لحظة صلاة من أجل المهاجرين واللاجئين
بالقرب من المجسّم في ساحة القدّيس بطرس
لن نكون أبدًا شاكرين بما فيه الكفاية للقدّيس لوقا لأنّه نقل لنا مَثَلَ الرّبّ يسوع عن السّامري الرّحيم (راجع لوقا 10، 25-37). هذا المثل هو أيضًا قلب الرّسالة البابوية العامة، كلّنا إخوة – Fratelli tutti، لأنّه مفتاح. أودّ أن أقول المفتاح للانتقال من عالم مغلق إلى عالم منفتح، ومن عالم في حالة حرب إلى عالم ينعم بالسّلام. هذا المساء أصغينا إلى هذا المثل ونحن نفكّر في المهاجرين، الذين نراهم ممثّلين في هذا المجسّم: رجالًا ونساءً من جميع الأعمار والبلدان، وفي وسطهم الملائكة الذين يقودونهم.
لم تكن الطّريق من أورشليم إلى أريحا طريقًا آمنا، كما هي اليوم الطُّرق العديدة للمهاجرين، التي تجتاز الصّحاري والغابات والأنهار والبحار. كم من الإخوة والأخوات يجدون أنفسهم اليوم في نفس الحالة التي عاشها المسافر في المثل! ما أكثر الذين يتعرّضون للسّلب والنّهب والتّجريد والضّرب على طول الطّريق؟ يخدعهم تُجَّار عديمو الضّمير، فيسافرون. ثمّ يبيعونهم كأنّهم سلعة. فيحتجزونهم ويلقونهم في السّجون ويستغلّونهم ويستعبدونهم. ويتعرّضون للإهانة والتّعذيب والاغتصاب. والكثيرون يموتون قبل أن يصلوا إلى هدفهم. طرق الهجرة في عصرنا مليئة برجال ونساء جرحى وتُركوا نصف أموات، وإخوة وأخوات يصرخ ألَمُهم إلى الله. وهم مرارًا أناس هربوا من الحرب والإرهاب، كما نرى للأسف هذه الأيام.
اليوم أيضًا، كما في السّابق، هناك من يراهم ويتابع طريقهم لا يهتمّ لهم، ويبرِّر مسلكه، لكن السّبب الحقيقي هو الأنانيّة واللامبالاة والخوف. هذه هي الحقيقة. وماذا يقول الإنجيل عن ذلك السّامري؟ يقول إنّه رأى الرّجل الجريح فأَشفَقَ عليه (الآية 33). الشّفقة هي أثَرُ يد الله في قلوبنا. هذا هو المفتاح. وهنا نقطة التّحوّل. في الواقع، منذ تلك اللحظة بدأت حياة ذلك الرّجل الجريح تتماثل نحو الشّفاء، وذلك بفضل ذلك الغريب الذي تصرّف كأخ. ولهذا فإنّ الثّمرة ليست فقط عمَلًا صالحًا ومساعدة، بل هي الأخوّة أيضًا.
نحن مدعوّون، مثل السّامري الرّحيم، إلى أن نكون قريبين من جميع المسافرين اليوم، لننقذ حياتهم، ونداوي جراحهم، ونخفّف آلامهم. بالنّسبة للكثيرين، للأسف، فقد فات الأوان ولا يمكننا إلّا أن نبكي على قبورهم، إن كان لهم قبر، أو صار البحر الأبيض المتوسّط قبرًا لهم. لكن الله يعرف وجه كلّ واحد ولا ينساه.
لا يكتفي السّامري الرّحيم بمساعدة المسافر المسكين على الطّريق. بل حَمَلَه على دابَّتِه وذهب به إِلى فندق واعتَنى به. هنا يمكننا أن نجد معنى الأفعال الأربعة التي تلخّص عملنا مع المهاجرين: استقبل وحمى وشجّع ودمج. إنّها مسؤولية طويلة الأمد. في الواقع، السّامري الرّحيم التزم بالذّهاب وبالعودة ليتفقده. ولهذا من المهمّ أن نُعِدَّ أنفسنا بما يلزم لمواجهة تحديّات الهجرة اليوم، نفهم ما تمثّله من صعوبة، ونرى فيها أيضًا الفرص التي توفرها، من أجل تنمية مجتمعاتنا وجعلها أكثر استقبالًا وجمالًا وأكثر سلامًا.
اسمحوا لي أن أسلّط الضّوء على أمرٍ مُلِحٍّ آخر، لم يتطرّق إليه المثل. يجب علينا جميعًا أن نلتزم فنجعل الطّريق آمنة، حتّى لا يقع المسافرون اليوم ضحيّة لقطّاع الطّرق. من الضّروري مضاعفة الجهود لمحاربة الشّبكات الإجراميّة التي تبني أحلامها على استغلال المهاجرين. ولكن من الضّروريّ أيضًا أن نرشد إلى طرق أكثر أمانًا. ولهذا، يجب علينا أن نلتزم بتوسيع قنوات الهجرة النّظاميّة. وفي المشهد العالميّ الحالي، من الواضح أنّه من الضّروري أن نجمع في حوار واحد السّياسات الدّيموغرافيّة والاقتصاديّة مع سياسات الهجرة لصالح جميع الأشخاص المعنيّين، دون أن ننسى أبدًا أن يكون محورُ اهتمامنا هم الأشخاص المعرَّضين للخطر أكثر من غيرهم. ومن الضّروري أيضًا أن نضع خطة مشتركة ومسؤولة للتعامل مع موجات الهجرة المتلاحقة، والتي يبدو أنّه مقدَّرٌ لها أن تزداد في السّنوات المقبلة.
أن نستقبل ونحمي ونشجّع وندمج: هذا هو العمل الذي يجب أن نقوم به.
لنطلب من الرّبّ يسوع النّعمة لكي نكون قريبين من جميع المهاجرين واللاجئين الذين يطرقون بابنا، لأنّ اليوم “كلّ مَن ليس قاطع طريق وكلّ من لا يمرّ وهو غير مكترث، هو إمّا جريح وإمّا يحمل على أكتافه شخصًا جريحًا” (الرّسالة البابوية العامة، كلّنا إخوة – Fratelli tutti، 70).
والآن سنقف دقيقة صمت، ونتذكّر كلّ الذين لم يتمكّنوا من النّجاة، والذين فقدوا حياتهم على طرق الهجرة المختلفة، والذين استُخدموا واستُعبدوا.
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2023
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana