Transfiguration of the Lord. Affresco from the Vatican.

Robert Cheaib - flickr.com/theologhia

ما هو عيد التجلي؟

تجلي الرّبّ إعلان مسبق لملكوت الله

Share this Entry

” هذا هو ابني الحبيب الذي عَنهُ رَضِيت ، فله اسمعوا ” ( متى ١٧ : ٥ ) .

بهذه الكلمات خاطب الرب إبنه الوحيد في اليوم الذي ظهر فيه يسوع بهيئته الإلهية على جبل طابور بالقرب من الناصرة .

عيد التجلي أو كما يعرف ب “عيد الرب ” يوم تحتفل به البشرية في السادس من آب في كل عام , هو عيد نرفع فيه أبصارنا نحو السماء ، ننظر فيه إلى المسيح الكلي القدرة والمجد ، طالبين رحمته .

فبعد إعلان آلامه لتلاميذه أخذ يسوع كلُ من بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم الى الجبل ، وتجلّى أمامهم فشّع وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور ، في هذا اليوم بالذات نال الرّبّ يسوع من الآب إكراماً ومجداً ، لذلك نحن مدعوون للتغيير والتحول ، لنكون ، كيسوع المسيح ، أبناء حقيقيين لله تعالى ،  وتجلينا الحقيقي يكمن في الحياة حسب إرادة الله والسير حسب وصاياه . فالإنسان المُتجلي الذي يعيش إرادة الله في حياته ، إنما يشعّ نور الله من خلاله ، على مثال المسيح الذي أشعّ نوراً وجمالاً وبهاءً ، عند ساعة تجليه المجيدة . هذا اليوم يعلمنا أشياء كثيرة ومنها ان اكليل المجد يأتي من اكليل الشوك وانه لا قيامة دون موت ، لأن تجلي المسيح هو إعلان مسبق لملكوت الله .

وبعد ستةِ أيام مضى يسوع ببطرس ويعقوب وأخيه يوحنا ، فانفرد بهم على جبلٍ عالٍ ، وتجلّى بمرأى منهم ، فأشع وجهه كالشمس ، وتلألأت ثيابه كالنور . ( متى ١٧ : ١ – ١٣ )

أراد الرّب يسوع أن يُسلّح تلاميذه بقوّة كبيرة في النفس وبثبات يسمحان لهم بحمل صليبهم الخاصّ  بدون خوف ولا وجع ، رغم فظاعته وثقلهِ . أرادهم أيضاً ألاّ يخجلوا من آلامه ، وألاّ يعتبروا عاراً الصبر الّذي سيخضع به لآلام قاسية ، بدون أن يفقد شيئاً  من مجد قوّته . ” فَمَضى يسوعُ بِبُطرُسَ  ويعقوبَ ويوحَنَّا فانفَرَدَ بِهِم وَحدَهم على جَبَلٍ عالٍ ” ، وأظهر لهم هناك بهاء مجده . حتّى لو أنّهم فهموا أنّ العظمة الإلهيّة كانت فيه ، كانوا لا يزالون يجهلون القوّة التي يحملها هذا الجسد الحاجب الألوهة …

أظهر الربّ إذاً  مجده في حضرة شهود كان قد اختارهم ، ونشر على جسده ، الشبيه بكلّ الأجساد الأخرى ، بهاءً ساطعًاً ، ” فأَشَعَّ وَجهُه كالشَّمس ، وتَلألأَت ثِيابُه ناصِعَةَ البَياض ” .   لا شكّ  في أنّ هدف هذا التجلّي كان خاصّةً إزالة عار الصليب من قلب تلاميذه ، وعدم زعزعة إيمانهم بسبب ذلّ آلامه الإراديّة والطوعيّة …، لكنّ هذا التجلّي كان يؤسّس في كنيسته الرجاء الّذي  سيساندها . وهكذا يفهم جميع أعضاء الكنيسة ، التي هي جسد المسيح ، أنّ هذا التحوّل سيتمّ  فيهم  يوماً ، لأنّ الأعضاء موعودون بالمشاركة في المجد الّذي أشرق في الرأس . والربّ يسوع  نفسه قال في كلامه عن عظمة مجيئه : ” الصِّدِّيقونَ يُشِعُّونَ حِينَئذٍ كالشَّمْسِ  في مَلَكوتِ أَبيهِم ” (متى ١٣ : ٤٣ ) . والرّسول بولس أكّد قائلاً : ” أَرى أَنَّ آلامَ الزَّمَنِ الحاضِرِ لا تُعادِلُ المَجدَ الَّذي سيَتَجَلَّى فينا ” ( رومة ٨ : ١٨ ) … وكتب أيضاً : ” لأَنَّكم قد مُتُّم وحَياتُكم مُحتَجِبةٌ معَ المسيحِ في الله . فإِذا ظَهَرَ المسيحُ الَّذي هو حَياتُكم ، تَظَهَرونَ أَنتُم أَيضًا عِندَئِذٍ معَه في المَجْد ” (قولسي ٣ : ٣ – ٤ ) .

” رابِّي حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا ” ( مرقس ٩ : ٥ )

نعم ، على جبل طابور أتاح الرّب يسوع أمام تلاميذه أن يشهدوا تجليّاً ربّانيًّاً رائعاً ، كصورة رمزية مسبقة عن ملكوت السماوات ، كما قال لهم : ” الحَقَّ أَقولُ لكم : مِنَ الحاضِرينَ ههُنا مَن لا يَذوقونَ الموتَ حتَّى يُشاهِدوا ابنَ الإِنسانِ آتِياً في مَلَكوتِه ” ( متى ١٦ : ٢٨ ) . هذه هي روائع هذا العيد الإلهية ،  ذلك أن موت الرّب يسوع المسيح والإحتفال بقيامته  يجمعانا في آنٍ  واحد . وحتى ندخل في هذه الأسرار مع التلاميذ المختارين ، دعونا نُصغي إلى الصوت الإلهي المقدّس الذي يدعونا بإلحاح : ” تعالوا واصرخوا نحو جبل الربّ في يوم الربّ ونحو مكان الربّ وفي بيت إلهكم ” . دعونا نُصغي حتى نطلب هذا النور وقد تنوّرنا وتحوّلنا بهذه الرؤيا الإلهيّة ونقول : “ما أَرهَبَ هذا المكان ! ما هذا إِلاَّ بَيتُ الله ”  ( تكوين ٢٨ : ١٧ ) . هذا بابُ السَّماء .

علينا إذًا أن نُسرِعَ نحو الجبل على غِرار الرّب يسوع المسيح الذي هو معلمنا وطريقنا ودليلنا والسائر أمامنا هنا كما في السماء . وسوف نتألّق معه أمام النظرات الرُّوحية ، وسنتجدّد ونتألَّه في بناء نفسنا ، ونحن الذين خُلِقنا على صورتِهِ كمثالِهِ ستُحيطنا هالة من المجد و سنُرفع إلى الألوهية إلى الأبد وسننتقل إلى الأعالي ، إلى الملكوت السماويّ .

هلّموا نُسرع ومِلؤنا الثقة والبهجة ولنخترق السحابة  مثل موسى وإيليا، ويعقوب ويوحنا . وعلى مثال بطرس ليخطفنا هذا الظهور الإلهي ، ولتتبدّل بكل جلال ، ولننتقل إلى خارج العالم ، بعيداً عن هذه الأرض ومغراياتها . لنترك هذا الجسد هنا على الأرض الفانية ، ولنتخلّى عن الخليقة الأرضية ونرتفع نحو الرّبّ يسوع  قائلين مع الرسول بطرس ، وهو في حالة إنخطاف وإندهاش : ” يا مُعَلِّم حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا “. نعم يا بطرس ، اتبع يسوع ، لأنَّه من الجيد أن تبقى معه دوماً . ونحن ايضاً على مثال بطرس لنتبع يسوع ، ومع تلميذي عماوس نقول له :         ” أُمكُثْ معنا يارب ” ( لوقا ٢٤ : ٢٩ ) .

+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا

اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك

Share this Entry

المطران كريكور أغسطينوس كوسا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير