نحتفل اليوم مع الكنيسة جمعاء بعيد جميع القديسين . وبذلك ، نحن لا نتذكّر من أُعلنوا قديسين على مرّ العصور فحسب ، بل إخوتنا وأخواتنا أيضاً الذين عاشوا بصمت حياتهم المسيحية بملء الإيمان والمحبة . وبدون شك يوجد بينهم العديد من بطاركتنا واساقفتنا وكهنتنا وشمامستنا وراهباتنا ، وأهالينا وأقاربنا وأصدقائنا ولا سيما الذين استشهدوا محبةً بالمسيح والكنيسةِ والوطن .
إحتفالنا اليوم بعيد جميع القديسين يذكرنا بكلمات يسوع : ” أَنتُم مِلحُ الأرض … أَنتُم نور العالم … فَليُضئْ نورُكُم للناس ، ليروا أعمالَكُمُ الصالِحة ، فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الذي في السماوات ” ( متى ٥ : ١٣ – ١٦ ) ، وأيضاً : ” كونوا أَنتُم كاملين ، كما أنّ أباكُمُ السماويّ كاملّ ” ( متى ٥ : ٤٨ ) . فالقداسة لا تظهر دائماً في الأعمال الخارقة والكبيرة بل في الوفاء اليومي لمواعيد معموديتنا . والقداسة تكمن في محبة الله ومحبة إخوتنا وأخواتنا وكُلُّ الناس الذين خُلقوا على صورة وحه الله ومثاله ، وهو حب يبقى أميناً للتخلّي عن الذات والتكرّس الكامل للآخرين . وعلينا أنّ نفكِّر بالأمهات والآباء الذين يضحّون في سبيل عائلاتهم وتربية اولادهم على محبة الله والقريب ويتناسوا أُموراً كثيرة لزرع القداسة في بيوتهم ومجتمعهم .
هناك صلة مشتركة بين القديسين وهي السعادة التي كانت تغمرهم . لقد وجدوا سرّ السعادة الحقيقية التي تكمن في أعماق النفس ومصدرها محبة الله . لهذا نحن ندعو القديسين طوباويين . إنّ التطويبات كانت مسيرتهم وهدفهم وأرضهم الأمّ ، والتطويبات هي طريق الحياة التي يعلّمنا إياها الرب حتى نسير على خطاه .
إنّ التطويبات هي صورة المسيح وبالتالي صورة كل مسيحي “ طوبى للودعاء ” . يسوع بذاته يقول لنا : “ تَتَلمذوا لي فإنِّ وَديعٌ مُتواضِعُ القلب ” (متى ١١ : ٢٩ ) . هذه هي الصورة الروحية للمسيح يسوع وهي تكشف وفرة محبته لنا . إنّ فضيلة الوداعة هي أسلوب عيش وتصرّف تُقرّبنا من يسوع ومن بعضنا إلى الآخر . إنها تسمح لنا أن نضع جانباً كل ما يفرقنا ويبعدنا عن بعضنا ، وإلى إيجاد أساليب جديدة للتقدّم في مسيرة القداسة التي توصلنا إلى الوحدة الحقيقية مع الله ومع كل إخوتانا البشر . .
إنّ التطويبات هي بطاقة وهوية المسيحي . إنها تبيّن بأننا أتباع يسوع . نحن مدعوون لكي نكون طوباويين وتلامذة يسوع ، وعلينا أن نواجه الصعاب بروح ومحبة يسوع.
طوبى لمن يبقون مثمرين بينما يواجهون الشرّ الذي يقترفه الآخرون تجاههم ويسامحون ويغرفون من كل قلبهم .
طوبى لمن ينظرون في عيون المهمّشين والمنبوذين والمتألمين والمشردين واللاجئين ويظهرون بالقرب منهم لمساعدتهم وتخفيف الآمهم .
طوبى لمن يرون الله في كل شخص ويجهدون في سبيل جعل الآخرين يكتشفون المسيح ومحبته.
طوبى لمن يتخلّون عن راحتهم الشخصية في سبيل مساعدة وإدخال الفرح في قلوب الآخرين .
طوبى لمن يصلّون ويعملون من أجل تحقيق الوحدة الكاملة بين المسيحيين . كلّ هؤلاء هم رسل رحمة الله وحنانه وبالتأكيد سيُكافأون على ذلك .
إنّ الدعوة إلى القداسة هي موجّهة إلى كل شخص منا ، ويجب أن نحصل عليها من الله بروح الإيمان . إنّ القديسين يحفّزونا بسيرتهم وبشفاعتهم لنا أمام الله ونحن بحاجة إلى بعضنا البعض إن أردنا بالحقيقة أن نكون قديسين وكاملين .
نطلب من الله نعمة قبول هذه الدعوة ، الدعوة إلى الكمال والقداسة ، بفرح وأن ننضمّ إلى تحقيقها مع بعضنا بالكامل . في هذا العيد ، عيد جميع القديسين ، نوكل كلّ نوايانا وطلباتنا إلى أمنا السماوية مريم العذراء سُلطانة القديسين والحوار الهادف إلى الوحدة الكاملة بين المسيحيين حتى نُبارَك في جهودنا ونصل إلى القداسة بوحدتنا .