Sainte Thérèse De L'Enfant Jésus Et De La Sainte Face @Carmel De Lisieux

المحبّة ”أعظم“ من الإيمان والرّجاء، المحبّة لا تنتهي أبدًا

إرشاد رسولي في مناسبة الذّكرى المائة والخمسين
لولادة القدّيسة تريزا الطّفل يسوع والوجه المقدّس

Share this Entry

الإرشاد الرّسوليّ

C’EST LA CONFIANCE

الثّقة فقط

للحبر الأعظم البابا فرنسيس

الثّقة بحبّ الله الرّحيم

في مناسبة الذّكرى المائة والخمسين

لولادة القدّيسة تريزا الطّفل يسوع والوجه المقدّس

1. “الثّقة فقط، ولا شيء غير الثّقة، توصِّلُنا إلى الحبّ” [1].

2. هذه الكلمات الحاسمة للقدّيسة تريزا الطّفل يسوع والوجه المقدّس تلخِّص كلّ شيء، وتلخِّص عبقريّة روحانيّتها، وهي كافية لتبرير إعلانها معلِّمةً للكنيسة. الثّقة فقط، ”لا شيء آخر“، لا توجد طريقة أخرى نسير فيها حتّى نصل إلى الحبّ الذي يعطي كلّ شيء. بالثّقة، يفيض ينبوع النّعمة في حياتنا، ويتجسَّد الإنجيل فينا ويحوّلنا إلى قنوات رحمة لإخوتنا.

3. إنّها الثّقة التي تَسنُدُنا في كلّ يوم، والتي تُبقِينا واقفين أمام نظر الله، عندما يدعونا إلى جواره: “في مساء هذه الحياة، سأظهر أمامك ويدَيَّ فارغتان، لذلك، لا أطلب، يا ربّ، أن تُحصِيَ أعمالي. كلّ صلاحنا ناقص في عينيك. لذلك أريد أن أرتدي صلاحك نفسه، وأريد أن أنال من حبِّك أن تكون أنت ملكي إلى الأبد” [2].

4. تريزا هي واحدة من أشهر القدّيسين والمحبوبين في كلّ العالم. كما هو الحال مع القدّيس فرنسيس الأسيزي، يُحِبُّها حتّى غير المسيحيّين وغير المؤمنين. كما تمّ الاعتراف بها من قبل اليونسكو على أنّها واحدة من أهمّ الشّخصيّات للإنسانيّة المعاصرة.[3]فمن المفيد لنا أن نتعمَّق في رسالتها، ونحن نحتفل بالذّكرى المائة والخمسين لولادتها،التي كانت في ألانسون (Alençon) في 2 كانون الثّاني/يناير 1873، والذّكرى المئويّة لتطويبها.[4]لم أُرِدْ أن أصدر هذا الإرشاد في أيّ من هذه التّواريخ، أو في يوم تذكارها، لكي تتجاوز هذه الرّسالة هذه المناسبات وتُعتبر جزءًا من كنز الكنيسة الرّوحي. تاريخ النّشر، في ذكرى القدّيسة تريزا الأفيلية، يريد أن يقدّم القدّيسة تريزا الطّفل يسوع والوجه المقدّس بمثابة ثمرة ناضجة للإصلاح الكرملي وروحانيّة القدّيسة الإسبانيّة الكبيرة.

5. كانت حياتها الأرضيّة قصيرة، لم تبلغ الرّابعة والعشرين، وبسيطة، مثل كلّ حياة أخرى، قضتها أوّلًا في العائلة ثمّ في كرمل ليزيو (Lisieux). فيض النّور والمحبّة الخارق الذي كان يشِعُّ منها، ظهر مباشرة بعد موتها، لمّا تمَّ نشر كتاباتها، مع النِّعم التي لا تُعَدّ ولا تحصى التي حصل عليها المؤمنون بشفاعتها.

6. اعترفت الكنيسة بسرعة بقيمة شهادتها الاستثنائيّة وأصالة روحانيّتها الإنجيليّة. التقت تريزا بالبابا لاون الثّالث عشر في أثناء رحلةِ حجٍّ لها إلى روما عام 1887. إذَّاك طلبت من البابا الإذن لدخول الكرمل في سنّ الخامسة عشرة. وبعد موتها بوقت قصير، أدرك القدّيس البابا بيوس العاشر مكانتها الرّوحيّة الكبيرة، لدرجة أنّه أكّد أنّها قد تكون أعظم قدّيسة في العصر الحديث. تمَّ إعلانها ”مكرَّمة“ في عام 1921 على يد البابا بنديكتس الخامس عشر، الذي أثنى على فضائلها، وركَّز على ”طريق الصّغار“ والطّفولة الرّوحيّة.[5] تمَّ تطويبها قبل مائة سنة، وتمَّ إعلان قداستها في 17 أيّار/مايو 1925 على يد البابا بيوس الحادي عشر، الذي شكر الله لأنّه منحه أن تكون تريزا الطّفل يسوع والوجه المقدّس “أوّل طوباويّة رفعها إلى كرامة المذابح وأوّل قدّيسة أعلن قداستها”[6]. أعلنها البابا نفسه شفيعة للإرساليّات سنة 1927.[7] وقد تمّ إعلانها شفيعة لفرنسا، مع سائر القدّيسين والقدّيسات شفعاء فرنسا، سنة 1944، على يد ”المكرّم“ البابا بيوس الثّاني عشر،[8] وقد تعمّق في عدة مناسبات في دراسة الطّفولة الرّوحيّة.[9]كان القدّيس بولس السّادس يحِبُّ أن يذكر أنّ معموديّته كانت في 30 أيلول/سبتمبر 1897، يوم وفاة القدّيسة تريزا، وقد وجَّه إلى أسقف بايو وليزيو، في الذّكرى المئويّة لميلادها، رسالة حول تعليمها.[10]والقدّيس يوحنا بولس الثّاني، أثناء زيارته الرّسوليّة الأولى إلى فرنسا، في حزيران/يونيو 1980، زار الكاتدرائيّة المخصّصة لها، وفي سنة 1997 أعلنها معلِّمة للكنيسة،[11]وثبَّتَها “خبيرة في عِلم الحبّ الإلهيّ”[12]. وعاد البابا بنديكتس السّادس عشر على موضوع ”علم الحبّ“، وقدَّمه “دليلًا للجميع، ولا سيّما للذين يقومون بخدمة التّعليم اللاهوتي في شعب الله”[13]. أخيرًا، سُعِدْتُ بإعلان قداسة والدَيْها، لويس وسِيلِي، سنة 2015، في أثناء سينودس العائلة، وقد خصَّصْتُ لها، قبل فترة، درسًا في سلسلة دروس التّعليم المسيحيّ في الغَيرة الرّسوليّة.[14]

1. يسوع للآخرين

7. في الاسم الذي اختارته كراهبة، يظهر اسم يسوع: ”الطّفل“ الذي يُظهِر سرّ التّجسّد، و”الوجه المقدَّس“، أي وجه المسيح الذي يبذل نفسه حتّى النّهاية على الصّليب. واسمها: ”القدّيسة تريزا الطّفل يسوع والوجه المقدَّس“.

8. تتلفَّظ تريزا باستمرار باسم يسوع، وتتنَفَّسُه، حتّى النّفَس الأخير. وقد نقشت أيضًا في صومعتها هذه الكلمات: ”يسوع هو حبّي الوحيد“. هذا كان قِمَّة تفسيرها للعهد الجديد: “الله محبّة” (1 يوحنّا 4، 8. 16).

 

روح إرساليّة

9. كما يحدث في كلّ لقاء حقيقيّ مع المسيح، فقد دعتها خبرة الإيمان هذه إلى ”الرّسالة“. واستطاعت تريزا أن تعرِّف رسالتَها بهذه الكلمات: “في السّماء، أريد الشّيء نفسه كما على الأرض، وهو أن أحِبَّ يسوع وأجعله محبوبًا”[15]. وكتبت أنّها دخلت الكرمل “لتخلِّص النّفوس”[16]. أي إنّها كانت ترى في تكريسها لله سعيًا لخير إخوتها. إنّها تشارك محبّة الآب الرّحيمة لابنه الخاطئ، ومحبّة الرّاعي الصّالح للخراف الضّالّة والبعيدة والمجروحة. لذلك هي شفيعة الإرساليّات، ومعلِّمة البشارة بالإنجيل.

10. الصّفحات الأخيرة من ”قصة نفس“[17] (L’histoire d’une âme) هي وصية للبشارة بالإنجيل، وتعبِّر عن فهمها لطريقة البشارة بالجذب،[18] وليس بالضّغط أو البحث عن أتباع. ويجدر بنا أن نقرأ كيف تلخِّص فهمها هذا للرّسالة: “اجذِبني، فأجري وراء عِطرِ شذَاك. تقول: يا يسوع، اجذبني. (ثمّ إنّها لا تتابع وتقول: إن جذَبْتَني، ستنجذب معي النّفوس التي أُحِبَّها. إنّما تكتفي بالكلمة البسيطة): ”اجذِبْني“. ربِّي، أنا أفهم ذلك، عندما تقترب نفس من رائحة عطرك المسكرة، فإنّها لا تستطيع الرّكض وحدها، فكلّ النّفوس التي تحِبُّها تنجَذب وراءها: يحدث هذا دون ضغوط، دون جهد، إنّه أمر طبيعي، نتيجة الانجذاب إليك. مثل السّيل الذي يندفع هادرًا في المحيط يجُرُّ خلفه كلّ ما يلقاه في طريقه، كذلك يا يسوع، النّفس التي تغمرها في محيط حبّك الذي لا شاطئ له تجتذب معها كلّ كنوزها… ربِّي، أنت تعلَم، أنا ليس لدي كنوز أخرى، إلّا النّفوس التي أحببتَ أنت أن تربطها بي”[19].

11. هنا تقتبس الكلمات التي تخاطب بها العروس عريسها في نشيد الأناشيد (1، 3–4)، بحسب التّفسير المتعمّق لمعلِّمَيْ رهبنة الكرمل، القدّيسة تريزا ليسوع والقدّيس يوحنّا الصّليب. العريس هو يسوع ابن الله الذي اتّحد ببشريّتنا بالتّجسّد وافتداها على الصّليب. وهناك، من جنبه المفتوح، وَلَدَ الكنيسة، عروسه الحبيبة، التي بذل حياته من أجلها (راجع أفسس 5، 25). ما يلفت النّظر هو كيف أنّ تريزا، مع علمها أنّ موتها كان قريبًا، لا تعيش هذا السّرّ منغلقة على نفسها، فقط لتعزيّ نفسها، بل ما زالت تعيش بروح رسوليّة متَّقِدة.

 

النّعمة التي تحرّرنا من المرجعيّة الذاتيّة

12. يحدث شيء مماثل عندما تتكلّم على عمل الرّوح القدس، ويكتسب كلامها فورًا معنى إرساليًّا: “هذه هي صلاتي: أطلب من يسوع أن يجذبني إلى لهيب حبِّه، ويوحِّدَني به إلى حدّ أن يحيا هو فيَّ ويعمل فيَّ. أشعر بأنّي بقدر ما سيضرم الحبّ قلبي، وبقدر ما سأقول: اجذبني إليك، ستقترب منِّي النّفوس (أنا الحديدةَ الصَّدِئَة، التي لا فائدة لها، إذا ابتعدَتْ عن النّار الإلهيّة) وستركض بسرعة إلى عَبَقِ العطر المتدفِّق من الذي يحبُّونه، لأن النّفس التي أضرمها الحبّ لا يمكن أن تبقى خاملة”[20].

13. في قلب تريزا، تحوّلت نعمة المعموديّة إلى سيل هادر يتدفَّق في محيط محبّة المسيح، ويجُرُّ معه عددًا كبيرًا من الأخوات والإخوة. هذا ما حدث خاصّة بعد موتها. هذا كان وعدها: “مطر الورود”[21].

2. طريق الصّغار، طريق الثّقة والمحبّة

14. إنّ أحد أهمّ اكتشافات تريزا، لخير شعب الله كلّه، هو ”طريق الصّغار“، طريق الثّقة والمحبّة، المعروف أيضًا باسم طريق الطّفولة الرّوحيّة. يمكن لأيّ شخص أن يتبعه، في أيّ حالة من حالات الحياة، وفي أيّ لحظة من الحياة. إنّه الطّريق الذي يكشفه الآب السّماوي للصّغار (راجع متّى 11، 25).

15. تروي تريزا، في ”قصّة نفس“اكتشافها ”طريق الصّغار“[22]: “على الرّغم من صغري، أستطيع أن أطمح إلى القداسة. أن أكون غير ما أنا، أكبر ممّا أنا. هذا بالنّسبة لي مستحيل: يجب أن أتحمَّل نفسي كما أنا، بكلّ عيوبي، لكنّي أريد أن أبحث عن طريقة للذّهاب إلى السّماء، عبر طريق صغير وجميل ومستقيم، قصير جدًّا، طريق صغير جديد تمامًا”[23].

16. لكي تصف هذا الطّريق، استخدمت صورة المصعد: “المصعد الذي يجب أن يرفعني إلى السّماء هو ذراعاك، يا يسوع! ولهذا لا أحتاج إلى أن أكبر، بل على العكس، يجب أن أبقى صغيرة، وأن أصير دائمًا أصغر”[24]. صغيرة، غير قادرة على الاتّكال على نفسها، لكنّي متأكّدة تمامًا من قوّة ذراعَيْ الرّبّ الذي يُحِبُّني.

17. إنّه ”طريق المحبّة العذبة“[25]، الذي فتحه يسوع للصّغار والفقراء وللجميع. إنّه طريق الفرح الحقيقيّ. مقابل الفكرة البيلاجيّة عن القداسة،[26] والفرديّة والنّخبويّة، والتي تعتمد على الزّهد أكثر منها على حياة الرّوح، وتركّز بشكل أساسي على الجهد البشريّ، تؤكّد تريزا دائمًا على أولويّة عمل الله ونعمته. وهكذا قالت أحيانًا: “أشعر دائمًا بنفس الثّقة الجريئة بأن أُصبح قدّيسة كبيرة، لأنّني لا أعتمد على استحقاقاتي الخاصّة، إذ ليس لديَّ أيُّ استحقاق، لكنّي أضع رجائي في الذي هو الفضيلة والقداسة نفسها: هو وحده، سيكتفي بجهودي الضّعيفة، ويرفعني إليه، ويغطِّيني باستحقاقاته اللامتناهية، ويجعلني قدّيسة”[27].

 

من دون أيّ استحقاق

18. هذه الطّريقة في التّفكير لا تتعارض مع التّعليم الكاثوليكيّ التّقليدي حول نموّ النّعمة فينا. أي إنّنا، بعد أن بُرِّرْنا مجَّانًا بالنّعمة المبرِّرة، تغيَّرنا وصِرْنا قادرين على التّعاون مع أعمالنا الصّالحة في طريق النُّمُوّ في القداسة. بهذه الطّريقة نتقدَّم، ويمكن أن يكون لنا استحقاقات حقيقيّة فيما يتعلّق بنُمُوّ النّعمة التي تُعطَى لنا.

19. مع ذلك، تريزا تفضّل تسليط الضّوء على أولويّة العمل الإلهيّ، وتدعو إلى الثّقة الكاملة بالنّظر إلى محبّة المسيح التي أُعطِيَتْ لنا حتّى النّهاية. في الأساس، تعليمها هو أنّه بما أنّنا لا نستطيع أن نحصل على أيّ يقين بالنّظر إلى أنفسنا،[28] فلا يمكننا أن نكون متأكّدين أنّ لنا أيَّ استحقاق. إذًا لا نقدر أن نضع ثقتنا في جهودنا أو إنجازاتنا. أراد التّعلِيم المسيحيّ أن يقتبس كلمات القدّيسة تريزا لمَّا قالت لله: “سأمثل أمامك بأيدٍ فارغة”[29]، ليقول “إنّ القدّيسين أدركوا دائمًا إدراكًا حيًّا بأنّ استحقاقاتهم كانت نعمة خالصة”[30]. هذه القناعة تثير فينا مشاعر الشّكر المليء بالفرح والحنان.

20. لذلك فإنّ الموقف الأنسب هو أن نضع ثقة قلوبنا خارج أنفسنا: في رحمة الله اللامتناهية، الذي يحِبّ بلا حدود والذي أعطانا كلّ شيء على صليب يسوع.[31]ولهذا، تريزا لا تستخدم أبدًا العبارة الدّارجة في زمنها: ”سأصير قدّيسة“.

21. مع ذلك ثقتها بلا حدود. وهي تقول للذين يشعرون بأنفسهم ضعافًا، محدودين، خطأة، أن يسمحوا للنّعمة بأن تبدِّلَهم وترفعهم إلى القمّة: “آه لو شعرت جميع النّفوس الضّعيفة والمثقلة بالأخطاء، بما تشعر به أصغر النّفوس، نفس تريزا الصّغيرة، لما يئس أحد من الوصول إلى قمّة جبل الحبّ! في الواقع، يسوع لا يطلب أعمالًا كبيرة، بل يطلب فقط التّسليم له والشّكر”[32].

22. تأكيد تريزا على المبادرة الإلهيّة يجعلها، إذا تكلَّمَتْ على الإفخارستيّا، لا تضع في المقام الأوّل رغبتها هي في قبول يسوع في المناولة المقدّسة، بل رغبة يسوع الذي يريد أن يتَّحد معنا ويسكن في قلوبنا.[33]في صلاة ”التّقدمة للحبّ الرّحيم“، إذ كانت تتألّم لأنّها لا تقدر أن تتناول القربان المقدّس كلّ يوم، تقول ليسوع: “امكث فيّ كما في بيت القربان”[34]. ليست هي واحتياجاتها مركز وموضوع نظرها واحتياجاتها، بل هو المسيح الذييحبّ، ويبحث ويريد، ويقيم في النّفس.

 

تسليم النّفس اليومي لله

23. الثّقة التي تتكلّم عليها تريزا، يجب ألّا تُفهم فقط بأنّها تعود إلى الذّات، وإلى تقديس الذّات والخلاص الفردي. بل لها معنى متكامل يشمل الوجود كلَّه وينطبق على حياتنا بأكملها، حيث تطغى علينا غالبًا المخاوف وطلب وسائل الأمان البشريّة، ونشعر بالحاجة إلى وضع كلّ شيء تحت سيطرتنا. هنا تأتي الدّعوة إلى ”تسليم كلّ شيء لله“.

24. الثّقة الكاملة، التي تصبح تسليمًا كاملًا لله في الحبّ، تحرِّرُنا من الحسابات والثّوابت، ومن الاهتمام الدّائم بالمستقبل، ومن المخاوف التي تحرمنا السّلام. ركَّزَتْ تريزا في أيّامها الأخيرة على هذا: “نحن، الذين نسير على طريق الحبّ، أرى أنّه يجب ألّا نفكّر فيما يمكن أن يحدث لنا من الآلام في المستقبل، لأنّ هذا يعني عدم الثّقة”[35]. إن كنَّا بين يدَيْ أبٍ يحِبُّنا بلا حدود، هذا سيكون صحيحًا مهما حدث، ونقدر أن نتابع مسيرتنا مهما حدث، وبطريقة أو بأخرى ستتحقّق في حياتنا خطّة حُبِّه الذي يملأ كلَّ شيء.

 

نار في منتصف الليل

25. عاشت تريزا الإيمان الأقوى وبأشدّ اليقين، في ظلمة الليل، وحتّى في ظلام الجلجلة. بلغت شهادتها ذروتها في الفترة الأخيرة من حياتها، في “المحنة الكبرى في إيمانها”[36]، التي بدأت مع عيد الفصح سنة 1896. وتربط هذه المحنة، في روايتها،[37] ربطًا مباشرًا بواقع الإلحاد الأليم في زمنها. وفي الواقع، عاشت في نهاية القرن التّاسع عشر، أي في ”العصر الذّهبي“ للإلحاد الحديث، كنظام فلسفيّ وأيديولوجيّ. لمّا كتبت أنّ يسوع سمح لنفسي “بأن يغزوها ظلام كثيف جدًّا”[38]، كانت تشير إلى ظلمة الإلحاد ورفض الإيمان المسيحيّ. بالاتّحاد مع يسوع، الذي حمل في ذاته كلّ ظلام خطيئة العالم، لمّا قبِلَ أن يشرب كأس الآلام، قبلت تريزا في ذلك الظّلام المظلم، اليأس وفراغ العدم.[39]

26. لكن الظّلمة لا تستطيع أن تُطفِئَ النّور: فقد غلَبَها الذي جاء ليكون نور العالم (راجع يوحنّا 12، 46).[40] تُظهر قصة تريزا الطّابع البطوليّ لإيمانها، وانتصارها في المعركة الرّوحيّة، في مواجهة أقوى الإغراءات. إنّها تشعر وكأنّها أخت للملحدين، وتجلس إلى المائدة معهم، مثل يسوع مع الخطأة (راجع متّى 9، 10-13). إنّها تشفع بهم، وهي تجدّد باستمرار فعل الإيمان، في شركة محبّة دائمة مع الرّبّ يسوع: “أركض إلى يسوع، أقول له إنّني مستعدّة لسفك دمي حتّى آخر قطرة لأشهد أنّ هناك سماءً. أقول له إنِّي سعيدة لأنّني لا أستمتع بالسّماء الجميلة على الأرض، لكي يفتحها إلى الأبد لغير المؤمنين المساكين”[41].

27. تريزا تؤمن وتعيش بصورة مكثّفة ثقة غير محدودة برحمة الله اللامتناهية: “الثّقة التي يجب أن تقودنا إلى المحبّة”[42]. حتّى في الظّلام، تعيش الثّقة الكاملة، ثقة الطّفل الذي يستسلم دون خوف بين ذراعَيْ أبيه وأمه. بالنّسبة إلى تريزا، في الواقع، فإنّ الله يظهر قبل كلّ شيء في رحمته، وهي المفتاح لفهم أيّ شيء آخر يقال عنه: “لقد أعطاني الله رحمته اللامتناهية، ومن خلالها أتأمّل وأعبد كلّ الصّفات في الله. فتظهر كلّها مُشِعَّةً بالحبّ، حتّى العدل فيه (وربّما أكثر من أيّ شيء آخر) يبدو مرتديًا ثوب الحبّ”[43]. هذا أحد أهمّ اكتشافات تريزا، وهو أحد أكبر مساهماتها التي قدّمتها لشعب الله كلّه: لقد دخلت بطريقة غير عاديّة في أعماق الرّحمة الإلهيّة، ومن هناك استخرجت نور رجائها اللامحدود.

 

رجاء قويّ جدًّا

28. قبل دخولها إلى الكرمل، اختبرت تريزا مودَّة روحيّة فريدة لإنسان من أكثر النّاس شقاء، المجرم هنري برانزيني (Henri Pranzini)، المحكوم عليه بالإعدام بتهمة ثلاث جرائم قتل، ولم يُرِدْ أن يتوب. [44]  قدَّمت القدّاس من أجله، وصلَّت، بثقة كاملة من أجل خلاصه. وهي متأكّدة أنّها وضعته في صلة بدم يسوع، وقالت لله أنّها متأكّدة كلّ التّأكيد أنّه في اللحظة الأخيرةسيَغفر له وأنّها كانت واثقة من ذلك، “حتّى وإن لم يعترف بخطاياه ولم يُظهر أيّة علامة توبة”. وبيَّنَت سبب تأكيدها بقولها: “إنّي واثقة كلّ الثّقة برحمة يسوع اللامتناهية” [45] . يا له من إحساس بعد ذلك، عندما اكتشفت أنّ برانزيني، بعد أن صعد على المقصلة، “فجأة، جاءه إلهام مفاجئ، فاستدار وأمسك بالصّليب الذي قدّمه له الكاهن وقبّل الجراح المقدّسة ثلاث مرات!” [46]. كانت هذه الخبرة البالغة في الثّقة بالله، رجاء بالرّغم من انعدام كلّ رجاء، أمرًا أساسيًا بالنّسبة لها: “بعد تلك النّعمة الفريدة، زادت رغبتي في خلاص النّفوس كلّ يوم!” [47] .

29. تريزا تدرك مأساة الخطيئة، رغم أنّنا نراها دائمًا منغمرة في سرّ المسيح، وهي أكيدة أنّه “حَيثُ كَثُرَتِ الخَطيئَة فاضَتِ النِّعمَة” (رومة 5، 20). خطيئة العالم هائلة، لكنّها ليست غير محدودة. وعكس ذلك، فإنّ محبّة الفادي الرّحيمة هي لا حدّ لها. تشهد تريزا على انتصار يسوع النّهائي على كلّ قوى الشّرّ بآلامه وموته وقيامته. ودفعتها ثقتها فتجرّأت وقالت ليسوع: “يا يسوع، أعطني أن أخلِّصَ نفوسًا كثيرة: لا تَكُنْ اليوم ولا نفس واحدة هالكة! […] يا يسوع، سامحني إن قلت أشياءً ينبغي ألّا أقولها: أريد فقط أن أفرّحك وأعزِّيَك”[48]. وهذا يسمح لنا بأن ننتقل إلى وجه آخر مشرق من أوجه رسالة القدّيسة تريزا الطّفل يسوع والوجه المقدّس.

 

3. سأكون الحبّ

30. المحبّة ”أعظم“ من الإيمان والرّجاء، المحبّة لا تنتهي أبدًا (راجع 1 قورنتس 13، 8–13). وهي أكبر عطيّة من الرّوح القدس، وهي “أمّ كلّ الفضائل وأصلها”[49].

 

محبّة القريب ميزة خاصّة للحبّ

31. ”قصّة نفس“ هي شهادة محبّة، تقدّم لنا فيها تريزا شرحًا على وصيّة يسوع الجديدة: “أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضًا كما أَحبَبتُكم” (يوحنّا 15، 12).[50] يسوع متعطّش للإجابة على هذه المحبّة. وبالفعل “لم يتردّد في طلب الماء من المرأة السّامرية. كان عطشانًا… لكن بقوله: ”اسقيني“ كان خالق الكون يطلب حبَّ الخليقة التّائهة. كان متعطّشًا للحبّ!”[51]. تريد تريزا أن تستجيب لحبّ يسوع، وأن تجيب على الحبّ بالحبّ.[52]

32. تعبِّر رمزيّة الحبّ الزّوجيّ عن تبادل هبة الذّات بين الزّوج والزّوجة. وهكذا كتبَتْ، مستلهِمةً من نشيد الأناشيد (2، 16): “أؤمن أنّ قلب عريسي هو لي وحدي، كما أنّ قلبي له وحده، وعلى انفراد أحدِّثه حديث القلب العذب مع القلب، بانتظار أن أشاهده يومًا وجهًا لوجه!”[53]. على الرّغم من أنّ الرّبّ يسوع يحبّنا معًا كشعب، إلّا أنّ المحبّة في الوقت نفسه تعمل بطريقة شخصيّة جدًّا، ويتّصل ”القلب بالقلب“.

33. لدى تريزا يقين حيّ بأنّ يسوع أحبّها وعرفها شخصيًّا في آلامه: “أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أَجْلي” (غلاطية 2، 20). وهي تتأمّل في يسوع في آلامه، تقول له: “لقد رأيتني دائمًا”[54]. وكذلك قالت للطّفل يسوع بين ذراعَيْ أُمِّه: “بيدك التي تلاطف مريم، تمسك العالم وتعطيه الحياة. وكنت تفكِّر فيّ أيضًا”[55]. وهكذا، في بداية ”قصّة نفس“، إنّها تتأمّل في حبِّ يسوع لجميع النّاس، ولكلّ واحد كما لو كان وحيدًا في العالم.[56]

34. فعل المحبّة: ”يا يسوع، أنا أُحِبُّك“، عاشته تريزا باستمرار كأنّه نَفَسُها، وهو مفتاح قراءتها للإنجيل. وبهذا الحبّ تغمر نفسها في كلّ أسرار حياة المسيح، وكأنّها معاصرة لها، فعاشت الإنجيل مع مريم ويوسف، ومريم المجدليّة والرّسل. ومعهم تنزل إلى أعماق محبّة قلب يسوع. لنتوقَّفْ عند مَثَلٍ على ذلك: “عندما أرى المجدليّة تتقدّم أمام الضّيوف العديدين، وتبلِّل قدمَيْ المعلِّمِ المعبود بالدّموع، وهي تلمسه لأوّل مرّة، أشعر أنّ قلبها قد فهم أعماق محبّة قلب يسوع ورحمته، وأنّها مهما كانت خاطئة، فإنّ قلب الحبّ هذا ليس فقط مستعدًّا لأن يغفر لها، بل هو يغدق عليها عذوبة حياته الإلهيّة الحميمة، ليرفعها إلى أعلى قمم التّأمّل”[57].

 

أعظم حبّ في أعظم بساطة

35. في نهاية ”قصّة نفس“، تقدّم لنا تريزا ”تقدمة ذاتها ضحيّة محرقة للحبّ الرّحيم“[58]. عندما سلّمت نفسها تسليمًا كاملًا لعمل الرّوح، تلقّت، دون ضجيج أوعلامات واضحة، فيض المياه الحيّة: “الأنهار، أو بالأحرى محيطات النِّعم، التي تغمر نفسي”[59]. إنّها الحياة الصّوفيّة، حتّى الخالية من الظّواهر الخارقة، التي تُقدَّم لجميع المؤمنين بمثابة خبرة يوميّة لحبّ الله.

36. تعيش تريزا المحبّة في الأمور الصّغيرة، في أبسط أمور الحياة اليوميّة، وهي تفعل ذلك برفقة مريم العذراء، وتتعلَّم منها أنّ “الحبّ يعني إعطاء كلّ شيء وبذل الذات”[60]ـ في الواقع، بينما كان الوُعّاظ في عصرها يتحدّثون مرارًا عن عظمة مريم بطريقة سامية، بعيدة عنَّا، تقول تريزا، واستنادًا على الإنجيل، إنّ مريم هي الأكبر في ملكوت السّماوات لأنّها الأصغر (راجع متّى 18، 4)، وهي الأقرب إلى يسوع في تواضعه. وهي ترى إن كانت الرّوايات الأبوكريفية مليئة بالأحداث الكبيرة المذهلة والعجيبة، فإنّ الأناجيل تبيِّن لنا أنّ حياة مريم كانت متواضعة وفقيرة، قضتها في بساطة الإيمان. يسوع نفسه يريد أن تكون مريم مثالًا للنفس التي تبحث عنه بإيمان مجرّد.[61]كانت مريم أوّل من عاشت في ”طريق الصّغار“ بإيمانها النّقي وتواضعها. ولهذا لا تخاف تريزا من أن تكتب: “أعلَم أنّك في النّاصرة، يا أُمّ ممتلئة بالنّعمة، كنت فقيرة ولم تطلبي شيئًا: ولا معجزات ولا انخطاف بالرّوح في حياتك، يا ملكة القدّيسين! عدد كبير من الصّغار على الأرض يمكنهم أن ينظروا إليك دون أن يخافوا. وتريدين أن يسيروا معك على الطّريق العادي، يا أُمُّ لا شبيه لها، لترشديهم إلى السّماء”[62].

37. وروت لنا تريزا أيضًا قصصًا تشهد لبعض لحظات النّعمة التي عاشتها وسط البساطة اليوميّة، مثل إلهامها المفاجئ بينما كانت ترافق راهبة مريضة صعبة المزاج. هي دائمًا قصص فيها خبرة محبّة شديدة، لكنّها تعيشها في رتابة الحياة اليوميّة: “في مساء يوم شتاء، كنت أقوم بخدمتي الصّغيرة كالمعتاد، كان الجو باردًا، وكان ظلام… فجأة سمعت من بعيد صوت أنغام لآلة موسيقيّة: ثمّ تخيّلت قاعة مضاءة بأضواء كثيرة وتتلألأ بالذّهب، وفتيات يرتدين ملابس أنيقة يتبادلن التّهانئ والتّمنيّات الدّنيويّة، ثمّ وقع نظري على المرأة المريضة التي كنت أسندها. وبدلًا من الأنغام، صرت أسمع أحيانًا أنّاتها وشكواها، وبدلًا من الذّهب، رأيت أحجارًا من ديرنا القديم، مضاءً بضوء خافت. لا أستطيع أن أعبّر عمّا حدث في نفسي، ما أعرفه هو أنّ الرّبّ يسوع أنارني بأشعّة الحقيقة التي تفوق بكثير روعة الأعياد الأرضيّة المظلمة، ولم أستطع أن أصدّق سعادتي… لو استمتعت بألف سنة من الحياة الدّنيويّة والحفلات، لم أكن لأتخلّى عن العشر دقائق التي قضيتها لأداء مهمّة المحبّة المتواضعة التي كنت أقوم بها”[63].

 

في قلب الكنيسة

38. أخذت تريزا عن القدّيسة تريزا الأفيليّة محبّة كبيرة للكنيسة، وتمكّنت من الوصول إلى أعماق هذا السّرّ. ونرى ذلك في اكتشافها لـ ”قلب الكنيسة“. في صلاة طويلة ليسوع،[64] كتبتها في 8 أيلول/سبتمبر 1896، في الذّكرى السّادسة لنذورها الرّهبانيّة، قالت القدّيسة للرّب يسوع بأنّها تشعر بنفسها مليئة برغبة شديدة، وبحبّ شديد للإنجيل، ولا يمكن لأيّة دعوة أن تلبِّي وحدها هذه الرّغبة فيها. وهكذا، وهي تبحث عن ”مكانها“ في الكنيسة، أعادت قراءة الفصلَين 12 و13 من رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل قورنتس.

39. في الفصل 12، يستخدم الرّسول صورة الجسد والأعضاء ليوضح أنّ في الكنيسة مواهب كثيرة متنوّعة ومرتّبة في ترتيب هرمي. لكن هذا الوصف لا يكفي لتريزا. فواصلت بحثها، وقرأت ”نشيد المحبّة“ في الفصل 13، وهنا وجدت الجواب الكبير لما تريد، وكتبت هذه الصّفحة التي لا تنسى: “بالنّظر إلى جسد الكنيسة السّرّي، لم أتعرّف على نفسي في أيّ من الأعضاء الذين وصفهم القدّيس بولس: أو بالأحرى أردت أن أرى نفسي في جميعها!… لقد أعطتني المحبّة المفتاح لفهم دعوتي. وفهمت أنّه إن كان للكنيسة جسد، وله أعضاء مختلفة، فلن ينقصها العضو الأكثر ضرورة والأنبل من كلّ الأعضاء: وفهمت أنّ الكنيسة لها قلب، وأنّ هذا القلب مشتعل بالحبّ. لقد فهمت أنّ المحبّة وحدها هي التي تحرِّك أعضاء الكنيسة: ولو انطفأت المحبّة، لتوقّف الرّسل عن إعلان الإنجيل، ولرفض الشّهداء سفك دمائهم… فهمت أنّ كلّ الدّعوات توجد في الحبّ، وأنّ الحبّ هو كلّ شيء، ويعانق كلّ الأوقات وكلّ الأماكن!… باختصار، إنّه أبديّ!… ثمّ، من فرط فرحي حتّى الهذيان، صرخت: يا يسوع حبّي…، لقد وجدت أخيرًا دعوتي! دعوتي هي الحبّ!… نَعم، لقد وجدت مكاني في الكنيسة، وهذا المكان، يا إلهيّ، أنت أعطيته لي: في قلب الكنيسة، أمّي، سأكون الحبّ!… هكذا سأكون كلّ شيء… وسيتحقّق حلمي!!!” [65].

40. ليس قلب كنيسة منتصرة، بل قلب كنيسة مُحِبّة ومتواضعة ورحيمة. لا تضع تريزا نفسها أبدًا فوق الآخرين، بل دائمًا في المقام الأخير مع ابن الله، الذي صار من أجلنا خادمًا وتواضع، وأطاع حتّى الموت على الصّليب (راجع فيلبي 2، 7–8).

41. إنّ اكتشاف قلب الكنيسة هذا هو أيضًا نور كبير لنا اليوم، حتّى لا نتعثّر بسبب محدوديّة المؤسّسة الكنسيّة وضعفها، وبالظّلال والخطايا فيها، بل ندخل إلى ”قلبها المشتعل بالحبّ“، الذي اشتعل يوم العنصرة بفضل هبة الرّوح القدس. إنّه القلب الذي تزداد النّار فيه اشتعالًا، مع كلّ عمل من أعمال المحبّة التي نعملها.  ”سأكون الحبّ“. هذا هو خيار تريزا الجذري، وملخَّصها الجامع لكلّ إيمانها، وهويّتها الرّوحيّة التي تميّز شخصيّتها.

 

مطر الورود

42. بعد قرون عديدة عبَّرَ فيها قدّيسون مختلفون عن رغبتهم في ”الذّهاب إلى السّماء“ بحماسة وجمال عظيمَين، اعترفت القدّيسة تريزا بصدق كبير، قالت: “حينئذ تعرّضت لتجارب داخليّة كبيرة من كلّ نوع (إلى حدّ أنّي تساءلت أحيانًا هل هناك سماء)”[66]. وفي مرّة أخرى قالت: “عندما أترنَّم بسعادة السّماء، وبرؤية الله إلى الأبد، لا أشعر بأيّ فرح، لأنّني أترنَّم، بكلّ بساطة، بما أريد أن أؤمن به”[67]. ماذا حدث؟ إنّها كانت تسمع الله يدعوها إلى إشعال النّار في قلب الكنيسة،أكثر ممّا كانت تحلم بسعادتها.

43. إنّ التّحوُّل الذي حدث فيها سمح لها بالانتقال من الرّغبة الشّديدة في السّماء إلى الرّغبة الشّديدة والثّابتة في خير الجميع، والتي بلغت ذروتها في حلمها لمواصلة رسالتها في السّماء، لكي تحبّ هي يسوع، وتجعل الغير يحبّونه. وبهذا المعنى كتبت في إحدى رسائلها الأخيرة: “أنا أفكِّرُ حقًّا في أنّي لن أبقى بغير عمل في السّماء: رغبتي هي أن أستمرّ بالعمل من أجل الكنيسة ومن أجل النّفوس”[68]. وفي هذه الأيّام نفسها قالت بصورة أوضح: “سأقضي سمائي على الأرض حتّى نهاية العالم. نَعم، أريد أن أقضي سمائي في عمل الخير على الأرض”[69].

44. هكذا عبّرت تريزا عن جوابها المقتنع على العطيّة الفريدة التي منحها إيّاها الله، وعلى النّور الخارق الذي كان الله يفيضه عليها. بهذه الطّريقة بلغت تريزا إلى الخلاصة الشّخصيّة النّهائيّة للإنجيل. بدأت بالثّقة الكاملة وبلغت ذروتها في بذل الذّات الكامل من أجل الآخرين. ولم تشكّ في خصوبة هذا العطاء: “أفكّر في كلّ الخير الذي يمكن أن أفعله بعد موتي”[70]. “لو لم يُرِدْ الله أن يحقّق هذا الحلم، أيّ الرّغبة في عمل الخير على الأرض بعد موتي، لما وضع فيَّ هذه الرّغبة”[71]. “سيكون مطرٌ من الورود”[72].

45. وهكذا اكتملت الدائرة وأغلقت. ”الثّقة فقط“. إنّها الثّقة التي تقودنا إلى المحبّة وبالتالي تحرّرنا من الخوف، إنّها الثّقة التي تساعدنا على أن نحوِّل نظرنا عن نفسنا، إنّها الثّقة التي تسمح لنا بأن نضع بين يدَي الله ما يستطيع هو وحده أن يعمله. وهذا يترك لنا سيلًا هادرًا من المحبّة والطّاقة الكبيرة لطلب الخير للإخوة. وهكذا، في وسط أوجاع أيّامها الأخيرة، استطاعت تريزا أن تقول: “أنا أعتمد فقط على الحبّ”[73]. في النّهاية، الحبّ وحده هو الذي يهمّ. الثّقة هي التي تجعل الورود تتفتّح، وتنثرها في فيض الحبّ الإلهيّ. لنطلُبْ هذه الثّقة، عطيّة مجانيّة، عطيّة ثمينة من نعمة الله، لكي تنفتح طرق الإنجيل في حياتنا.

4. في قلب الإنجيل

46. ​​​​في الإرشاد الرّسوليّ ”فرح الإنجيل“، أكّدت ودعوت إلى الرّجوع إلى نضارة الينبوع، للتّأكّيد على ما هو أساسيّ ولا غِنَى عنه. وأعتقد أنّه من المناسب الرّجوع إلى هذه الدّعوة وتوجيهها مرّة أخرى.

 

معلّمة في الخُلاصات الجامعة الأساسيّة

47. هذا الإرشاد عن القدّيسة تريزا يسمح لي بأن أذكر أنّه في الكنيسة المُرسَلَة “يُرَكِّزُ الإعلان على ما هو جوهريّ، وعلى الأجمل، والأكبر، والأكثر جاذبيّة، وفي الوقت نفسه على ما هو أكثر ضرورة. وبذلك يصبح كلّ شيء بسيطًا، من دون أن نفقد العمق والحقيقة، ومن ثمَّ يصبح تقديم الإيمان أكثر إقناعًا وإشعاعًا”[74]. النّواة المضيئة هي “جمال حُبِّ الله الذي يخلِّص، والذي ظهر في يسوع المسيح الذي مات وقام من بين الأموات”[75].

48. ليس كلّ شيء مركزيًّا على حدّ سواء، لأنّ هناك نظامًا وتسلسلًا هرميًّا في تعاليم الكنيسة، و”هذا ينطبق على عقائد الإيمان، وعلى جميع تعاليم الكنيسة، بما في ذلك التّعليم الأخلاقيّ”[76]. مركز الأخلاق المسيحيّة هو المحبّة، وهي الجواب على محبّة الثّالوث غير المشروطة، و”أعمال المحبّة للقريب هي أكمل وجه لنعمة الرّوح التي في داخل النّفس”[77]. في النّهاية، الحبّ وحده هو الذي يهِمّ.

49. ولهذا السّبب، فإنّ المساهمة المحدّدة التي تقدّمها لنا تريزا كقدّيسة وكمعلّمة للكنيسة ليست تحليليّة، كما كانت مساهمة القدّيس توما الأكويني، مثلًا. إنّها مساهمة جمع وإيجاز. عبقريّتها هذه تكمن في إعادة الأمور إلى ما هو أهمّ، إلى الجوهر، إلى ما هو ضروريّ ولا غِنَى عنه. إنّها تبيِّن ذلك بكلماتها وبحياتها الشّخصيّة: مع أنّ جميع تعاليم الكنيسة وقواعدها لها أهمّيّتها وقيمتها ونورها، إلّا أنّ بعضها أكثر إلحاحًا وأكثر سندًا للحياة المسيحيّة. هنا ثبّتت تريزا نظرها وقلبها.

50. نحن اللاهوتيّين والعلماء في الأخلاق والباحثين في الرّوحانيات، والرّعاة والمؤمنين، كلّ في مجاله الخاصّ، كلّنا ما زلنا بحاجة إلى أن نتقبَّل هذا الحَدْسَ العبقريّ في تريزا، وأن نستخلص النّتائج النّظريّة والعمليّة، العقائديّة والرّعويّة، وعلى مستوى الحياة الشّخصيّة والجماعيّة. نحتاج إلى جرأة وحرّيّة داخليّة لنقدر أن نقوم بذلك.

51. في بعض الأحيان، يستشهدون فقط بعبارات ثانويّة لهذه القدّيسة، أو يذكرون مواضيع قد تكون مشتركة بينها وبين أيّ قدّيس آخر، مثل الصّلاة، والذّبيحة، والتّقوى الإفخارستيّة، وشهادات أخرى كثيرة جميلة، لكن بهذه الطّريقة يمكننا أن نحرم أنفسنا ممّا هو مميَّز في عطيّتها للكنيسة، وننسى أنّ “كلّ قدّيس هو رسالة، إنّه مشروع الآب لكي يعكس وجهًا من أوجه الإنجيل ويجسِّده، في لحظة معينة من التّاريخ”[78]. لهذا، “للتعرُّف على الكلمة التي يريد الله أن يقولها لنا من خلال قدّيس، لا نتوقّف عند بعض التّفاصيل […]. بل يجب أن نتأمّل في مجمل حياته، ومسيرة قداسته كاملة، إذّاك نرى فيه الصّورة التي تعكس شيئًا من يسوع المسيح، والتي تظهر عندما ننجح في إدراك المعنى الشّامل لشخصه”[79]. وهذا ينطبق وبحجّة أولى على القدّيسة تريزا، بكونها ”معلّمة في الجمع والإيجاز“.

52. من السّماء إلى الأرض، القدّيسة تريزا الطّفل يسوع والوجه المقدّس، هي قدّيسة لزمننا، بكلّ ”عظمتها الصّغيرة“.

في زمن يدعونا إلى الانغلاق على مصالحنا الخاصّة، تبيِّن لنا القدّيسة تريزا جمال العطاء، وأن نجعل من حياتنا عطاء لغيرنا.

في وقت تسود فيه أكثر الأمور سطحيّة، هي شاهدة لعمق الإنجيل ولطابعه الراديكاليّ.

في زمن الفرديّة، تجعلنا نكتشف قيمة الحبّ الذي يصير شفاعة.

في وقت يوجد فيه الإنسان مهووسًا بطلب العظمة وأشكال جديدة من القوّة، تبيِّن لنا ”طريق الصّغار“.

في زمن يتمّ فيه إهمال كثيرين وإبعادهم، تعلّمنا جمال الاهتمام والعناية بالآخر.

في زمن التّعقيدات، يمكن أن تساعدنا على اكتشاف البساطة، والأولويّة المطلقة للحبّ والثّقة وتسليم النّفس ذاتها لله، والتّغلّب على منطق تحويل الأخلاق إلى تشريعات، تملأ الحياة المسيحيّة بالأوامر والنّواهي، وتجمِّد فرح الإنجيل.

في زمن العزلة والانغلاق، تدعونا تريزا إلى الخروج لنحمل رسالة البشارة، تدفعنا جاذبيّة يسوع المسيح والإنجيل.

53. بعد قرن ونصف من ولادتها، ما زالت تريزا حيّة أكثر من أيّ وقت مضى في وسط الكنيسة التي تسير، وفي قلب شعب الله: إنّها تسير معنا، تصنع الخير على الأرض، كما كانت تريد ذلك برغبة شديدة. أجمل علامة على حيويّتها الرّوحيّة هي ”الورود“ التي لا تُعَدّ ولا تُحصَى التي تنثرها، أي النِّعَم التي يمنحنا إيّاها الله بشفاعتها المليئة بالحبّ، لتسندنا في مسيرة الحياة.

أيّتها العزيزة القدّيسة تريزا،

الكنيسة بحاجة إلى أن تشعّ اللون والعطر وفرح الإنجيل.

أرسلي إلينا ورودك!

ساعدينا لكي نثِق دائمًا،

مِثلَكِ أنتِ،  

في الحبّ الكبير الذي يكِنُّه الله لنا،

حتّى نقدر أن نقتدي كلّ يوم

بطريقك إلى القداسة، طريق الصّغار.

آمين.

 

صَدَرَ في روما، في بازيليكا القدّيس يوحنّا في اللاتران، في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر، في تذكار القدّيسة تريزا الأفيليّة، سنة 2023، الحادي عشر من حبريّتنا.

فرنسيس

 

************

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2023

 


[1] القّديسة تريزا الطّفل يسوع والوجه المقدّس، الأعمال الكاملة. كتابات وكلمات أخيرة، الرّسالة 197، إلى الرّاهبة ماري لقلب يسوع (17 أيلول/سبتمبر 1896)، روما 1997، 538.

بالنّسبة للنّسخة الإيطاليّة من كتابات القدّيسة، يُشار دائمًا إلى هذه الطّبعة، التي تستخدم الاختصارات التّالية:Ms A : المخطوطة أ؛ Ms B: المخطوطة ب؛ Ms C: المخطوطة ج؛ LT:الرّسائل؛ P: القصائد؛ Pr: الصّلوات؛ PR: فسحات تقويّة؛ QG: الدّفتر الأصفر للأم أغنيس؛ UC: المحادثات الأخيرة.

[2]الصّلاة 6، تقدمة ذاتي ضحيّة محرقة لحبّ الله الرّحيم (9 حزيران/يونيو 1895): 943.

[3]مدّة سنتين 2022-2023، أوصى اليونسكو بالاحتفال بالقدّيسة تريزا الطّفل يسوع ضمن الشّخصيات التي سيتمّ الاحتفال بها في مناسبة مرور 150 سنة على ولادتها.

[4]29 نيسان/أبريل 1923.

[5]راجع قرار الاعتراف بالفضائل، 14 آب/أغسطس 1921: أعمال الكرسي الرّسولي 13 (1921)، 449-452.

[6] عظة في يوم إعلان القداسة (17 أيار/مايو 1925): أعمال الكرسي الرّسولي 17 (1925)، 211.

[7] راجع أعمال الكرسي الرّسولي 20 (1928)، 147-148.

[8]راجع أعمال الكرسي الرّسولي 36 (1944)، 329-330.

[9]راجع بيوس الثّاني عشر، رسالة إلى المطران فرنسوا ماري بيكو (François-Marie Picaud)، أسقف بايو وليزيو (Bayeux y Lisieux) في (7 آب/أغسطس 1947). رسالة إذاعية لتكريس بازيليكا ليزيو (11 تموز/يوليو 1954): أعمال الكرسي الرّسولي 46 (1954)، 404-407.

[10]راجع القدّيس بولس السّادس، رسالة إلى المطران جان ماري كليمان بادري (Jean-Marie-Clément Badré)، مطران بايو وليزيو (Bayeux y Lisieux)، في مناسبة الذكرى المئويّة لولادة القدّيسة تريزا الطّفل يسوع (2 كانون الثّاني/يناير 1973: أعمال الكرسي الرّسولي 65 (1973)، 12-15.

[11]راجع أعمال الكرسي الرّسولي 90 (1998)، 409-413، 930-944.

[12]رسالة بابويّة، في بداية الألفيّة الثّالثة، 42: أعمال الكرسي الرّسولي 93 (2001)، 296.

[13] درس في سلسلة  دروس التّعليم المسيحيّ (6 نيسان/أبريل 2011): L’Osservatore Romano (7 نيسان/أبريل 2011)، 8.

[14] درس في سلسلة دروس التّعليم المسيحيّ (7 حزيران/يونيو 2023): L’Osservatore Romano (7 حزيران/يونيو 2023)، 2-3.

[15]الرّسالة 220، إلى الأب بِليير (24 شباط/فبراير 1897)، 561.

[16] Ms A, 69vº.: 187.
[17] Cfr. Ms C, 33vº-37rº: 274-279.

[18]راجع الإرشاد الرّسوليّ، فرح الإنجيل (24 تشرين الثّاني/نوفمبر 2013)، 14؛ 264: أعمال الكرسي الرّسولي 105 (2013)، 1025-1026.

[19]Ms C, 34rº: 275.
[20] Ibid, 36rº: 277-278.

[21]الدّفتر الأصفر للأم أغنيس، 9 حزيران/يونيو 1897، 3: 991.

[22]Cfr. Ms C, 2vº-3rº: 235-236.
[23] Ibid., 2vº: 235.
[24] Ibid., 3rº: 236.
[25]Cfr. Ms A, 84vº: 210.

[26] راجع الإرشاد الرّسولي، اِفَرحوا وابتَهِجوا (19 آذار/مارس 2018)، 47-62: أعمال الكرسي الرّسولي 110 (2018)، 1124-1129.

[27]Ms A, 32rº:124.

[28]شرح هذا مجمع ترنتو (Trento): “هكذا كلّ واحد إذ ينظر إلى نفسه، وإلى ضعفه، وميوله إلى السّوء، يجد في نفسه ما يحمله على الخوف من نعمته” ( قرار عن التّبرير، 9: DS، 1534). وأكّد هذا من جديد التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة لمّا قال: من المستحيل أن يكون لنا تأكيد بالخلاص، إن نظرنا إلى أنفسنا، وإلى أعمالنا (راجع رقم 2005). الثّقة الأكيدة لا توجد في أنفسنا. الأنا لا يمكن أن يكون قاعدة لهذا التّأكّيد، الذي لا يؤَسَّس على النّظر إلى الذّات. وقال القدّيس بولس الأمر نفسه نوعًا ما: “أَمَّا أَنا فأَقَلُّ ما علَيَّ أَن تَدينوني أَو تَدينَني مَحكَمةٌ بَشَرِيَّة، بل لا أَدينُ نَفْسي، فضَميري لا يُؤَنِّبُني بِشَيء، على أَنِّي لَستُ مُبَرَّرًا لِذٰلك، فدَيَّانِي هوَ الرَّبّ” (1قورنتس 4، 3-4). وشرح هذا القدّيس توما الأكويني بالطّريقة التّالية: بما أنّ النّعمة “لا تشفي الإنسان شفاء كاملًا” ( الخلاصة اللاهوتيّة، الجزء الأوّل من القسم الثاني، المسألة 109، البند 9، أوّلًا)، “يبقي في العقل شيء من الجهل” ( المرجع نفسه).

[29]الصّلاة 6: 943.

[30] التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، رقم 2011.

[31]يؤكّد ذلك بوضوح مجمع ترنتو: “لا يجوز لأيّ إنسان تقيّ أن يشكّ في رحمة الله” ( قرار عن التّبرير، IX: DS، 1534). “على الجميع أن يضعوا ثقتهم الأكيدة في الله. ( المرجع نفسه، XIII: DS، 1541).

[32]Ms B, 1vº: 218.
[33]Cfr. Ms A, 48vº: 151; LT 92, A Maria Guérin (30 maggio 1889): 384-385.

[34] الصّلاة 6: 941.

[35] الدّفتر الأصفر للأم أغنيس، 23 تموز/يوليو 1897، 3: 1032.

[36]Ms C, 31rº: 271.
[37]Cfr. ibid., 5rº-7vº: 238-241.
[38] Ibid., 5vº: 239.
[39]Cfr. Ibid., 6vº: 240.

[40] راجع الرّسالة العامّة، نور الإيمان (29 حزيران/يونيو 2013)، 17: أعمال الكرسي الرّسولي 105 (2013)، 564-565.

[41]Ms C, 7rº: 240-241.

[42] الرّسالة 197، إلى الرّاهبة ماريا لقلب يسوع (17 أيلول/سبتمبر 1896): 538.

[43]Ms A, 83vº: 209.
[44]Cfr. ibid., 45vº-46vº: 146-147.
[45] Ibid., 46rº: 146.
[46] Ibid., 46rº: 146-147.
[47] Ibid., 46vº: 147.

[48] الصّلاة 2: 937.

[49] الخلاصة اللاهوتيّة (توما الأكويني)، الجزء الأوّل من الثّاني، المسألة 62، البند 4.

[50]Cfr. Ms C, 11vº-31rº: 256-271.
[51]Ms B, 1vº: 218.
[52]Cfr ibid., 4rº: 224.

[53]الرّسالة 122، إلى سيلين (14 تشرين الأوّل/أكتوبر 1890): 421.

[54]القصيدة 24، 21: 674.

[55]المرجع نفسه، 6: 670.

[56]Cfr. Ms A, 3rº: 80-81.

[57] الرّسالة 247، إلى الأب ماوريتسو بِليير (21 حزيران/يونيو 1897): 587.

[58]راجع الصّلاة 6: 941-943.

[59]Ms A, 84r: 210.

[60]القصيدة 54، 22: 726.

[61]راجع المرجع نفسه، 15: 725.

[62] المرجع نفسه، 17: 725.

[63]Ms C, 29vº-30rº: 269.
[64]Cfr. Ms B, 2r°-5v°: 219-229.
[65] Ibid., 3vº: 223.

[66]Ms A, 80vº: 204. لم يَكُن ذلك نقصًا في الإيمان. القدّيس توما يعلِّم أنّ الإرادة والعقل يعملان مع الإيمان. أمّا الإرادة فيمكن أن يكون قبولها متينًا ومتأصِّلًا، وأمّا العقل فيمكن أن يتعرَّض لبعض الظّلال. راجع ” في الحقيقة“( De Veritate) 14، 1.

[67]Ms C, 7vº, 241.

[68]الرّسالة 254، إلى الأب أدولفو رولاند (14 تموز/يوليو 1897): 593.

[69]الدّفتر الأصفر للأم أغنيس، 17 تموز/يوليو 1897: 1028.

[70]  المرجع نفسه (13 تموز/يوليو 1897، 17): 1020.

[71] المرجع نفسه (18 تموز/يوليو 1897، 1): صفحة 1028.

[72]المحادثات الأخيرة، 9 حزيران/يونيو 1897: 1158.

[73]الرّسالة 242، إلى  الراهبة ماريا للثالوث (6 حزيران/يونيو 1897): 582.

[74]الإرشاد الرّسوليّ، فرح الإنجيل (24 تشرين الثّاني/نوفمبر 2013)، 35: أعمال الكرسي الرّسولي 105 (2013)، 1034.

[75]  المرجع نفسه، 36: أعمال الكرسي الرّسولي 105 (2013)، 1035.

[76] المرجع نفسه.

[77] المرجع نفسه، 37: أعمال الكرسي الرّسولي 105 (2013)، 1035.

[78]الإرشاد الرّسوليّ، اِفَرحوا وابتَهِجوا (19 آذار/مارس 2018)، 19: أعمال الكرسي الرّسولي 110 (2018)، 1117.

[79]المرجع نفسه، 22: أعمال الكرسي الرّسولي 110 (2018)، 1117.


Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير