ولد القديس فرنسيس عام ١١٨٠ في مدينة أسيزي الإيطالية ، وهو ابن أحد تجار الأقمشة الأغنياء في أسيزي .
في أول شبابه كان يعيش حياة الترف . وقد نال قسطه من التعليم، واشترك في الحرب بين مدينتهِ أسيزي ومدينة بيروجا، فأُخِذَ فيها أسيراً، عانى خلالها من مرضٍ شديد، ربما كان أول سبب لبدء تغيير حياته.
تعالَ واتبعني :
مرّةً دخل الكنيسة وسمع الاب الكاهن يقرأ الانجيل المُقدّس أثناء القداس الإلهيّ ويقول ما قاله يسوع للشاب الغني : ” واحدةٌ تنقصك بعد : بِع جميع ما تملك ووزعه على الفقراء، فيكون لك كنزٌ في السموات، وتعال فاتبعني ” ( لوقا ١٨ : ٢٢ ) ، للحال قرر التخلّي عن كل ثروته وتوزيعها على الفقراء، والاهتمام بالمرضى والبرص ، وكان لا يخاف من الاقتراب منهم وخدمتهم وتقبيلهم وكانوا يُشفون فوراً، عندما يلمسونه . لكن هذا الامر لم يرق لوالده الذي كان يرى أمواله تُنفَق للصدقة ، فغضب وثار على إبنه طالباً من أسقف أسيزي أن يقف حَكَماً بينهما . وهناك وفي ساحة أسيزي ، خلع فرنسيس ثيابه أمام الجموع المحتشدة ، وأعطاها لوالده معلناً تخلّيه عن حقوقه البنوية وتكريسه الكامل للآب السماوي .
البشارة والتخلي :
منذ ذلك الوقت اتَّخذَ لباس النسّاك وانتقل إلى جبل ممضياً وقته في خدمة الفقراء والمرضى وخاصةً المصابين بمرض البرص . في العام ١٢٩٠ ، وخلال أحد القداديس، وبعد أن اصغى إلى انجيل القديس متى الذي يقول : ” لا تسلكوا طريقاً إلى الوثتيين ولا تدخلوا مدينةً للسامريين ، بل اذهبوا إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل ، وأَعلنوا في الطريق أن قد اقترب ملكوت السَّمَوات . اشوفوا المرضى ، وأقيموا الموتى ، وأبرئوا البرص ، وتطردوا الشياطين ، أخذتموها مجّاناً فمجّاناً أعطوا . ( متى ١٠ : ٥ – ٩ ) . عندما سمِع هذا الكلام هتف بفرح قائلاً: ” هذا ما كنتُ أريد ، هذا ما كنتُ أبتغي من كل قلبي ” ، فقرر الرحيل دون أي ممتلكات كي يعلن بشارة الإنجيل للجميع .
البشر قبل الحجر :
في إحدى المرّات كان يتأمّل أمام يسوع المصلوب في خلوةٍ له داخل الكنيسة ، سمع صوتاً يقول له : ” إذهب ورمّم كنيستي ” . فقام وجمع التبرعات وأخذ من وقتها بناء وترميم الكنائس المهدّمة ، ولكن بعد الصلاة والتأمل أدرك ان الرب قد قصد ب ” كنيستي ” : البشر وليس الحجر. ففهم أن الناس هم الذين بحاجة الى التبشير والمساعده لترميم حياتهم الروحيّة .
بعد أن عاد إلى أسيزي وبدأ التبشير بالإنجيل متجولاً يميناً وشمالاً على مثال معلمه الإلهيّ يسوع المسيح ، تجمَّع حوله عدد من الشبَّان الذين تأثَّروا بنمط حياتهِ وبقداستهِ ، فتمثَّلوا به تاركين كل شيء من أجل اتّباع المسيح . وفي العام١٢١٠ ذهبت الجماعة الجديدة إلى روما لمقابلة قداسة البابا إنوشينسيوس الثالث الذي وافق على طلبهم في عيش نمط الحياة هذا ومع العلم بأن الرهبان في ذلك الوقت كانوا جميعهم نسّاك في الأديرة . وهكذا وُلِدَت الرهبنة الفرنسيسكانية الأولى .
في عام ١٢١٢ وبعد أن سمعت كلارا الأسيزية عظة فرنسيس قرّرت هي أيضاً أن تترك كل شيء لتعيش فضيلة الفقر لأجل ملكوت الله، وهكذا نشأت الرهبنة الفرنسيسكانية الثانية، أو راهبات القديسة كلارا.
حصلت على يد القديس فرنسيس الكثير من الأعاجيب والمعجزات ، منها أنه كان يَتكلَّم مع الطيور والحيوانات ويخبرها عن الله ، ويدعوها إلى أن تمجده وتسبحه وتشكره ، ولم تكن تبتعد عَنهُ إلاَّ بعد أن تنال بركته .
في عام ١٢١٢ سافر فرنسيس إلى الأراضي المقدسة . وبعد سنتين عاد إلى إيطاليا لكنه وجد الجماعة منقسمة وقد ظهرت فيها خلافاتٍ حادة حول طبيعة الروحانية التي كان من المفترض عيشها ، ففضَّل أن يستقيل من مهمَّته كخادم عام للرهبنة .
في عام ١٢١٤ كتبَ القديس فرنسيس “ نشيد الخلائق ” الذي يُعتَبَر أحد الوثائق الأكثر أهمية في تاريخ الأدب الإيطالي ، حيث يُرجِع المؤرخون إليه بوادر نشوء هذا الأدب . وهو عبارة عن نشيد نثريّ فيه يدعو القديس كل الخلائق لتسبيح الخالق .
في أيلول / سبتمبر من العام ١٢٢٤ اعتزل فرنسيس في جبل ” فيرنا ” ليتفرّغ للصلاة والتأمل ، وبعد صوماً دام أربعين يوماً، نال من الله نعمة سمات المسيح المصلوب أي الجروح المقدسة في يديه ورجليه وجنبهِ ، وقد بقيت سنتين بعد وفاته .
بعد ذلك نُقِلَ فرنسيس إلى أسيزي حيث مكثَ هناك ، قضى فيها آخر أيام حياته بعناء المرض وقد فقد بصره . وقبل موته طلب من رهبانه أن يذهبوا به إلى كنيسة سيدة الملائكة هناك حيث اكتشف دعوته الإنجيلية للمرة الأولى ، وطلب منهم أن يضعوه عارياً على الأرض العارية ليتشبه بالسيد المسيح الفقير والمصلوب في موته بعد أن كان شبيهاً له في حياتهِ ، وهناك في جوٍ من الإيمان والتقوى الممزوجة بالألم والعزاء انتقل الأب القديس إلى السماء في يوم ٤ اكتوبر / تشرين الأول سنة ١٢٢٦.
أعلن قداسته البابا غريغوريوس التاسع بعد عامين من وفاتِهِ .
و للقديس فرنسيس أقوالاً أغنى بها المكتبة الروحية للكنيسة ومنها:
تذكّر أنه عند رحيلك عن هذا العالم لن تأخذ معك أيٰاً مما كسبته ، بل ستأخذ فقط ما أعطيته .
· ابدأوا بفعل الضروري، ومن ثم الممكن، وفجأة تفعلون المستحيل.
· لا ينفع السير إلى أي مكان للتبشير إلا إذا كانت مسيرتنا هي تبشيرنا.
· فيما تعلنون السلام بشفاهكم ، احرصوا على أن يكون أكثر كمالاً في قلوبكم .
· كل الظلام في العالم لا يقدر أن يطفئ نور شمعة واحدة .
· إذا كان الله يقدر أن يعمل من خلالي ، فهو يقدر أن يعمل من خلال أي شخص .
· يا رب، أعطني ألا أسعى كثيراً إلى أن أُحَبّ، بل أن أُحِبّ .
. في العطاء ننال.
· فأضع الحب حيث البغض، والمغفرة حيث الإساءة، والإيمان حيث الشك .
· عندما نغفر، يُغفر لنا.
· شعاع شمس واحد يكفي لإبعاد العديد من الظلال .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك