامل للنفس بالمسيح، حيث ترتفع هذه الأخيرة ويرتفع معها الجسد وكأنه صار خفيفًا. ويصير اتحاد النفس بالله أقوى من اتحاد النفس بالجسد. لا يطلب المتصوفون هكذا ظواهر وينصحون بعدم إعطائها أهميّة قصوى. بل على العكس، إنّهم يضبطون ذاتهم قدر المستطاع وينتظرون الأبديّة ليستثمروا بثمار فضائلهم. ومن أبرز المتصوفّين القديسين تريزيا الأفيلية ويوحنا الصليب…

يتبع

لقراءة المقالة السابقة، أنقر على الرابط التالي:

هل المسيحيّة تتفلسف في الحياة الروحيّة؟ (8)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

سليمان فرنجيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير