هناك الكثير من الأشخاص المحيطين بنا، يُصرّون على طرد الخاطئ والتخلص منه بإسم الـ”عيب” وباسم الـ”حرام” وباسم الـ”إيمان”… ما يدعو للعجب! فهل نقرأ فعلا الكتاب المقدّس؟
لنقرأ ونتأمّل:
«الرَّبَّ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، يَغْفِرُ الْخَطَايَا وَيُخَلِّصُ فِي يَوْمِ الضِّيقِ» (يشوع بن سيراخ ٢: ١٣) ومهما كنّا خطأة، ومهما جعلتنا الخطيئة نشعر بالضيق، لنا الخلاص من الرب!
لذلك، عندما عرف داود الملك جسامة خطيئته، صرخ للرب:
«اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ كَعَظيمَ رَحْمَتِكَ» (مزمور ٥١: ١) لنردّد مع داود: «كعظيم رحمتك»… هذه الرحمة العظيمة جدًّا تسبق وتتخطّى الحساب… فلو يريد الرب أن يحاسبنا دون رحمة، فمن منا يمكنه أن يخرج بريئًا؟
«إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَا رَبُّ، يَا سَيِّدُ، فَمَنْ يَقِفُ؟ لأَنَّ عِنْدَكَ الْمَغْفِرَةَ. لِكَيْ يُخَافَ مِنْكَ.» (مزمور ١٣٠: ٣-٤) لذلك نفهم أن عدل الرب لا يشبه عدالة البشر: البشر يحاسبون ويُحقّقون لكشف الخطايا، يتخلصون من الخاطئ فيرتاحون إذ حقّقوا العدالة… أمّا الله فعدالته الرّحمة، يمحو الخطيئة ويعطي الحياة للخاطئ، يفصل الخطيئة عن الخاطئ ليرحمه ويحبه:
«عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ وَجَمِيعُ أَحْكَامِكَ مُسْتَقِيمَةٌ وَطُرْقُكَ كُلُّهَا رَحْمَةٌ وَحَقٌّ وَحُكْمٌ» (طوبيا ٣: ٢)
لذلك، أمام شعوري بالخطيئة أقول للرّب: «حَسَبَ رَحْمَتِكَ أَحْيِنِي، فَأَحْفَظَ شَهَادَاتِ فَمِكَ» (مزمور ١١٩: ٨٨) وأقول أيضًا: «لكِنَّكَ تَرْحَمُ الْجَمِيعَ، لأَنَّكَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَتَتَغَاضَى عَنْ خَطَايَا النَّاسِ لِكَيْ يَتُوبُوا» (سفر الحكمة ١١: ٢٤) فهو لا يداوي الخطيئة بالعقاب كما نفعل نحن… هو يداويها بالإصرار على الغفران والرّحمة: «حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ هُوَ الرَّبُّ» (مزمور ١١١: ٤) لأن «الرَّبُّ حَنَّانٌ وَصِدِّيقٌ، وَإِلهُنَا رَحِيمٌ» (مزمور ١١٦: ٥) فـ«الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ» (مزمور ١٠٣: ٨)
فالذي يقترب من الكاهن ليطلب البركة، لا يمكن لهذا الكاهن أن يرفض إعطائها بحجة الخطيئة… كلنا خطأة وبحاجة لرحمة الله… هناك الكثير من الأشخاص ليس لديهم الوعي الكافي لتقدير جسامة الخطيئة في حياتهم… هذا ليس ذنبهم! فكيف للكاهن أن يرفض إعطائهم البركة؟!
كيف نرفض مباركة الخاطئ و«الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ» (سفر الخروج ٣٤: ٦)؟!
كيف نرفض مباركة الخاطئ و«الرَّبُّ بَارٌّ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَرَحِيمٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ» (مزمور ١٤٥: ١٧)؟!
كيف نرفض مباركة الخاطئ ونرفض بذلك إعطاءه فرصة للتّوبة، والرب يقول لنا: «ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ. وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ. وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ» (يوئيل٢: ١٢-١٣)؟!
كيف نرفض مباركة الخاطئ، والمسيح يسوع قال لنا: «طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ» (متى٥: ٧)؟!
لذلك قال قداسة البابا فرنسيس للكهنة: «أتوجّه إلى أخوتي الذين يسمعون الاعترافات: من فضلكم، أيّها الإخوة، اغفروا كلّ شيء، اغفروا دائمًا، دون أن توجّهوا إصبعكم كثيرًا إلى ضمائر الناس. اتركوا الناس يقولون خطاياهم وأنتم تقبلوا هذا مثل يسوع، بلطف في نظركم، وبتفهم صامت. من فضلكم، سرّ الاعتراف ليس للتعذيب، بل لمنح السّلام. اغفروا كلّ شيء، لأن الله سيغفر لكم كلّ شيء»…
فالذي يطلب مني ككاهن أن أطرد الخاطئ وأرفض مباركته، فهو يطلب مني أن أنكر المسيح وأنكر الخدمة التي أوكِلَت إليّ -أنا الخاطئ- عن غير استحقاق… إلهنا ليس مثلنا… لا ينتقم ولا يقتل، إلهنا يغفر ويرحم ويُحيي…