صحيح أنّ اسمه كان الأخير على لائحة المُرشّحين للكونسيستوار الذي أعلنه البابا في 30 أيلول المقبل، إلّا أنّه ليس بالتأكيد الأخير في قلب الحبر الأعظم.
فمع إعلانه يوم الأحد 9 تموز عن الكرادلة الجُدد الذين سيُعيّنهم، لفظ الحبر الأعظم اسم كاهن كبوشي يبلغ من العمر 96 عاماً، وهو منذ تقاعده سنة 2007 يُمضي معظم وقته في كرسي الاعتراف المعزول في مزار سيّدة بومباي في بوينس أيريس: إنّه الأب لويس باسكوال دري المولود في الأرجنتين سنة 1927، مع العِلم أنّ الأولاد في عائلته، إلّا ولداً واحداً، تكرّسوا لله في الحياة الدينيّة.
في التفاصيل الأخرى التي أوردها القسم الفرنسي من موقع “فاتيكان نيوز”، تكلّم البابا فرنسيس مراراً عن الأب دري، ذاكِراً مثاله خلال اللقاء مع كهنة روما، ثمّ في عظة قدّاس السيامات الكهنوتيّة، وفي كتاب “اسم الله رحمة”، في عظة القدّاس مع الآباء الكبوشيين وخلال اللقاء مع مُعرّفي اليوبيل، بدون أن ننسى أنّه، وفي شباط 2017، أراد أن يُقدّم لكهنة روما نماذج عن كتاب “لا تخشوا أن تغفروا” مع سيرة شخصيّة للكاهن.
وخز ضمير بين يدَي يسوع
عندما يتكلّم فرنسيس عن الاعتراف والاستقبال في كرسي الاعتراف، يُفكّر دائماً في دري.
“أتذكّر مُعرِّفاً كبيراً، إنّه كاهن كبوشي كان يخدم في بوينس أيريس. أراد أن يُخاطبني يوماً وأخبرني قائلاً: “أطلب منك المساعدة، لديّ دائماً عدد كبير من الناس أمام كرسي الاعتراف، كما عدد كبير من الكهنة… أنا أغفر كثيراً، وأحياناً ينتابني وخز ضمير وشكّ في كوني بالغتُ في المسامحة”. فتكلّمنا عن الرحمة وسألته عمّا يفعل عندما يشعر بوخز الضمير فأجاب: “أتوجّه إلى الكنيسة الصغيرة أمام بيت القربان وأقول ليسوع: سامحني يا رب، لأنّني سامحتُ كثيراً. لكنّك أنتَ مَن أعطيتني المثال السيّىء”. ولن أنسى هذا أبداً! عندما يعيش كاهن الرحمة هكذا حيال ذاته، يمكنه أن يُعطيها للآخرين”.
هذه الكلمات أثّرت ببرغوليو (البابا فرنسيس) عندما كان ما زال كاردينالاً في بوينس أيريس، خاصّة وأنّه يعرف أنّ دري يلازم كرسي الاعتراف صباحاً ومساء “حتّى ذوبان كلّ الشموع”.
من ناحيته، عبّر دري عن شكره للبابا فرنسيس على ثقته به “التي لا يستحقّها” مُضيفاً: “لستُ كاهناً أجرى دراسات، ولا أحمل دكتوراه. لكنّ الحياة علّمتني كثيراً. وبما أنّني وُلدتُ فقيراً، أشعر أنّه عليّ دائماً التكلّم عن الرّحمة والمساعدة والقُرب. يجب ألّا يرحل أحد مِن هنا وهو يُفكّر أنّني لم أفهمه أو رفضتُه أو أبعدتُه”.
الثقة بالله
لم يكن للأب دري ما يقوله من نصائح مميّزة لإخوته المُعرِّفين إلّا: “ما يقوله البابا، لا يمكنني التفوّه بشيء آخر، لأنّني أشعر بذلك وأعيشه. الرحمة والتفهّم وبذل الحياة في الإصغاء والفهم ووضع الذات في مكان الآخر لفهم ما يحصل. ليس علينا أن نكون موظّفين يكتفون بحلّ الخطايا. على العكس. أعتقد أنّه علينا أن نكون قريبين وأن نُظهر المحبّة إذ هناك أشخاص لا يعرفون معنى الاعتراف. لا تخافوا ولا تقلقوا. الاعتراف هو فقط الرغبة بأن نكون أفضل، ليس إلّا. لا يجب أن نتساءل عن عدد المرّات التي نعترف بها بخطايانا ولا مع أيّ مُعرِّف نتكلّم. أعتقد أنّ هذا كلّه يُبعد الشخص عن الاعتراف. وأنا عليّ أن أقرّب الناس من الله ومن يسوع”.
أمّا للتائبين، فقد أعطى الكاهن الذي سيُصبح كاردينالاً النصيحة التالية: “لا تخافوا. أنا أُظهر دائماً صورة الأب الذي يحضن الابن الشاطر إذ يُطرَح عليّ دائماً سؤال: لكن هل سيُسامحني الله؟” الله يقبّلكم ويحبّكم ويمشي معكم. لقد أتى ليُسامحكم وليس ليُعاقبكم. أتى ليكون معنا، ترك السماء ليكون معنا. إذاً كيف يمكن أن نخاف؟ إنّها أفكار خطأ عن الله الآب”.
في مدرسة القدّيسين
وأخيراً، تطرّق الأب دري إلى صورة الأب ليوبولدو ماديك الذي أظهر التصرّفات نفسها مع الناس في كرسي الاعتراف: “نعم أعرفه كثيراً. قرأت عن حياته وتعلّمتُ منه كثيراً. كما وأنّني تعلّمتُ من بادري بيو. كنتُ معه سنة 1960. كنتُ مع بادري بيو في الدير عينه واعترفتُ معه. القدّيس ليوبولد والقدّيس بيو علّماني الكثير من الأمور الجميلة حول الرحمة والحب والسلام والصفاء والقُرب. حتّى ولو كان بادري بيو قويّاً لمّا وجب أن يُصغي ويُسامح، كان مثل يسوع”.