” انت صخرٌ وعلى الصخرِ هذا سأبني كنيستي ، فلن يقوى عليها سُلطان الموت” ( متى ١٦ : ١٨ )
على صخرة إيمان بطرس بيسوع المسيح ابن الله الحيّ، بنى الربّ يسوع كنيسته، وشبّهها ببيتٍ مبنيٍّ على الصّخر، فلا تنال منه الأمطار مهما كانت غزيرة، ولا الرياح مهما عصفت واشتدّت. هكذا الكنيسة جماعة المؤمنين بالمسيح التي هي جسده، وهو رأسها، تُبنى على الإيمان القوي والصامد بالمسيح يسوع المُرسل من الله نبيّاً وكاهناً وملكاً بامتياز، ولأنّه أشركها في رسالته المثلّثة بسري المعمودية والميرون المقدسين .
إيمانَنا بالمسيح الذي نعلنه خلال إحتفالاتنا ، هو نفس إيمانُ القديس بطرس، وإيمانَنا بالكنيسة المبنيّة على صخرة هذا الإيمان، وفينا رجاءٌ وطيد أنّ قوى الشرّ لن تنال من كيانها ورسالتها. فلنكنْ ثابتين في الإيمان مثل إيمان بطرس الصخرة الذي قال ليسوع : ” أنت المسيح ابن الله الحيّ ” ( متى ١٦ : ١٦ ) . هذا هو إعلان إيمان بطرس الرسول، هذا هو الإيمان الذي نجاهر به على مثال آباءنا وأجدادنا. إنّه مختصرُ إيماننا المسيحي، والمكوِّنُ لهوّيتنا التي نلناها من خلال سري المعمودية والميرون .
فالمسيح إبن الله وإبن الإنسان، هو إلهٌ كاملٌ وإنسانٌ كامل وقد أنشأ كنيسته كأداةٍ للخلاص الشّامل، ولا يمكن لقوى الشرّ نزعها أو نزع عمل الفداء المؤتمنة عليها .وبالتّالي هو وحده وسيط الخلاص بين الله والبشر. وقد منح هذا الخلاص للجنس البشري كلّه بتجسّده وموته الفدائي على الصليب ، وقيامته من بين الأموات، ومنحنا نعمة الخلاص بفعل الروح القدس وحلوله علينا .
المسيح نفسه ، المُرسل من الله، نبياً وكاهناً وملكاً بامتياز:
إنّه النبي بامتياز الذي يكلّم العالم بكلمة الله ، كلمة الحقّ ويعلّمها، لإنه هو الكلمة نفسُها.
وهو الكاهن بامتياز الذي يؤدّي العبادة لله ويقدّم ذاتِهِ ذبيحة الشكر والإستغفار على صليب الفداء . وهو نفسه الملك الذي دشّن ملكوت الله على أرضنا، وربطها بألوهيته وإنسانيته بدفتي صليبه ، عاموديّاً مع الله وأُفقيّاً مع البشريّة جمعاء .
وبما أن المسيح رأس الكنيسة ، رأس جسدنا السرّي ، فقد أشركنا، نحن أعضاء جسده، بواسطة المعمودية والميرون، في هويّة النبوءة والكهنوت والملوكيّة، وأئتمننا على رسالتها المثلّثة في الكنيسة والعائلة والمجتمع وشتّى المسوؤليات الروحيّة والزمنيّة.
رسالتنا نبوية وكهنوتية وملوية :
في الوظيفة البنويّة، نحن مدعوّون لتجسيد قيم الإنجيل في الحياة الكنسية والعائليّة والإجتماعيّة، ونشهد للرّجاء بصمودنا أمام المحن والصعوبات ، ونعمل على تحويل واقع الحياة الإجتماعيّة إلى ما هو أفضل وأحسن لحياتنا الأرضية الزمنية ، ومن بعدها لحياتِنا الروحيّة الأبديّة في الملكوت السماويّ ..
في الوظيفة الكهنوتيّة، نجعل من أعمالنا وأتعابنا قرابين روحيّة حيَّة ، تسبيحاً لله الخالق، ونضمّها إلى ذبيحة الفادي الإلهي، فتصبح فعل عبادة حقّة لله.
وأخيراً في الوظيفة الملوكيّة، نلتزم السعي إلى التغلّب على الخطيئة، وإلى إحلال السلام والعدالة والأخوّة ، ونجتهد في خدمة المسيح وإنجيله وتعاليمهِ ووصاياهِ .
كمسيحيين ومؤمنين بالسيد المسيح ، لا يمكننا أن ننسى هويتنا التي نلناها بسر المعموديّة المُقدّس ، ونحن على يقين أنّنا أصحاب رسالة في العالم إنطلاقاً من هذه الرسالة المثلّثة التي أعطانا إياها المعلم الإلهيّ يسوع المسيح .
المسيح فرحنا وسعادتنا :
إن القديس بطرس لم يعرف معنى السعادة والسلام والحب إلا عندما التقى بالرب يسوع والكنيسة . واليوم ، أكثر من الأمس ، الكنيسة بحاجة إلى رسل وتلاميذ للرب يسوع على مثال بطرس وبولس، وسائر الرُسُل ، لكي يحملوا بُشرى الخلاص إلى العالم .
نصلّي اليوم وفِي سائر ايام حياتِنا ، من أجل رسالتنا السامية ، وكلّنا اذانٌ صاغية إلى ما يقوله الروح القدس لنا جَميعاً ، لنرسخ رجاءنا على صخرة ايماننا وهي كنيستنا ، الواحدة ، الجامعة ، المقدسة ، الرسوليّة ، التي لا تتزعزع و ” ابواب الجحيم لن تقوى عليها ” ( متى ١٦ : ١٦ ) .
فالنتعلق بالقيم المسيحية والعمل بها لنشر المحبة وعيشها لإنها وحدها تساعدنا على الخلاص من ازماتنا على جميع الأصعدة الروحيّة الكنسية ، والإجتماعية والتربوية ، والسياسية والإقتصادية وغيرها التي نعاني منها ، ولننفتح على العالم على مثال القديس بُطرس ومعه القديس بولس وسائر الرُسُل والقدّيسين الذين ضحوا بحياتهم من أجل المسيح ، ونزرع فيه ، وفي جميع القلوب المحبّة والحقيقة والوحدة والإنسانية والأخوّة والتضامن .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك