Jesus Christ - Arcaion - Pixabay - CC0

المسيحي نبيّ وكاهن وملك

المسيحي على مثال معلمه يسوع : نبيّ وكاهن وملك بمسحة الرُّوح القُدُس

Share this Entry
” رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأّنَّهُ مسحني وأرسَلَني لِأُبَشِّرَ ” ( لوقا ٤ : ١٨ )
 المسيحي على مثال معلمه يسوع : نبيّ وكاهن وملك بمسحة الرُّوح القُدُس
نبوءة أشعيا التي سبقت مجيء السيد المسيح بأكثر من ستمائة سنة ، تحقّقت في شخص يسوع . لقد ملأ الروح القدس شخصيته البشرية ، وأرسله الآب نبيّاً بامتياز ، يعلن كلمة الله وهو نفسه الكلمة . وكاهناً بامتياز يقدّم ذبيحة العبادة وهو عينه الذبيحة . وملكاً بامتياز ، يبني ملكوت الشركة والمحبّة بين الله والناس وهو نفسه هذا الملكوت . فلمّا دخل المجمع يوم سبتٍ على عادتِهِ ، دُفِعَ إليهِ سِفْرُ النبي أشَعيا ، فقرأ المكان المكتوب فيه  : ” روح الربّ عليّ ، لأَنَّه مَسَحَني لأُبَشِّرَ الفُقَراء وارسلني ” ( لوقا ٤ : ١٨ ) . وبعد أن قرأَ السِّفرَ قال للحاضرين : ” اليوم تمّت هذه الكتابة التي تُليت على مسامعكم ” ( لوقا ٤ : ٢١ ).
بتأملنا هذا النص من الكتاب المُقدّس  نجدّد إلتزامنا بمسحةِ الروح القُدس التي نلناها بالمعمودية والميرون المُقدّس ، وقد أعطتنا الكيان المسيحي على صورة يسوع المسيح ، وأشركتنا في رسالته المثلّثة : النبوية والكهنوتية والملوكية . هذا الكيان المسيحي والرسالة يحدّدان معنى وجودنا كمسيحيّين في الشَّرق الأوسط والعالم ، على صورة المسيح في ضوء نبوءة أشعيا التي تحققت في شخصه أولاً ثمّ في المؤمنين به .
* المسيح نبي : ” يبشّر المساكين ” . ويُعلن إنجيل الخلاص ، كلمةً هادية للعقول والضمائر . ” المساكين ” هم الناس السالكون في الظلمة : يحتاجون إلى نور الحقيقة والمعرفة في ظلمات الجهل والكذب والضلال ، وإلى نور المحبة في ظلمات البغض والحقد والعنف والعداوة،  وإلى نور العدالة في ظلمات الظلم والاستبداد والإستكبار،  وإلى نور السلام في ظلمات الحرب والنزاع والإرهاب .
* المسيح كاهن : ” يحرّر الأسرى والمظلومين ويُعيد البصر للعميان ” . إنّه الكاهن الذي افتدى بموته جميع الناس ، وأقامهم لحياة جديدة بقيامته . ” الأسرى ” هم الذين استُعبدوا للخطيئة والشَّر، وصاروا مقيَّدين بسلاسلها . ” المظلومون ” هم الذين طغت عليهم الأرواح الخبيثة والشريرة ، والذين يستغلّهم آخرون ويحملونهم على إرتكاب الخطيئة والشرور .
” العميان ”  هم الذين زاغت عقولهم عن نور الحقيقة ، والذين خنقوا صوت الله في ضمائرهم . إن نعمة الفداء تشفي جميع هؤلاء . فدمُ المسيح المُراق على الصليب يغسل بالغفران والمسامحة قلوبهم وعقولهم وضمائرهم من الخطيئة ونتائجها .
* المسيح ملك :  ” يعلن زمناً مرضيّاً للربّ ” . هو زمن الروح القدس ، زمن الحقيقة والمحبة والعدالة والحرية والسلام ،  المعروفة بِقيَم ملكوت المسيح .
الكيان المسيحي ، الذي نلناه بالمعمودية والميرون ، أشركنا بوظائف المسيح ، وجعل من جماعة المسيحيِّين ، كما يقول القديس بطرس الرسول ، شعباً جديداً وهيكلاً روحيّاً وكهنوتيّاً مقدَّساً ، من أجل أن يقدّموا بأعمالهم ذبائحَ روحيةً ، ويعلنوا عظائم الله الذي دعاهم من الظلمة إلى النور المجيد . ” أُمّاً انتم فإنّكم  ذُرِّيَّةٌ مُختارة وكهنوتٌ مَلَكِيٌ وأُمَّةٌ مُقَدّسة وشعبٌ اصطفاهُ اللهُ للإِشادةِ بآياتِ الذي دَعاكم مِنَ الظُّلُماتِ إلى نُورِهِ العجيب . لم تكونوا شَعْباً مِن قَبْلُ ، وأَمَّا اليَومَ فإنَّكم شَعْبُ الله . ( بطرس الأولى  ٢ : ٩ – ١٠ ).
يُعلّم القديس البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي : ” العلمانيّون المؤمنون بالمسيح ” ، أن المسيحيين مدعوّون لممارسة حياة مسيحية حقّة في مجتمعهم مِن خلال أعمالهم الروحيّة والزمنية ، لأن البشرى الإنجيلية تُنير جميع المشاريع والشؤون والقضايا البشرية ، لتجعلها أداة خير وسعادة وخلاص لجميع الناس .
فمشاركتهم في خدمة المسيح النبوية تؤهّلهم لقبول كلمة الإنجيل بالإيمان ، وللشهادة لها بالأعمال ، مندّدين بالشر بجرأة . وتدعوهم لتجسيد جدّية فرح الإنجيل في حياتهم العائلية والاجتماعية على جميع الأصعدة .
ومشاركتهم في خدمة المسيح الكهنوتية تشجّعهم ليتّحدوا بذبيحته في القداس الإلهيّ ، ويقدّموا معها قرابين أعمالهم وصلواتهم ونشاطاتهم وحياتهم الزوجية والعائلية ، وأشغالهم اليومية ، وأفراحهم وأتعابهم .
ومشاركتهم في خدمة المسيح النبوية تدعوهم لخدمة ملكوت الله ، ملكوت الحقيقة والمحبة ، ملكوت العدالة والحرية والسلام (  العلمانيون المؤمنون بالمسيح،  ١٤ ).
هذه المشاركة بحكم المعمودية والميرون المقدسين تُسمّى كهنوت المسيح العام ، كما يشرحها لنا القديس اوغسطينوس بقوله : ” كما أنّنا نُدعى جميعنا مسيحيين ، بسبب مسحة الميرون السّرية، كذلك نُدعى جميعنا كهنة، لأنّنا جميعاً أعضاء في جسد المسيح الكاهن الأوحد ” .
” اليوم تَمَّت هذه الآيةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم ” ( لوقا ٤ : ٢٢ )
عندما تقرأؤون هذه الاية  : ” وكانَ يسوع يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم فيُمَجِّدونَه جَميعاً ” ( لوقا ٤ : ١٤ ) ، لا تعتبروا أنّ المستمعين إلى الرّب يسوع المسيح كانوا وحدهم سعداء ، ولا تعتقدوا أنّكم محرومون من تعاليمه . فإن كان الكتاب المقدّس هو الحقيقة ، فإنّ الله لم يتكلّم فقط فيما مضى وسط الجماعات اليهوديّة والوثنية ، لكنّه تكلّمَ ويتكلّم اليوم أيضاً وسط جماعتنا العائلية والكنسية . وليس وسط جماعتنا فقط ، بل وسط جماعاتٍ أخرى وفي العالم أجمع ، يقوم الرّب يسوع بالتّعليم والبحث عن أدوات لنشر تعليمه . صلّوا إذاً كي يجدَنا نحنُ أيضاً مستعدِّين وأهلاً للإشادة به وبتعاليمهِ ووصاياه .
وكما كان الله في العهد القديم ، يبحث عن الأنبياء في وقتٍ حيث كانت النبوّة مفقودة بين البشر، تمكّن من إيجاد أشعيا، وإرميا، وحزقيال ودانيال ، كذلك  اليوم  ، يبحث الرّب يسوع عن رسل لنشر كلمته ، كي يعلّموا الشعب ” في مَجامِعِهم  ومجتمعاتهم فيُمَجِّدونَه جَميعاً ” . إنّ الرّب يسوع هو ” ممجّد من الجميع ” اليوم أكثر ممّا كان عليه حين كان معروفًاً في منطقة واحدة . فلنذهب ولنبشر جَميعَ الأُمَم بيسوع المُخلّص والمعلّم والطريق والحق والحياة ، ونعلّمهم أن يحفظوا كُلَّ ما أوصانا به ، لإنّهُ معنا طَوالَ الأيام إلى نهايةِ العالم  ”             ( متى ٢٨ : ١٩ ) .
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك
Share this Entry

المطران كريكور أغسطينوس كوسا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير